دخل الجدل حول الانتخابات الرئاسية مرحلة الحسم، وفي وقت تضاعف عدد الراغبين في الترشح للاستحقاقات المقبلة وارتفعت تهديدات من أطراف في المعارضة بالمقاطعة أو الانسحاب من سباق الرئاسيات في حال ترشح الرئيس عبد لعزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة. هل سيترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة أم سيفضل الانسحاب وفتح الطريق أمام الراغبين في الوصول إلى كرسي الرئاسة للتنافس، أم سيدخل غمار السباق للظفر بعهدة رئاسية جديدة؟ هذا السؤال يتكرر في ألأذهان وأحاديث العامة والخاصة على حد سواء، يملأ شوارع كل مناطق البلاد ويشغل باب الساسة والأحزاب والمراقبين المهتمين بالشأن السياسي وتتعاطى معه حتى وسائل الإعلام الدولية التي انتبهت مبكرا إلى أهمية الاستحقاقات الرئاسية المرتقبة في الجزائر وإلى المخاطر التي تنطوي عليها في حال ركب البعض رأسه أو أراد أن يحول العرس الانتخابي إلى مأتم لا سامح الله. أمين عام الأفلان عمار سعداني قال أن الرئيس سيترشح لعهدة رئاسية رابعة ومن حق الأفلان أن يرشحه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية لكونه وبكل بساطة رئيس الحزب وليس من المعقول أن يبحث الحزب العتيد عمن يرشحه لهذا المنصب وهناك ورئيسه الذي يقود البلاد وتلتف حوله القاعدة ناهيك عن ملايين الجزائريين، معززا بمسار سياسي طويل وبانجازات كبيرة وغير مسبوقة لا غبار عليها، وبطبيعة الحال من حق عمرا سعداني أن يتشبث بموقف الحزب لأنه يعبر عن موقف ثابت ومعروف لم يخفيه الأفلان في كل مراحل الجدل حول العهدة الرئاسية الرابعة وفي خضم الخصومات التي تهز الحزب وتتسبب في خلافات بين قياداته ومناضليه في مستويات مختلفة. لقد حرص عمار سعداني على هامش تنصيب اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات الرئاسية الذي جرى بقصر الأمم على توضيح موقفه من مسألة ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة مؤكدا انه يتحدث بلسان الأمين العام للحزب ولم يتحدث باسم رئيس الجمهورية أو مؤسسة الرئاسة، وهذا حتى يرفع اللبس خاصة وأن الكثير من وسائل الإعلام سارعت إلى اعتبار تصريحاته بمثابة إعلان رسمي عن ترشح بوتفليقة للانتخاب الرئاسية المقررة في 17 أفريل القادم. ويبدو أن مسألة الإعلان عن ترشح الرئيس بوتفليقة من عدمه قد دخلت مرحلة الحسم ولم يعد يفصلنا عن القرار النهائي إلا أيام قليلة فقط سوف يطلع خلاله الجزائريون عن قرار قد تكون له تبعات جوهرية بالنسبة لسير الانتخابات المقبلة ولنتائجها، وفي انتظار ذلك تتواصل عملية سحب استمارات الاكتتاب بالنسبة للراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، واللافت أن عدد كبير من الشخصيات قامت بهذا الإجراء، وبعضها ظهر لأول مرة على الساحة السياسية وشرع في طرح نفسه كبديل لبوتفليقة وفي التسويق لبرنامجه الرئاسي، علما أن الترشح لمنصب القاضي الأول للبلاد ليس بالأمر اليسير كما قد يتصوره البعض، فالمسألة مرهونة بقدرة المتنافسين على الحصول على عدد كبير من التوقيعات في أغلب ولايات الوطن، وهذا التحدي لا يقدر على رفعه إلا المترشح الذي يدعمه حزب كبير أو يكون من الأوزان الثقيلة في الساحلة الوطنية، وقد برزت عدة أسماء إلى الواجهة لغاية الساحة من بينها الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني علي بن فليس الذي أعلن_ رسميا دخوله معترك الرئاسيات وطرح الخطوط العريضة لبرنامجه الرئاسي ويرتقب أن يكرر بن فليس سيناريو رئاسيات 2004 إذا ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة، وأما في حالة لم يترشح فإن الأمين العام الأسبق للأفلان قد يشكل أحد المرشحين الأوفر حظا لقيادة البلاد خلال السنوات الخمسة المقبلة. لقد تعهد وزير الداخلية الطيب بلعيز بضمان حياد الإدارة، وجاء ذلك كرد مباشر على التشكيك الذي يرافق عمليات التحضير الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصا من قبل أحزاب المعارضة التي شرعت مبكرا في الحديث عن التزوير وعن الحسم المسبق في نتائج الانتخابات لصالح »مرشح السلطة«، واللافت أن تشكيلات المعارضة ليست على نفس الخط، فيما يتصل بموقفها من الرئاسيات المقبلة، فزعيمة حزب العمال لويزة حنون تقول أنها لن تنسحب من السباق إذا ما ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة، ونفس الشيء يقال عن عدد من الوجوه الحزبية أو المستقلة التي أعلنت لحد الآن عن ترشحها، وتبقى الأنظار مشدودة إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي قد يقاطع الرئاسيات في حال ترشح بوتفليقة، ونفس الشيء يقال عن بعض الأحزاب الإسلامية على غرا حركة عبد الله جاب الله، هذا في وقت بدا فيه أن التيارات الاسمية لم تقدر على الخروج بمرشح واحد لمواجهة من تسميه بمرشح السلطة، وهذا الفشل قد يدفع بالأغلب تشكيلاتها إلى خيار المقاطعة. وفي الوقت الذي يواصل فيه الوزير الأول عبد الملك سلال زياراته الميدانية لولايات الوطن ليبرز ما أنجز خلال حكم الرئيس بوتفليقة ويرد على المنتقدين لمرحلة حكمه، تواصل الفتنة في غرداية شق طريقها نحو التعفن مع سقوط قتيل ثاني كان ضحية لعصابات الشوارع التي تفرض منطقها في غرداية وتدفع بالأوضاع نحو المزيد من التعفين ومن الغموض أيضا في وقت بدا فيه وكأن أعيان غرداية قد فقدوا البوصلة وفقدوا القدرة على التمييز وأخذ مواقف واضحة مما يجري من ممارسات تسيء إلى كل سكان غرداية بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية، هذا إن صدقنا ما يقوله البعض بأن ما يجري في غرداية إنما هو انعكاس لحالة احتقان حقيقي متواصل منذ سنوات سببه انعدام الرغبة في التعايش بين المذهبين. الحكومة تقول بأن ما يجري في غرداية ليس له أي علاقة بالخلافات المذهبية، وتتحدث عن مصالح شخصية للبعض وسمعنا حتى من يتحدث عن عصابات تحركها مافيا المخدرات وتبييض المال الوسخ، ولما يصرح وزير الداخلية الطيب بلعيز قائلا انه لا وجود لأيادي أجنبية في غرداية فهذا يعني بكل بساطة استبعاد أطروحة المؤامرة والتركيز فقط على فشل السلطة في ضمان التعايش بين مختلف مكونات المجتمع الغرداوي. لقد طالب بعض أعيان بني ميزاب بضرورة تدخل الجيش لوضع حد للفتنة في غرداية، وانسحاب الشرطة المتهمة أحيانا بالفشل في وقف المواجهات وأحيانا أخرى في وقوع في بعض التجاوزات، بل هناك من طلب حتى باستقالة الحكومة، مع أن الوزير الأول عبد المالك سلال تنقل شخصيا إلى غرداية وقاسم سكانها الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف وكشفت الحكومة عن خراطة طريق لحل الأزمة وافق عليها أغلب أعيان غرداية من الايباضيين والمالكيين. المؤكد أن ما يزيد من خطورة ما يجري منذ فترة في غرداية هي الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تحيط بالجزائر، فالوضع في ليبيا أصبح يشكل عبئا ثقيلا على الجزائر، ولما يدعو الطيب بلعيز خلال لقائه بنائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون التنمية المكلف بوزارة الداخلية في ليبيا، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات موحدة لتأمين الحدود وتهيئة المناخ المناسب لتنمية المناطق الحدودية ويقترح تحيين الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في سنة ,2001 فإذ ذلك لم يكن عن فراغ بل مبني على معطيات كثيرة حتمت على الجزائر الإسراع في إقناع السلطات في ليبيا بضرورة العمل المشترك الذي يضمن استقرار البلدين ويضمن أيضا الحفاظ على سيادة كل بلد، خاصة لما نعلم بأن ليبيا تعيش مخاضا عسيرا، وتواجه تحديات أمينة لن تقدر عليها لوحدها، فسطوة المليشيات المسلحة وسيطرتها على الشارع الليبي، والانفلات الأمني الذي أخذ منحنيات خطيرة خصوصا في الجنوب، يضاف إلى رغبة أوربية فرنسية وايطالية وحتى أمريكية للمشاركة في تأمين الحدود الليبية خصوصا مع الجزائر، وإذا لم تسارع الجزائر إلى إقناع الليبيين بالعمل المشترك فإن عساكر الناتو سيكونون على مرمى حجر من التراب الجزائري وعلى مقربة من القلب النابض والشريان الاقتصادي للجزائر ونعني بها آبار الغاز والبترول التي تسيل لعاب الأوربيين والأمريكيين.