يتمنى كل جزائري غيور على وطنه لو لم يعش ليسمع هذا الخبر الذي يقول أن »سلطة عمان تبدي استعدادها للتوسط بين طرفي النزاع من مالكيين واباضيين في غرداية من أجل حل الخلاف وتمويل عمليات إعادة إعمار ما دمرته أعمال العنف الطائفي في المدينة«، حسب ما ورد في أحد المواقع الاليكترونية العربية، فالمسألة لا تتعلق بشوفينية مفرطة كما قد يتصور البعض، وإنما بحد أدنى من الغيرة على بلد يكاد يتحول من وسيط في الأزمات الدولية الأكثر تعقيدا وخطورة، إلى بلد تعرض عليه وساطة الآخرين لحل مشاكل تتعلق بنزاع مبهم وغريب بين أبناء الوطن والدين بل والدم الواحد. العرض، حسب الجهات التي أوردت الخبر، قدم إلى رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة، على هامش زيارته الأخيرة إلى مسقط، وطلب مسؤولون في عمان زيارة غرداية حتى يتسنى لهم لقاء الأطراف المتخاصمة، لحل الخلاف بين من تسميهم وسائل الإعلام العربية ألأمازيغ الإيباضيين والعرب المالكيين، فضلا عن تقديم المساعدة لمعالجة ما خلفته المواجهات، خاصة بعدما تجاوزت الخسائر ال 40 مليون دولار، حسب إحصائيات أولية. لن نشكك في النوايا الحسنة للعمانيين، فالصلح بين الإخوة يعد من شيم الكبار، تضطلع به الدول التي لها وزنها في ميزان الأمم، وقد ساهمت الجزائر بالقسط الوافر في معالجة الكثير من الأزمات المحلية والقارية والدولية، من دون خلفيات أي كانت، لكن ما يحز في النفس حقيقة هو أن تزحف نذر التدويل على قطعة غالية من هذا الوطن الذي يتكالب عليه الأعداء من كل جانب، فلم نسمع عن الوساطة في فتنة داخلية تعني الجزائريين وحدهم حتى لما اندلعت الأزمة في منطقة القبائل في سنة ,2001 وتواصلت لفترة طويلة وبشكل ربما أعنف مما رأيناه في غرداية، مع الإشارة إلى مسألة مهمة تتعلق بالفرق الواضح بين أزمة منطقة القبائل التي كانت بين السلطة وناشطين في منطقة بعينها، وفتنة غرداية التي يتواجه فيها المتساكنين لاعتبارات يسميها البعض مذهبية أو عرقية، فيما يعطيها البعض الأخر صبغة أخرى ويتحدث عن أيادي التعفين، كما يقول الخطاب الرسمي، أو حتى عن حرب بين تجار المخدرات، مع التحفظ طبعا عن هذا التفسير فغرداية ليست لا المغرب ولا كولومبيا. العرض العماني يؤكد على مسائل كثيرة في غاية الأهمية، فهو يعني أولا أن الفتنة المتواصلة منذ فترة في غرداية قد بلغت مستوى غير مسبوق من التعفين، وان تدويلها يمكن أن يصبح حقيقة في المستقبل، ولما يطالب أحد النشطاء الحقوقيين في غرداية بما اسماه توفير الحماية الدولية للايباضيين، ولما يتحدث النظام المغربي على لسان سفيره باللجنة الأممية لحقوق الإنسان في جنيف السويسرية عن »حالة الحرب« في غرداية، ولما تزعم بعض الأطراف أن الشرطة الجزائرية تناصر المالكيين ضد الايباضيين في غرداية، فهذا يعني بكل بساطة أننا أمام انحراف خطير في الأزمة وبشكل ربما يخفي أشياء لا يمكن توقعها في المستقبل المنظور أو البعيد، وأما المسألة الأخرى التي يفضحها عرض مسقط للتوسط في أزمة غرداية فهي مرتبطة بالأسلوب الذي استعملته السلطة لحد الآن في التعاطي مع الأزمة. السلطة تعاملت مع الفتنة في غرداية بعقلية »المبيد« التي جاءت في تصريحات سلال الغريبة، والنتيجة أن الأزمة أخذة في التوسع ، وتكاد تتحول إلى معضلة تستعصي على الحل، فرغم مرور مدة طويلة نسبيا على انفجار الوضع لم يفهم الجزائريون خلفيات ما يجري في غرداية، فإذا كان وزير الشؤون الدينية غلام الله يقول أنه لا وجود لفتنة مذهبية بين الايباضيين والمالكيين، فأين يكمن المشكل إذن ولماذا يرفض أهل غرداية التعايش بسلام رغم أنهم تعايشوا طيلة قرون دون مشاكل، وكيف نفسر حرب الشوارع بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد والدم الواحد، في حين تتعايش أقليات وديانات وأعراق مختلفة في مدن كثيرة في العالم، وأما الحديث عن تمويل عماني لمخلفات الفتنة في غرداية فيكفي القول أن المسؤولين عندنا محتارين في إنفاق الأموال المكدسة في خزائن الدولة، فكيف لهم أن يشحتوا المعونة من العمانيين أو غيرهم.