يعتبر الفرعون شيشُنق الأول مؤسس الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من بين الحكام الذين طبعوا بمرورهم تاريخ مصر القديم، وقد أثار البحث حول أصوله آراء متباينة بين المؤرخين الأوروبيين الذين اهتموا بتاريخ مصر القديم. فقد كانت بعض الكتابات البريطانية حول تاريخ مصر الفرعونية تصنفه كقائد آشوري أي من أصول عراقية بينما صنفته الكتابات الفرنسية من أصول ليبية أي بربرية. واستندت الكتابات التاريخية البريطانية فيما ذهبت إليه على ورود أسماء في عائلة هذا الفرعون تماثل الأسماء الآشورية والأكادية القديمة. فاسم والده هو نمرث والذي فسر بأنه نمرود الذي أطلق اسمه على أحد ملوك العراق القدماء كما ورد في الكتب السماوية. كما أن عاصمة الأشوريين كانت تسمى نمرود أو آشور. أما اسم ابنه الذي خلفه في الحكم فهو أوسركون وهو اسم شبيه بسركون الثاني الآشوري وسركون الأكّادي. لكن المؤكد أن هذا الشخص ينحدر من أقوام الليبو. كانت كلمة الليبو تطلق في عصر ما قبل التاريخ على السكان الذين يقيمون إلى الغرب من مصر أو ما عرف في العصر الوسيط بالبربر. (سفر العرب الأمازيغ. علي فهمي خشيم، دار نون، .1996 باعتبار هذه الشخصية التاريخية هي شخصية وافدة من ليبيا الحالية، فقد اعتنى البحاثة الليبيون بها في كتاباتهم. ومن بين من كتبوا عن شيشُنق الأستاذ رجب عبد الحميد الأثرم أستاذ التاريخ بجامعة بنغازي والمفكر الليبي الراحل علي فهمي خشيم وهو من أصول شركسية. وستنسد فيما نكتبه عن هذه الشخصية إلى هؤلاء وكذلك إلى المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان مؤلف كتاب تاريخ شمال أفريقيا. تتطابق المعلومات التاريخية التي يقدمها كل من الأثرم وخشيم، حيث تقول إنه ابتداء من عهد رمسيس الثاني الذي حكم مصر في النصف الثاني من القرن الثالث عشر قبل بداية التقويم الميلادي، بدأت مصر تتوسع شرقا فبرز الاعتماد على الجند الأجانب. وكان الأقرب إلى أولئك الحكام مجموعات الليبو التي بدأت تستقر في منطقة الدلتا أي شمال القاهرة وخاصة من قبيلة المشْوَش التي كانت تقيم في المناطق المحاذية لمصر، مما أدى إلى انخراط الكثير من أبنائها في الجيش المصري في عهد الأسرتين العشرين والواحدة والعشرين والتي عرفت بحكم الرماسسة لغلبة اسم رمسيس أو رعمسيس على من تولوا الحكم خلالها. وتشير تلك المعلومات إلى أن أولئك الجنود كانوا يأخذون أجورهم في شكل إقطاعات من الأراضي مما أدى إلى تشكّل العديد من الإقطاعيات التي كانت تقيم بها الجاليات العسكرية الأجنبية، ومع تقادم إقامة تلك الجاليات أصبح لوجودها تأثير ملموس. وكان من بين أسر الليبو التي صار لها شأن في المجتمع المصري أسرة بويُواوا Buyuwawa الذي أصبح ابنه كاهن معبد مدينة طيبة وحاكم مدينة الجند. وصارت الوظيفتان على أهميتهما حكرا على أبناء تلك الأسرة، فأصبحت تملك نفوذا أكبر داخل أروقة الحكم في مصر. كان شيشُنق الأول أحد أحفاد أسرة بويواوا واستطاع أن يكسب ود فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين وانتهز فرصة وفاة الفرعون بسوسنيس الثاني آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين ليتولى حكم مصر في عام 950 أو 945 ق. م في رواية أخرى. وزوج ابنه أوسركون الأول الذي خلفه في الحكم من ابنة الملك المتوفي ليؤكد أهليته لتولي عرش مصر.(محاضرات في تاريخ ليبيا القديم، رجب عبد الحميد، .1994 بينما تقول روايات أخرى إن شيشنق هو من تزوج ابنة الفرعون المصري. من جهته، تحدث المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان في كتابه تاريخ شمال أفريقيا عن هجرة مجموعات من الليبو إلى منطقة الدلتا في مصر خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ووصل بعض أحفادهم إلى تبوّء عرش الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين. وكان على رأس هؤلاء الأحفاد الفرعون شيشنق الأول الذي بدأ حكمه لمصر في منتصف القرن العاشر قبل الميلاد. ويشير جوليان إلى أن شيشنق لم يقم بحرب ضد مصر ولكنه ترقى في السلطة بحكم موقع عائلته في خدمة حكام الأسرة الواحدة والعشرين التي كانت تحكم البلاد في تلك الفترة (ش أ. جوليان، تاريخ أفريقيا الشمالية ج1 ، تعريب مزالي و بن سلامة، .1978 وهو ما يفيد بأن استلام شيشنق للسلطة لم يثر أي مقاومة من الطبقة الحاكمة باعتباره واحدا منها خاصة بعد أن دعّم موقعه بالمصاهرة التي تمت مع ابنة الفرعون المتوفي وهو ما يضفي المزيد من الشرعية على حركته، كما أن فترة حكم مجموعات الليبو دامت حوالي قرنين من الزمان أي من 950 إلى 750 ق.م وهي فترة طويلة نسبيا خاصة إذا تحدثنا عن أجانب يحكمون مصر مما يُفهم منه أن هذا الوصف لم يكن معمولا به تجاه هؤلاء. تجدر الإشارة إلى أن التوراة تحدثت عن شخصية مشابهة في الإسم لشيشٌنق وسمتها شاشاك أو شاشاق فقد يكون هو نفس الشخص لأن الفرعون شيشُنق الأول قاد حملات عسكرية ضد الدولة اليهودية القائمة في تلك الفترة بعد وفاة النبي سليمان عليه السلام، واستولى على القدس وأخذ كنوزها. إن من جاء بفكرة غزو شيشنق لمصر وهزيمة حاكمها وربط تلك الواقعة بتاريخ 12 يناير من كل سنة هي الأكاديمية البربرية وهي حركة معارضة جزائرية ينحدر أعضاؤها من منطقة القبائل، تأسست في باريس في أواخر 1966 وبدايات .1967 وتدخل محاولة الأكاديمية البربرية في إطار سعيها لبعث فضاء بربري يمتد من القاهرة في مصر إلى جزر الكناري في إسبانيا. لكن لا نعرف على ماذا استندت تلك الحركة في تبرير ذلك التوجه ولماذا اختارت 12 يناير خاصة وأن هذا التاريخ يرتبط بالتعديل الذي أدخله الحاكم الروماني يوليوس قيصر سنة 46 ق.م. على التقويم الروماني القديم، وذلك تخليدا لانتصاراته ومنها قيامه بضم نوميديا نهائيا إلى روما ووضع مصر تحت حماية بلاده واحتلال بلاد الغال أي فرنسا. ويعتبر تاريخ 12 ينار في تقويم يوليوس قيصر هو بداية السنة الميلادية. وبقي ذلك التقويم يستخدم في كل العالم المسيحي لغاية سنة ,1582 كما لا يزال معمولا بها لدى الكنائس المسيحية الشرقية في العالم. وفي سنة 1582 قام غريغوار بتعديل تقويم يوليوس قيصر. وظل التعديل الذي أدخله غريغوار على تقويم يوليوس قيصر ساريا إلى يومنا هذا حيث عدلت بداية السنة الميلادية من 12 يناير إلى 1 يناير. وكلمة يناير مأخوذة من الاسم الروماني يوناريوس تخليدا للإله يوناس عندهم، مثلما أخذت تسمية جويلية من اسم يوليوس قيصر تخليدا له وتسمية أوت من اسم الإمبراطور أُغسطس وهكذا، فهي أسماء رومانية تخلد أحداثا رومانية لا علاقة لها بتاريخنا وقيمنا، اللهم إلا إذا كان البعض يعتقد أننا رومان. ما يجب التنبيه له أن التاريخ الرسمي لأي بلد يجب أن يكتب من طرف أساتذة مختصين في التاريخ استناد إلى الحقائق وليس اعتمادا على أساطير يختلقها باحثون مهتمون بالأيديولوجيا، ولا يجب أن يكتسي أي نزعة انعزالية ولا يخضع لأي املاءات تتحكم فيها ظروف استثنائية. كما يجب التنبيه إلى أن رمسيس الثاني حكم مصر في الفترة من 1304 إلى 1236 ق. م بينما بدأ حكم شيشُنق الأول ابتداء من 950 ق.م أي أنه لم تكن هناك أي معركة بين رمسيس الثاني وشيشنق الأول لبعد الفترة الفاصلة بينهما. لا رمسيس الثاني ولا غيره من الرماسسة وعددهم أحد عشر حاكما يحمل هذا الاسم. فحروب رمسيس قادها كلها ضد الحثيين في غرب آسيا حيث توسعت مصر في عهده نحو الشرق كما هو ثابت في التاريخ المصري. ولعل خير ما نختم به حديثنا هو التذكير بأن راس العام كما نسميه في منطقة الحضنة عادة معروفة عند الجزائريين قبل أن تظهر النّزعات الأيديولوجية، لكن يقصد بها بداية السنة الفلاحية الجديدة ولا علاقة للموضوع بأي حروب أو انتصارات خارجية. وفي الحضنة تخلد هذه الذكرى الفلاحية بتحضير أُكلة الشّرْشم وهي أكلة شعبية يتم إعدادها خصيصا بهذه المناسبة وتتشكل من مجموع الحبوب الجافة الموجودة في حوزة الأسرة ومن أبرزها القمح يضاف إليه الفول اليابس والحمص ولا مكان للشعير فيها. تطبخ تلك الحبوب سويا وتقدم لجميع أفراد العائلة، وعلى الجميع أن يحس في تلك الليلة بالشبع تفاؤلا بسنة فلاحية مثمرة. من المفيد كذلك الإشارة إلى أن هذه الواقعة التاريخية تبرز مدى التأثير والتأثر القائم بين دول شمال أفريقيا منذ القديم، وأن ذلك التأثير والتأثر يمتد لقضايا أخرى تمس جوانب متعددة من النشاط الإنساني في المنطقة، وهو أمر ينبغي الاهتمام به رسميا في الجزائر ومصر بعيدا عن أي صبغة أيديولوجية تسعى أطراف حزبية لتوظيفها لأغراض سياسية عبر تضخيم الأساطير المنافية لصحيح التاريخ.