القوى الغربية الكبرى وبمشاركة بعض أعراب الخليج أصبحت حليفة ولو بشكل غير مباشر للقاعدة والتنظيمات الإرهابية التي تسير في فلكها وهذه حقيقة أصبحت ظاهرة حتى بالنسبة لعامة الناس فما بالنا بالمختصين أو العارفين بقضايا الأمن ومكافحة ما يسمى بالإرهاب الدولي، والتقرير الذي نشره مؤخرا خبراء تابعين للأمم المتحدة مكلفين بمراقبة تطبيق العقوبات على تنظيم »القاعدة« والتنظيمات الموالية له،هو أكبر دليل على هذا »التحالف« غير المعلن بين الغرب والإرهاب لاعتبارات إستراتيجية بحتة تتعلق بالهيمنة والبراغماتية المقيتة التي تشكل أساس ثقافة الدول الغربية وتبرر كل تصرفاتها اتجاه »باقي العالم«. وهناك أكثر من دليل يثبت تورط الغرب في »تغويل« القاعدة وفقا للتقرير المذكور، أولها أن نواة هذا التنظيم الإرهابي الذي يقال أنه قد أصبح عالميا ولو بالتبعية، »لم تصبح في مالي أو الجزائر، بل انتقلت إلى جنوب ليبيا«، فمن قبل عانت الجزائر من الإرهاب الذي انتقل إليها من أقاصي الأرض من أفغانستان، ودخل أرضها عبر فتاوى القتل التي كانت تروج لها أيضا بعض الدول العربية، ودخل مالي معتمدا على عوامل مختلفة، ليستقر في ليبيا بعدما حولت الحرب في هذا البلد ما سمي ب »الثورة« ضد نظام العقيد معتمر القذافي ليبيا إلى ارض مستباحة أمام جحافل من يسمون ب »الجهاديين«، لكن من ساهم في تحويل ليبيا إلى ما آلت إليه باليوم، ومن كان وراء تكسير بلد وتحويله إلى ميدان حرب مفتوحة بين اللبيبين؟ إنه الغرب طبعا، أمريكا وفرنسا بمساعدة بعض الأعراب الخليج الذين وفروا السلاح والمال ويسروا الطريق أمام المرتزقة، فهؤلاء كلهم ساهموا في تدمير ليبيا وتحويل هذا البلد إلى قاعدة خلفية للتنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم أيمن الظواهري. تقرير الخبراء الأمميين قال إن »القاعدة« استفادت من النزاع في سوريا وشمال اليمن والفراغ في السلطة في ليبيا والعراق وأفغانستان، وفي كل هذه المناطق نجد يد أمريكا وحلفائها، وفي جميع هذه الدول صنعت واشنطن الإرهاب كمن يصنع دميا ليلهو بها، هذه حقيقة قد تبدو غريبة بالنسبة للبعض، مع أن هندسة الإرهاب لأغراض إستراتيجية تحدث عنها الكثير من الخبراء ومن الباحثين الاستراتيجيين في الغرب الذين تكلموا بإسهاب عما سمي بصناعة العدو وافتعال ما سمي ب »التهديد الأخضر«، في إشارة إلى الإسلام السياسي ليعوض »التهديد الأحمر« أي الشيوعية التي انتهت كتهديد مباشر لأمريكا والغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لقد تحدث تقرير خبراء الأممالمتحدة عن دفع فدى بمبالغ تصل إلى 120 مليون دولار إلى جماعات إرهابية بين عامي 2004 و,2012 وتحدث أيضا وبالأرقام عن نحو ألف و282 عملية اختطاف بدوافع إرهابية جرت في عام ,2012 مضيفا أنه في بعض الأحوال، فإن اختطاف شخص واحد قد يوفر فدية تتجاوز المليون دولار لتحريره، وأوضح ضمن نفس السياق إلى أن 53 في المائة من عمليات الاختطاف في 2012 جرت في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا بزيادة 18 في المائة عن عام ,2004 وتسعة في المائة في منطقة الشرق الأوسط بزيادة أربعة في المائة عن .2004 التقرير لم يكشف عن الجهات أو بالأحرى الدول التي تدفع الأموال وبسخاء كبير للتنظيمات الإرهابية لتحرير رعايها وهم في الغالب عناصر استخبارات غبية تقع بسهولة في شباك الإرهابيين أو المهربين الذين يبيعونهم فيما بعد لتنظيمات القاعدة، ففرنسا تتصدر قائمة الدول الغربية التي تدفع الفدية وهناك دول أخرى في أوربا وغير أوربا، هناك ألمانيا واسبانيا وايطاليا وحتى كندا، مع أن خطاب هذه الدول كلها يزعم محاربة تمويل الإرهاب في وقت أصبحت فيه الفدية مصدر التمويل الرئيسي للمجموعات الإرهابية في العالم أجمع وخصوصا في منطقة الساحل جنوب الصحراء، فمتى يتوقف هذا الغرب عن الكذب على »باقي العالم« ومتى يخرج الإرهاب من دائرة الاستغلال والتوظيف الاستراتيجي للدول الكبرى التي تستعمله لإبقاء العالم العربي والإسلامي دوما تحت الهيمنة؟.