حمل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عصا الترحال إلى عدد من العواصم الخليجية، مباشرة بعد التوقيع على اتفاق جنيف بين طهران والدول الغربية حول البرنامج النووي الإيراني لطمأنتها على مضمون هذا الاتفاق بقناعة أنه يخدم الأمن والاستقرار في كل المنطقة، ولن يكون أبدا على حساب أية دولة في المنطقة. وشرع ظريف في جولته الخليجية رغبة من السلطات الإيرانية في تسويق سياسة مواقف إيران في عهد الرئيس حسن روحاني وطي صفحة الرئيس محمود أحمدي نجاد التي عرفت فيها العلاقات الإيرانية الخليجية أشد فترات توترها. ورغم أن ظريف زار الكويت سيتي ومسقط والدوحة إلا أن تصريحاته ركزت بشكل كبير على الرياض التي تبقى القطب المحوري في دول مجلس التعاون الخليجي عارضا على سلطاتها "العمل سويا" من أجل ترقية الاستقرار في الشرق الأوسط. وجاءت دعوة رئيس الدبلوماسية الإيراني باتجاه سلطات الدول الخليجية لفتح صفحة جديدة بعد الجفاء الذي يميز علاقاتهما على خلفية دعم طهران لحزب الله اللبناني وأيضا بسبب وقوفها إلى جانب النظام السوري في وجه أطياف المعارضة التي تحاربه. ولم يخف ظريف رغبته في القيام بزيارة إلى الرياض في نفس الوقت الذي بعث فيه برسائل تهدئة باتجاه السلطات السعودية بقناعة أنه يتعين على إيران والعربية السعودية العمل سويا لترقية السلم والاستقرار في المنطقة. وإذا كانت الرياض غير مدرجة ضمن محطات جولته الخليجية فإن الوزير الإيراني لمح الى وجود اتصالات دبلوماسية سرية بين البلدين من أجل تحديد تاريخ لذلك وقال "سأزور العربية السعودية قريبا". وتعد العربية السعودية وكل دول الخليج من أشد الرافضين للبرنامج النووي الإيراني لاعتبارات أمنية وأيضا بسبب مخاوف بيئية وخاصة منذ حادثة مفاعل فوكوشيما الياباني سنة 2011 وطرح بإلحاح فكرة الأمن الوقائي من كوارث المفاعلات النووية في العالم حتى وإن كانت لأغراض سلمية. ودأبت السلطات الإيرانية على توجيه رسائل طمأنة باتجاه جيرانها الخليجيين وخاصة باتجاه الرياض التي استقبلت اتفاق 24 نوفمبر الماضي بريبة معلنة. ولكن متتبعين لتوالي الأحداث في منطقة الشرق الأوسط أجمعوا على أن توتر العلاقة بين طهرانوالرياض مرده صراع زعامة في منطقة الشرق الأوسط على خلفية أن البلدين اللذين يعدان أكبر قوتين في المنطقة يسعيان ليكونا حجر الزاوية في كل الترتيبات السياسية والعسكرية التي يمكن أن تعرفها المنطقة كانعكاس مباشر لما أصبح يعرف ب«الربيع العربي". كما أن الصراع الخفي مرده مخاوف عربية من مد شيعي مستفحل على المنطقة العربية بما قد يذكي القلاقل داخل المجتمع العربي الواحد على خلفية طائفية وقد كانت أحداث مدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان أكبر مثال على مثل هذه الأحداث. ولكن السؤال المطروح في ظل هذه المخاوف هل سيتمكن ظريف بلغته الدبلوماسية ورسائله المعبرة عن نية إيرانية لفتح صفحة جديدة مع جيرانه الخليجيين أن ينجح في مهمته ويطوي فعلا صفحة العداء بين الجانبين؟ وهي مهمة حتى وإن لم تكن مستحيلة فإنها ممكنة ولكن بعد أن يسوى معها ملف جزر ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى التي تصر الإمارات العربية على استعادتها من إيران التي بسطت سيطرتها عليها بمجرد خروج الاحتلال البريطاني منها سنة 1971.