أبرز رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي الدكتور معن بشور، في حوار على هامش مشاركة ''صوت الأحرار'' في الندوة الشبابية الفكرية العربية الرابعة أيام 21 و22 و23 فيفري الفارط ببيروت، دور الجزائر في خدمة القضايا العربية ، وثمن الموقف الجزائري حيال الأزمة السورية، وقال إنه» لا ننسى اليوم وقفة الجزائر ضدّ كل أشكال التدخل الاستعماري في سوريا، ورفضها القاطع لتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، وبقاء سفيرها في سوريا وحيداً في العاصمة السورية التي غادرها معظم السفراء العرب والأجانب، فيما أوضح بشأن ما يسمى الربيع العربي أن الحاكم بات يحسب للشعوب ألف حساب، بعد أن كانت الشعوب خارج حسابات الحكام الذين لم يكونوا يقيموا وزنا إلاّ للخارج. ● عقدتم أربع ندوات عربية شبابية، هل الشباب هو الوسيلة التي تعولون عليها في المشروع النهضوي العربي أو هو الهدف من هذا المشروع؟ ■ الشباب في فكرنا هو غاية المشروع النهضوي العربي وهو أداة تحقيقه في الوقت ذاته، فالمشروع النهضوي هو مشروع للمستقبل، وشباب الأمّة هم نصف الحاضر وكل المستقبل، كما قال يوماً، الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر، بل أن الأمّة تحتاج إلى اندفاعه الشباب وحكّمة الشيوخ، كما قال مرة مؤسس البعث الراحل المفكر ميشيل عفلق ●كيف وجدتم مستوى هذه الندوة مقارنة بالندوات السابقة؟ ■كانت الندوة الشبابية الفكرية العربية الرابعة »شباب الأمّة والمشروع النهضوي العربي« خطوة متقدّمة بالنسبة للندوات السابقة، فعدد الشباب المشارك كان أكبر من أي ندوة سابقة، والمشاركة اتسعت لتشمل شباباً وشابات من 17 دولة عربية، ومستوى الأوراق المقدّمة من الشباب حول عناصر المشروع النهضوي العربي، وضرورة النهضة وإشكالياتها، وحول سبل تحقيق المشروع كشف عن تحضير أكبر، وعن عمق ملحوظ، وثقافة مميّزة، وكان واضحاً الاستفادة من ثغرات انتابت التحضير في الندوات السابقة وجرى تلافيها في هذه الندوة ●ركزت الندوة الفكرية الشبابية العربية الرابعة على الوحدة العربية في وقت تعيش الأمة العربية حالة تمزق خطيرة، بين أبناء القطر العربي الواحد، آلا تعتبرون أن هذا سيكون عقبة كبيرة أمام جمع أجزاء الجسد العربي؟ ■ على العكس تماماً، فإن ما تشهده أجزاء الجسد العربي من تمزق وتفتيت يؤكّد على أهمية الوحدة العربية، لأنه يكشف أولاً عجز الدولة القطرية عن ضمان الوحدة الوطنية، وصون الأمن الوطني والقومي، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وحماية السيادة والاستقلال، وتوفير العدالة الاجتماعية، فكما أن الوحدة الوطنية هي الطريق للوحدة القومية، فإن الوحدة القومية هي درع الوحدة الوطنية وحصنها في وجه كل محاولات تهديدها من الخارج أو الداخل على حدّ سواء، إن أعداء الأمّة العربية يتعاملون مع أمّتنا كوحدة يسعون إلى تفتيتها بالتجزئة أولاً، ثم بالتقسيم على مستوى الأقطار، والردّ الإستراتيجي على هذه المخططات يكمن في النضال على طريق وحدة الأمّة، وبناء أمّة الوحدة لتحقيق وحدة الأمّة. ● هل تفكرون مستقبلا في إنشاء وسائل إعلام عربية لمواجهة الإعلام الذي يسعى إلى بث التفرقة بين الشعب العربي؟ ■ أنا من الذين يعتقدون أن هناك اليوم وسائل إعلام عربية نظيفة، مرئية ومسموعة ومكتوبة، ناهيك عن مئات المواقع في الإعلام البديل، وأعتقد أنه من المفيد أن نحشد كل طاقاتنا لدعم هذه الوسائل وتوفير كل الإمكانات لها لتقوم بمهماتها على أفضل ما يكون. إن الإعلام الفاعل بات يحتاج إلى إمكانيات كبيرة ليتمكن من مجاراة الإعلام التابع لمخططات وجهات مشبوهة، كما يحتاج إلى أن يكون مستقلاً في موارده لكي يكون مستقلاً في قراره، ومن هنا فالأسلوب الأنجع يكمن بتشكيل مؤسسة عربية لدعم الإعلام العربي المستقل تسعى إلى مساعدة كل وسيلة إعلامية وحدوية بكل ما تحتاجه من دعم مادي، ومن مساندة مهنية، ومن أفكار ومبادرات تمكنها من توسيع كتلة المشاهدين والمستمعين والقراء على أن لا يكون ذلك على حساب التوجيه العام والمستوى المهني والإرادة المستقلة. ●اختلف الكثيرون في تسمية ما تمر به بعض الدول العربية فهناك من يسميه حراك ومن ينعته بالانتفاضة والآخر بالثورة، فماهي التسمية التي تطلقونها أنتم على ما يحدث؟ ■ ما جرى في بعض أقطار الوطن العربي منذ أكثر من ثلاث سنوات هو حراك شعبي عفوي أساساً يعبّر عن حال احتقان قائم سميناه آنذاك برفض ثلاثية الفساد والاستبداد والتبعية، ويمكن القول أن بعض هذا الحراك جرى استيعابه بذكاء من قبل بعض الأنظمة، وبعضه تحوّل إلى انتفاضة أطاحت برؤوس أنظمة دون الإطاحة بالأنظمة ذاتها، والبعض الثالث أمكن الالتفاف عليه وتجويفه وتحويله من ظاهرة سلمية ديمقراطية مضيئة إلى حال من الاحتراب الدموي الوحشي المدمّر، ولكن لم يصل أي حراك في نظري إلى مستوى الثورة، بتعريفاتها المتداولة، لكن كل حراك بالمقابل قد أعاد الشعوب إلى المعادلة، وبات الحاكم يحسب لها ألف حساب، بعد أن كانت الشعوب خارج حسابات الحكام الذين لم يكونوا يقيموا وزناً إلاّ للخارج، فإذا حازوا على رضاه استمروا في الحكم، وإذا خسروا رضاه خسروا عروشهم وكراسيهم. لكنني أعتقد، وفي ضوء تجارب تاريخية عدّة لأمم أخرى، أن ما جرى لا يمكن إيقافه، أو إرجاعه إلى الوراء، فلقد انفتح المسار أمام إرادة الشعوب، فمن احترم هذه الإرادة وتكيف مع متطلباتها وفرّ الانتصار والازدهار لشعبه، والأمن والأمان له كحاكم، ومن استمر في تجاهل هذه الإرادة أو قمعها أو الاستهانة بمطالبها وجد نفسه خارج دائرة الفعل ودائرة التاريخ معاً. وبالمقابل فإن هذا الحراك ألقى أعباء جديدة على الحركة الشعبية العربية بأحزابها ومنظماتها وجمعياتها ونقاباتها، لكي تدرك معانيه وأبعاده، وتعدّ نفسها نظرياً وعملياً، سياسياً وتنظيمياً، لقيادة هذا الحراك وتطويره وتحصينه بوجه كل محاولات الاستيعاب أو التجويف أو التشويه، وهذا يتطلب مراجعة عميقة لأسباب تراجع الحركات الشعبية ذات الأفق الوطني والتقدمي والديمقراطي، سواء الموضوعي من هذه الأسباب أو الذاتي وامتلاك فضيلة النقد الذاتي دون مكابرة أو تعصّب فئوي أو إنكار للواقع ●ما تعليقكم على مفاوضات جنيف وهل ترى أن المبعوث العربي الأممي لخضر الإبراهيمي قادر على تقريب وجهات النظر بين السوريين؟ ■ إذا كنا نأمل أن تشكّل مفاوضات جنيف خاتمة سعيدة لأحزان سوريا وأزمتها، نكون غير واقعيين في إدراك مجموعة الظروف والعوامل الكامنة وراء هذه الأزمة، لكن إذا كنا نرى في جولتي المفاوضات في جنيف -2- انتصاراً لمنطق الحوار والتفاوض على منطق الاحتراب وإقصاء الآخر، فلقد نجح مؤتمر جنيف -2- في أنه حقّق استدارة لمسار الأزمة كانت ضرورية، لاسيّما أنه وضع الوفد الرسمي السوري تحت سقف واحد ليس مع ممثلي فريق من المعارضة السورية، بل مع كل القوى التي تدعمهم أيضاً، التي كانت تطالب منذ بداية الأزمة بسقوط النظام في سوريا وتنحي الرئيس. بالطبع الآن، وبعد تفجّر الأزمة بين موسكو وواشنطن أثر أحداث أوكرانيا الأخيرة، يمكننا القول أن مؤتمر جنيف -3- قد بات بعيداً عن الأنظار حالياً، لانشغال الراعيين الأمريكي والروسي بمعالجة الأزمة بينهما قبل أن يتمكنا من معالجة أزمة غيرهما، لا سيّما الأزمة السورية. أما عن قدّرة الأستاذ الأخضر الإبراهيمي، الخبير في معالجة النزاعات الدولية، وقد شهدنا دوره الناجح في لبنان وشهدنا له، لكنني أعتقد أن الحل في سوريا هو أكبر من جهود أي فرد مهما كانت حنكته وقدرته وكفاءته الدبلوماسية . ●انشغل كل قطر عربي بمشاكله الداخلية وأهمل القضية الأم فلسطين، ما تأثير ذلك على كفاح الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني؟ ■ الإجابة المعمّقة على هذا السؤال تحتاج إلى أكثر من كلمات عدّة، بقدر ما تحتاج إلى تحليل عميق يتجاوز ما هو باد على سطح الأحداث ليتوغل في عمق التحولات الإستراتيجية التي تعيشها القضية الفلسطينية، ولعل القراءة السريعة في مصادر الارتباك الصهيوني إزاء ما يجري في المنطقة يوضح أن الصهاينة، وأن ينتابهم الفرح والشماته بما يجري في بعض الأقطار العربية، لاسيّما في دولتي الطوق مصر وسوريا، فإن قلقاً دفيناً يحفر في أعماقهم إزاء المآلات التي ستتخذها التطورات في المنطقة، فالصهاينة قلقون من تحوّل القاهرة باتجاه موسكو وصفقات الأسلحة التي وقعها المشير عبد الفتاح السيسي مع القيادة الروسية، كما هم قلقون أن يخرج الجيش السوري ومعه حلفاؤه في المقاومة اللبنانية، وقد اكتسبوا، رغم الخسائر الدامية التي مُنيوا بها، خبرات ومهارات ومناورات بالقتال الحيّ تمكّنهم من مواجهة أفضل مع العدو في قادم الأيام في حال سارت الأمور، كما بادٍ الآن لصالح الدولة السورية، كما هم لا يستطيعون توقع النتائج التي قد تؤول إليها الأوضاع في سوريا إذا انهارت الدولة -لا سمح الله- وعمّت الفوضى التي قد يصيب رذاذها الكيان الصهيوني نفسه، خصوصاً إذا تطورت الأمور إلى مجابهة إقليمية، وربما دولية واسعة. الصهاينة منذ تأسيس كيانهم راهنوا وما زالوا على أنظمة عربية مرتبطة بالغرب تشكّل نوعاً من حرس الحدود لكيانهم، بحيث يضطر المقاتلون الفلسطينيون، أو من أجل فلسطين، إلى الصدام المتكرّر مع هذه الأنظمة قبل الوصول للمواجهة المباشرة مع العدو. اليوم يُدرك الصهاينة أن الأنظمة - الحرس آخذة في التفكك والضعف من جهة، فيما الشعب الفلسطيني قد انتقل بكفاحه إلى داخل فلسطين، وهو الذي يخوض أطول نضال تحرري في هذا العصر، نضال مستمر منذ قرن ونيّف لم يعرف الكلل أو الملل، بل بات نضالاً متكاملاً مع مقاومة لبنانية باسلة غيّرت الكثير من المعادلات في الصراع العربي - الصهيوني. لذلك أعتقد أن أقطار أمّتنا تحتاج إلى فلسطين، أكثر مما تحتاجهم فلسطين التي اعتمد شعبها عموماً على نفسه لعقود طويلة، وأمضى مراحل طويلة من حياته يسعى لصون قضيته من تخاذل بعض الحكام المرتبطين بالمنظومة الاستعمارية وتآمرهم. وحين تعود فلسطين بوصلة الأمّة، لا نقترب من تحريرها فحسب، بل نتجاوز أحوال الاحتراب والفتن المفروضة علينا، فبدلاً من أن نحاصر فلسطين بصراعاتنا، ندخل إلى فلسطين موحدين لحل كل خلافاتنا، لذلك حرصنا، وما زلنا، في منتدى التواصل الشبابي العربي أن يكون عنوان ندوتنا الشبابية الثالثة هو »فلسطين وشباب الأمّة«، وأن ننّكب في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن منذ عدّة سنوات على أن نطلق مبادرات وملتقيات وفعاليات تشكّل فضاء لتلاقي تيارات الأمّة وقوى الحرية في العالم حول عناوين القضية الفلسطينية، وشهدت الجزائر أحدى تلك الملتقيات انتصاراً للأسرى في سجون الاحتلال، ونأمل أن تستضيف الجزائر في الإطار ذاته، وبعد الاستحقاق الرئاسي، ملتقى مناهضة (الأبارتايد) التمييز العنصري الصهيوني ملاقياً حركات مناهضة (الأبارتايد) الصهيوني التي تملأ جامعات العالم في الأسبوع الأول من آذار/مارس من كل عام. ●كيف تقيمون الدور الذي تقوم به الجزائر تجاه القضايا العربية؟ ■ الأمّة العربية علّقت، وما تزال، أكبر الآمال على دور الجزائر في خدمة القضايا العربية، ولا ننسى وقفة الرئيس الراحل هواري بومدين بعد حرب حزيران 1967 ودعمه الكبير لجيش مصر وسوريا لاستعادة الأرض المحتلة، ولا ننسى وقفة شعب الجزائر وقواه الوطنية المناضلة دوماً إلى جانب الشعب الفلسطيني والحق الفلسطيني معتبراً أن استقلال الجزائر لا يكّتمل إلاّ بتحرير فلسطين، كما لا ننسى وقفة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه وإخوانه ضدّ محاولة اتخاذ قرار بالتطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني خلال القمّة العربية في الجزائر عام ,2005 ولا ننسى اليوم وقفة الجزائر ضدّ كل أشكال التدخل الاستعماري في سوريا، ورفضها القاطع لقرارات النظام الرسمي العربي القاضية بعزل سوريا وتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، وهي دولة مؤسسة في هذه الجامعة، وبقاء سفيرها في سوريا وحيداً في العاصمة السورية التي غادرها معظم السفراء العرب والأجانب. ومع ذلك كله، موقف الجزائر يبقى أفضل بكثير من مواقف معظم أطراف النظام الرسمي العربي، لكننا نبقى نتطلع إلى دور أوسع واشمل وأفّعل للجزائر التي لها في ذاكرة كل عربي مكان، وفي وجدان كل عربي مكانة