قطع الرئيس اليمين زروال صمته، وآثر أن يعبر عن رأيه وموقفه من الرئاسيات المقبلة، عبر رسالة شرح فيها الدوافع التي جعلته يقطع هذا الصمت. فبصفته رئيسا سابقا للجمهورية، ملزما بواجب التحفظ، نأى بنفسه عن الخوض في القضايا السياسية، لكن - كما يقول- ''هناك سلسلة من الأحداث والتصريحات التي كانت متعددة وغير معهودة'' أجبرته على التعبير عن وجهات نظره. وبالتأكيد فهناك قراءات مختلفة لرسالة الرئيس زروال، ومن الطبيعي أن تخضع مضامينها لرؤى متباينة وأن يحاول كل طرف استغلالها وتوظيفها لصالحه، من منطلق أن الرئيس اليمين زروال مجاهد وشخصية وطنية محترمة ورئيس سابق للدولة. وبغض النظر عن موقف زروال من هذا المرشح أو ذاك، ومن الظرف السياسي الذي تجتازه البلاد والذي يجب- كما يقول- أن ''يستوقف وعي كل مواطن جزائري غيور على استقلال بلاده''، فإن النداء تضمن عدة رسائل هامة، لا ينبغي التعامل معها من منظور تجزيئي أو مصلحي ضيق، لأنها في عمقها ومفهومها ودلالاتها، تتجاوز الأشخاص والجهات والمناطق، لتصب في مصلحة الدولة القوية والموحدة، الآمنة والمستقرة. لذلك، فإن من الخطأ الفادح والظلم الكبير أن يُحشر الرئيس زروال، بجهاده ومسؤولياته القيادية في الجيش ورئاسته للدولة الجزائرية، في جهة أو عرش، فهو بقيمته وقامته ووطنيته أكبر من ذلك، وهو حين يتحدث فإنما من منطلق حرصه على الجزائر كلها، جنوبها وغربها وشرقها وشمالها، دون تمييز وبعيدا عن الجهوية المقيتة. لقد كانت الرسالة واضحة في أبعادها ومراميها ولا ينبغي الإجتهاد كثيرا في تفكيك كل كلمة منها أو إخضاع كل جملة إلى عملية تشريح دقيقة، ذلك أن المضمون بدلالاته والسياقات التي جاء فيها، يؤكد على قضايا جوهرية، لا يختلف حولها اثنان، وهي لا تحتمل التأويل ولا المزايدة: - إن وحدة الجيش الوطني الشعبي خط أحمر، وهذا ما أكدته الرسالة بوضوح لا لبس فيه. - الدعوة إلى الإقبال المكثف على صناديق الاقتراع يوم 17 أفريل المقبل، انطلاقا من أن حق التصويت يشكل الوسيلة الدستورية الأكثر سلمية التي يستعملها المواطن للتعبير عن خياراته. - إن العهدة الرئاسية المقبلة تعتبر الفرصة الأخيرة التي ينبغي اغتنامها لوضع الجزائر على درب التحول الحقيقي. تلك الرسائل، في معانيها وأهدافها، تهم كل المرشحين وكل المواطنين، على اختلاف ميولهم السياسية، وذلك لإنجاح الانتخابات الرئاسية وجعلها حدثا سياسيا هاما في حياة الجزائر، ولذلك يجب أن تتكاتف جهود الجميع للنأي بالبلاد عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو الرئاسيات أو يعرض الاستقرار إلى الزعزعة. إن اليمين زروال، وهو الجزائري الصميم والشاوي الأصيل، لا يمكن إلا أن يكون في صف الجزائر الواحدة والموحدة، الزاخرة بأطيافها المتنوعة وتياراتها الفكرية المتعددة، ولا يمكن أن يكون ولن يكون داعية فتنة أو محرضا عليها. أما عن موقفه السياسي، فهو مواطن ومن حقه أن يحدد خياراته وأن يكون في الخندق الذي يشاء.