سلطنة عمان قالت لا، للطموح السعودي الاستحواذ مؤسساتيا على مجلس التعاون الخليجي وتحويله إلى اتحاد دول الخليج تحت المظلة السعودية مباشرة.. ● كوب بارد سكبته مسقط على الرياض ودون تردد أن السلطة لن تكون طرفا في هذا المشروع الذي يراود السعودية منذ أمد، وانتهزت فرصة ''الحيرة'' التي أصابت إمارات الخليج بعد الإتفاق النووي مع إيران لتطرحه كذريعة لمواجهة التهديد الإيراني، الأغنية التي تكررها الرياض دوما حتى أصبحت مملة.. سلطنة عمان قالت بصوت عال ما يتهامس به بعض قادة الخليج سرا، ربما باستثناء مملكة البحرين التي ربطت مصيرها بمصير آل سعود، في حين تكون قطر وفي المقام الثاني الكويتوالإمارات أقل حماسة للاندفاع السعودي، ذلك أن الأولى لديها خلاف حدودي مع الرياض كما تزحمها في قيادة التيارات السلفية والجهادية في سوريا والعراق ولبنان أساسا وفي شمال إفريقيا... وقد يكون موقف مسقط مخرجا ولو مرحليا لبقية إمارات الخليج مما سيمنحها وقتا مستقطعا لتأجيل الهيمنة السعودية التي تسعى لمقايضة واشنطن أساسا بما تعتبره استقطابا خليجيا يمنحها بعض ما تعتبره أوراقا في مواجهة إيران.. والرياض لسذاجة تفكيرها السياسي والديبلوماسي تعتبر موقف واشنطن خيانة لها ولإخلاصها ووفائها لهذا الحليف الذي تجاهلها إبان اتفاق جنيف النووي مع طهران رغم أن إيران أعلنت مرارا عن استعدادها ليس فقط التعاون مع السعودية إنما بناء علاقات ثقة من خلال اعتبارها المملكة قطبا في المنطقة.. وفي حين تسعى القوى الكبرى كلها إلى التهدئة وتخفيف حدة التوتر في هذه المنطقة، فإن الرياض تسبح عكس التيار ولا تتورع عن القيام بأي شيء، قد يثبت تأثيرها حتى ولو كان مدمرا مثل ما يحدث في سوريا والعراق وبدأ يهدد لبنان سالكة بذلك مسلك حافة الهاوية التي لا تستطيع مواجهة تبعاتها. الأمر هنا يتعلق بعنجهية وتنطع في مواجهة تطورات متسارعة في كل المنطقة خليجيا وشرق أوسطيا، وهي تطورات ليس بمقدور التفكير السعوي القحط استيعابها، في حين تكون سلطنة عمان تفهم جيدا وتعي لعبة التوازنات الدولية التي تتحكم في استراتيجية القوى الدولية الكبرى في المنطقة وعلاقاتها مع القوى الإقليمية وهي في هذه الحالة إيران وليست السعودية. سلطنة عمان من خلال موقعها الجغرافي مثلها مثل إيران تتحكم في مدخل الخليج في جزئها الجنوبي والغربي، في حين تتحكم فيه إيران شرقا وحتى بحر العرب وهي تقيم علاقات جيدة مع كل جيرانها وتسعى لجلب الإستقطابات التي تعتبرها تهدد استقرار كل المنطقة، وهذا السلوك كثيرا ما أغاض السعوديين الذين لا يمتلكون ذكاء العمانيين ولا تفتّحهم ولا إرثهم الحضاري أيضا... في سبعينات القرن الماضي حين كانت سلطة عمان تتعرض لتهديد من منطقة ظفار التي انتشر فيها تمرد مسلح مدعوم من اليمن الجنوبية ومن الصين من خلال ماركسية تلك الحركة لم تتحرك السعودية لمساعدة السلطنة، بل ربما سرها ذلك من خلال إضعاف تعتبره مذهبيا وهو المقياس الأساسي الذي تصنعه الرياض في المقام الأول لدى تعاملها مع بقية العالم العربي والإسلامي - مخالفا لمذهبها باعتبار أن العمانيين يتبعون الزيدية والخارجية والشيعية والسينية في تعايش منسجم وليس مغلوقا أو محنطا أو جامدا.. في تلك الفترة تدخلت إيران عسكريا وساعدت سلطنة عمان في مواجهة التمرد وإزالته، وقد يكون الشاه هو الذي بادر إلى ذلك وهو نفسه الإمبراطور الذي كان دركي واشنطن في الخليج وليست السعودية، وكانت الرياض تقيم معه علاقات جيدة رغم تهديده باحتلال البحرين وقيامه باحتلال ثلاث جزر في نزاعه على السيادة عليها مع الإمارات العربية المتحدة لم تفعل الشقيقة الكبرى، الوصف الذي يطلقه أمراء الخليج على السعودية، أي شيء ما عدا مجرد كلام لمساعدة أبو ظبي وحتى البحرين التي هي اليوم مملكة تحت حماية السعودية، هدد الشاه باحتلالها لولا معارضة واشنطن ولندن، وليس موقف السعودية أو وزنها لمنع ذلك. إذن إيران هي التي ساعدت السلطنة، فلماذا تدخل اليوم مسقط في تحالف موجه أساس ضدها، وهي بهذا الموقف تعبر عن ذكاء وبعد نظر في تعاملها مع محيطها كدول وليس أنظمة عكس السعودية التي إن تعاملت مع نظام الشاه كصديق وحليف، فهي عادت منذ البداية سنة 1979 نظام الخميني والجمهورية الإسلامية باعتبار ذلك تهديدا لها، وهذه النظرة تشكل دوما أحد الإعاقات السياسية والديبلوماسية للعربية السعودية. ليس هناك من مقارنة بين سلطنة عمان التي تعلن موقفا متميزا عن بقية الخليجيات والسعودية، ذلك أن هذه الدولة التي ورثت إرث العمانيين من البحارة والتجار والدعاة هي التي نشرت الحضارة العربية والإسلامية في كل شرق إفريقيا من كينيا حتى جنوب شرق آسيا والبحارة العمانيون هم الذين عرفوا الغرب بالطريق التجاري البحري من جنوب المحيط الهندي حتى المحيط الهادي في أندونيسياوالصين والهند وكل بلدان جنوب شرق آسيا التي عرفت الإسلام المتسامح المتعايش مع أمم وشعوب ذات معتقدات وديانات متعددة، هل للسعودية أي مساهمة أو فضل في ذلك؟ ما يعرفه العالم عن السعودية منذ سيطرة ''ملك الرمال'' وهو عنوان فيلم جريء للمخرج السوري نجدت أنزور تحاول الرياض اليوم التدخل لمنع عرضه ويستجدي أحد أمرائها الرئيس الأسد للضغط على سحبه، أقول ما يعرفه العالم عن هذه المملكة أنها كيس نقود وبرميل نفط ومفرخة القاعدة والتيارات التكفيرية الإرهابية.