الغيرة غريزة و شعور طبيعي عند الإنسان، وهي كالحب، البغض ،الألم والغضب وغيرها من المشاعر، لكنّها كثيرا ما تقترن بالنساء، فتحمل بعضهن مالا طاقة لهن به، كما تترتّب عن الغيرة آثار وعواقب تتفاوت درجاتها، ما يجعل المختصون في علم النفس يصنفونها بين حالة طبيعية تميز المشاعر الإنسانية و المرض الذي يتطلب المتابعة النفسية. الغيرة لدى الّنساء أمر معروف وشائع، باعتبارها غريزة مكتسبة يصعب التحكّم فيها، ونادرا ما نجد امرأة لا تغار، ما وصفه البعض على أنّه حالة من الضعف و إحساس بعدم الأمان تحتاج فيها المرأة إلى الاحتواء، كما تختلف الغيرة باختلاف مسبّباتها، إذ منها ما هو حميد معتدل يمكن تقبّله، ومنها ما هو ذميم يسبّب عواقب وخيمة، يربطها الأخصائيّون بالانحراف النّفسي أو المرض. قد تغار المرأة من مثيلاتها في طريقة اللّباس أو العيش، خاصّة فيما يتعلّق بما تمتلكه النّساء الأخريات وتفقده هي، ويمكن حصر هذه الغيرة في دائرة المنافسة، وقد تغار على زوجها وكلّ ما يحيط به من معارفه وأصدقائه تعبيرا منها عن حبّها له ورغبتها في امتلاكه، لكن في حالة المبالغة تتعكر الحياة الزوجية والأسرية كما تتزعزع الثّقة بين الطّرفين ما يؤدي في الغالب إلى استحالة الحياة الزوجية والطّلاق . يقول الرسّول صلّى الله عليه وسلّم »إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله« والقصص الاسلامية لا تخلو من غيرة نساء السّلف من زوجات الصحابة والرّسل، ففي حديث لأنس رضى الله عنه أنه قال أنّ أمّ سلمة زوجة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أهدته إناء طعام وهو في بيت عائشة فقامت هذه الأخيرة بكسر الإناء من يد الخادمة لشدّة غيرتها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم »غارت أمّكم«. تحدّثت الأستاذة الدكتورة »أحسن جاب الله حورية« مختصة في علم النفس العيادي، ل»صوت الأحرار« عن الموضوع، حيث أشارت الى أن الغيرة في ثقافتنا تحمل جانبا ايجابيا يتمثل في الاعتزاز، »إذا غار الإنسان فمعناه أنه يعتز بالشّيء الذي غار عليه، والثّقافة العاميّة تقدّم اعتقادا مفاده أنّ الغيرة خاصيّة أنثوية، لكن تعميم مثل هذه المعتقدات هو تعميم نوعا ما اعتباطي، لأنه كما لا يمكن القول مثلا أن الشّجاعة من شيم الرجال فقط كذلك هي الغيرة لايصحّ ارتباطها بالمرأة فقط لأنّها لا توجد عندها أكثر من الرجل« في ذات السياق أوضحت محدّثتنا أنّ »الغيرة منتوج اجتماعي تكتسبه المرأة من خلال التصرّفات التي حولها بداية من الأسرة، ولا يمكن اعتبار الغيرة طبيعة فطريّة، فغيرة المرأة دليل قاطع على اعتزازها بما تغار عليه أو منه، وأحيانا تكون دليلا على عدم ثقتها بنفسها وبمن توجّه لهم غيرتها وهذا الأمر يرجع في غالب الأحيان الى التصرّفات الخاصّة التي من حولها كتعرّضها هي للخيانة أو تعرّض أمها أو أحد المقرّبين منها، ما يعرضّها لصدمة ويجعلها تغار بشدّة« وفي حديثنا عن الغيرة الطبيعيّة والغيرة المرضية، أطلعتنا ذات المتحدّثة أنّ شدّة الغيرة هي ما يحدّد ذلك، حيث قالت »هناك غيرة طبيعيّة تدخل في دائرة الاعتزاز أو المنافسة، وهناك غيرة ندرجها ضمن جدول مرضي معيّن، فعندما تزداد شدّتها يدق ناقوس الخطر، لأن الغيرة هنا تتحوّل إلى هذيان ما يشكّل خطرا على المرأة نفسها وعلى من حولها، وهنا تصبح بحاجة إلى علاج ومساعدة لأنّها مسّت الثّقة بالنفس ممّا يهدّد الرّكائز الثّلاث للصحّة النفسيّة، أوّلها العلاقات الاجتماعيّة التي يجب أن تتّصف بالمرونة، ثمّ القدرة على استعمال الطّاقة النفسيّة بسهولة، وثالثا السعادة« في ذات السّياق أدرجت المختصّة النفسيّة مثالا عن المرأة التي تغار على زوجها بطريقة مبالغ فيها، كأن تغار من كلّ ما يحيط به أو يقترب منه، حتّى من أمّه أو أهله، وتصبح تتعقُّب حركاته، وتتّبع أخباره، وتشكّك في كلّ تصرفاته التي تكون عاديّة لا تستدعي الشكّ أو الغيرة ،هنا تصبح لهذه المرأة مشكلة صحّة نفسيّة حقيقيّة تفقدها الثّقة بزوجها وبنفسها وتدفعها الى اضطهاد كلّ من حولها ما يجعل كلّ حياتها مبنية حول هذيان الغيرة ويعمل على تهديد استقرار حياتها الزّوجية التي غالبا ما تستحيل في مثل هكذا ظروف وتصل إلى الطلاق. وأوضحت المختصّة النفسيّة أحسن جاب الله حورية، أنّ حالات الغيرة المرضيّة عند النّساء، لا تظهر على أنّها مرضيّة في البداية، ممّا يصعّب عمليّة العلاج التي لا تتقبّلها المرأة غالبا، كما أنّه من الصّعب معالجة هذه الغيرة المرضيّة لأنّ الأمر من المفروض أنّه يبدأ من مرحلة الطفولة بالتّنشئة الاجتماعيّة السّليمة والعدل بين الأبناء خاصّة، ممّا يعمل على كبح الغيرة مستقبلا عند الرّجل والمرأة على حدّ سواء، وأضافت أنّه في حال ظهور علامات الغيرة المرضيّة عند الزّوجة وجب استدراجها إلى العلاج بطريقة أو بأخرى دون أن يلمّح لذلك لأنّها سترفض وتعتبر غيرتها طبيعيّة وتجد لها عدّة مبرّرات، هنا يقوم الزوج باقناعها بأنّهما معا بحاجة إلى استشارة في حياتهما الزوجيّة لحمايتها من التدهور واللاستقرار.