تطورات سياسية ودبلوماسية متسارعة شهدتها منطقة الخليج خلال أسبوعين. الدوحة من جهة ومجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى بقيادة العربية السعودية دخلت في حرب بيانات واتهامات متبادلة، وسحب ثلاثة سفراء للرياض والمنامة وأبو ظبي من قطر هو بداية انفراط عقد اللؤلؤ. ماذا حدث بالضبط أو بالتقريب، ما هي خلفيات القطيعة وأين يمكن أن تصل وتتطور، هل هو صراع مصالح أو صراع نفوذ، هل ستذهب الأمور نحو الأسوأ نحو القطيعة النهائية أو نحو تفككك هذه الهيئة التي أنشئت منذ نحو أربعين سنة خلت، بداية الثمانينينات في القرن الماضي، وأتذكر أن وزير خارجية الجزائر في تلك الفترة علق على ذلك بالقول أن:'' الخليجيون كونوا جامعتهم العربية''. المأخذ الخليجي حسب بيان العواصم الثلاث أن الدوحة تعطل الإجراءات الأمنية المشتركة، بل أكثر من ذلك وجهت لقطر تهما حول تشجيع التطرف إعلاميا وفتح قناة '' الجزيرة'' لخطاب تحريضي! عودة قليلة إلى الخلف، وأساسا العلاقات السعودية - القطرية التي تشهد دوما مراحل سمن على عسل ومراحل جفاء، فهل تصل إلى القطيعة نهائيا؟ العلاقات بين البلدين في الأساس مبنية على الشكوك وانعدام الثقة رغم المظاهر، وهناك خلافات حدودية بين الإمارة والمملكة التي لديها أيضا خلافات مع أغلب جاراتها مثل اليمن وسلطنة عمان، كما أن هناك دوما تجاذبا بين البلدين داخل التعاون الخليجي الذي تسعى الرياض للهيمنة عليه وتتهم الدوحة دوما بخرق هذا التوجه. وخلال ثلاث سنوات ماضية، هي عمر ما يسمى ''الربيع العربي'' كان هناك انسجام ديبلوماسي بين البلدين في التعامل مع الأحداث العنيفة والدموية التي وقعت في تونس وليبيا ومصر وسوريا وفي العراق، كلتاهما رمت بثقلها المالي والإعلامي ضد أنظمة هذه البلدان، ونجحت في ذلك، إلا في موقع واحد هو سوريا التي دمرت لكن النظام بقي صامدا والدولة لم تسقط وأجهزتها ظلت متماسكة وجيشها لم يتفكك وينقسم. إفرازات تلك الثورات، فجرت تناقضات وصراعات بين العاصمتين في كيفية التعامل مع إفرازات تلك الفوضى الإرهابية والتدميرية التي تشهدها المنطقة العربية وكانت في البدء برعايتهما - ذلك أن ''عفريت الثورة'' خرج عن السيطرة وخرق العباءات وقفز فوق العمائم والعقالات.... هنا بدأ الصراع الصامت بين العاصمتين. ففي حين تبنت الدوحة تيار الإخوان المسلمين مثلها مثل تركيا أردوغان، دون أن تنفض يديها من التنظيمات الأخرى الإرهابية والعسكرية مثل داعش وجبهة النصرة، فإن الرياض بعد إزاحة مرسي من رئاسة مصر، غيرت اتجاهها مرة واحدة وعادت تيار الإخوان، ومن ثمة ساءت علاقاتها بأنقرة التي يمكن القول أنها ضيعت كل شيء في المنطقة نتيجة مراهنتها على إسقاط نظام الأسد... هذا الاستطراد يدفع بي إلى القول أن تسارع تطور الأحداث والقطيعة على مستوى منظومة الخليج من المماليك والإمارات، ليس مرده في الحقيقة إلى عرقلة المنظومة الأمنية بين بلدانها كما برر ذلك البيان الثلاثي السعودي، الإماراتي، البحريني - إنما لاستدارة قطر وطعنها في الظهر إن صح التعبير، من خلال الاتصالات التي تجريها قطر مع الدولة السورية، وهي حقيقة كانت منذ أكثر من ستة شهور تتم بالإشارات والرسائل المشفرة لكن يبدو أنها تقدمت كثيرا مما دفع الرئيس الأسد إلى التحدث عنها أمام وفد أردني زار مؤخرا دمشق. وإذا أضفنا لذلك دخول قطر على خط مسعى إطلاق سراح راهبات معلولا فإن هذا التوجه في مجمله اعتبرته السودية القشة التي قصمت ظهر البعير. دبلوماسية قطر إن تتسم بالعدوانية وبالهجومية، فإنها لا تخلو من الذكاء ومراجعة خط سيرها، وبالنسبة للأزمة السورية بالذات، يبدو أن الدوحة اقتنعت أن إسقاط الحكومة السورية قد أصبح جزءا من الماضي وهي في هذه الحالة تضع في الحسبان التوازنات الدولية وميزان القوى الذي لا يسمح بذلك، وأعني هنا موقف موسكو، كما موقف طهران التي دعمت الدوحة علاقاتها معها. ويبدو أن قطر تجاوزت بالفعل الحد الأحمر في نظر شركائها في المنطقة وأساسا الرياض وأبو ظبي والمنامة، وهي العواصم المتشددة في الملفات العربية الخلافية سواء تعلق الأمر بالوضع في مصر أو سوريا أو في العراق أو حتى في اليمن وهو ما يعني أن الدوحة في ممارساتها الدبلوماسية لا تعطي أهمية كبيرة للتفاهمات الخليجية. ويبدو أن التصعيد والقبضة الحديدية بين الرياضوالدوحة ستتواصل وقد تتصاعد. فمنذ حوالي ثلاثة أسابيع بثت قناة '' العربية'' السعودية شريط فيدو قالت أنه لمركز تدريب مقاتلين في قطر، وبأن هؤلاء سيوزعون للقيام بمهام إرهابية تستهدف بلدان المنطقة، وقد يكون ذلك مجرد فبركة، أو قد يكون حقيقة، وهنا أود أن أفتح قوسا صغيرا لأذكر وخاصة مواطننا في الجزائر أن مثل هذه الممارسة القطرية ليست جديدة، فقد ثبت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي أن هناك مزرعة ومركزا في قطر مخصصين لتدريب الجاهديين الجزائريين المتوجهين إلى أفغانستان والمئات منهم عادوا إلى الجزائر للمشاركة في الأعمال الإرهابية التي عاشتها بلادنا طيلة تسعينات القرن الماضي... وهنا أغلق القوس.. وبعد .. خلال الأسبوعين القادمين، ستحتضن الكويت لقاء القمة العربية، وملفات كثيرة مطروحة أمام هذه القمة التي أظن أنها ستكون شكلية وتبرز الانقسام أكثر مما تبرز الانسجام، وقبل أزمة مجلس التعاون الخليجي كانت نقاط جدول الأعمال تتضمن مسألة منح ما يسمى الإئتلاف السوري مقعد دمشق في الجامعة العربية، وقد كان التوجه بدءا من إدارة الجامعة وكل دول الخليج هو الدفع لحسم هذه المسألة لصالح المعارضة السورية الخارجية، ومرة أخرى أود أن أذكر هنا أنه خلال أزمة الطائرة الفرنسية التي حولها الإرهابيون منتصف تسعينات القرن الماضي من مطار الجزائر إلى مرسيليا، قاطعت كل الشركات الجوية الغربية ومعها العربية، الجزائر فقط بقيت شركة الخطوط الجوية السورية العربية الوحيدة التي أبقت على خط دمشق - الجزائر ولم تشارك الحكومة السورية قرار المقاطعة العربية. في ذهني وأنا أذكر بهذه الواقعة، أن دبلوماسيتنا ستتذكر مثل هذا الموقف وهي تشارك في الاجتماعات التحضيرية العربية لقمة الكويت.! هل هي لعنة الشام؟!