لبلغت الفتنة في غرداية، عاصمة مزاب، حدودا خطيرة، يتسبب فيها يوميا رؤوس الفتنة ممن ينفخون في الكير، وينشرون فتاوى وشعارات تدعو لإقصاء الآخر أو تحميله كامل المسؤولية، وبلغت الفتنة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي حد التحريض على التصفيات الجسدية على أسس عرقي وطائفي، من قبيل وصف الإباضيين بالخوارج “أعداء الله” و”الخونة للثورة”، واستحلوا دماءهم، أو حتى المطالبين بتدخل أجنبي لحماية ما يسمونه “الأقلية المزابيين”، فمنحوا ورقة مجانية للمتطرفين ليرموا المجتمع المزابي بتهمة “الانفصال”، ظلما وبهتانا . عمق الأزمة.. إن الأزمة في غرداية ليست فقط صراعا طائفيا ومذهبيا بين الأمازيغ المزابيين وبعض قبائل عرب غرداية، كما يعتقد السواد الأعظم من الجزائريين، إنها في العمق أزمة تجاهل الحكومات المتعاقبة لبؤر انفجار اجتماعية متفاقمة وإغراق الولاية بمختلف أنواع الفساد الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، ومن ذلك: إغراق الولاية بمواطنين من ولايات مجاورة داخل أحياء ضيقة تنعدم لأبسط شروط الحياة..أزمة ولاية يجمع سكانها على أنها تحولت إلى مملكة آمنة لانتشار المخدرات..أزمة ولاية انتشرت فيها مافيا سياسية وإجرامية نجحت في إقناع جزء من سكان غرداية (العرب) أن سبب مأساتهم هم الطرف الثاني الذي استحوذ على الثروات (المزابيون)، بدل تفهم مشاكلهم ومطالبهم المشروعة، وحثهم على خلق مشاريع استثمارية ناجحة..إنها أيضا أزمة مجتمع من (قبائل العرب) يعاني شبابها الفقر والفراغ، في مقابل مجتمع مزابي له نظام اجتماعي تكافلي، تحدى به صعوبات الحياة (الزواج، البطالة..)...وأخيرا وليس آخرا، إنها أزمة ولاية وقعت ضحية تيار ديني متشدد نجح في نشر فتاوى متطرفة، فحوها أن الإباضية خوارج وليسوا من أهل الملة، وأن المزابيين خونة وضد الثورة، فغسلوا بها عقول شباب اقتنع أن حرق أملاك المزابي أو حتى قتله مقبول، ماداموا خونة وخارجون عن الملة... دور “نخب” غرداية وأمام منطق “حوار الطرشان”، فإن القبضة الأمنية وان كانت أولوية في الوقت الراهن، إلا أنها لن تعالج الأزمة على المدى المتوسط والبعيد..ولا مناص من البحث عن حلول أخرى؛ أولها -في فهمي المتواضع- تتمثل في قيادة مبادرات للتصالح من طرف نخبة المجتمع في مختلف المسؤوليات والمناصب الحساسة. أناشد اخواني الجزائريين المسلمين، أبناء ولاية غرداية، مالكيين وإباضيين، التحرك الآن وقبل فوات الأوان لقيادة مبادرات تهدئة وتصالح؛ وسد الفراغ الذي تستغله رؤوس الفتنة، وتدفع باتجاه نزاع عرقي طائفي؛ ستمتد نيرانه -لا قدر الله - إلى ربوع الوطن التي يتوزع فوق ترابها أبناء الولاية. أبناء غرداية: علماء الدين، السادة الوزراء الحاليين والسابقين، النواب، أساتذة الجامعات، إطارات المؤسسات الأمنية من الجيش والشرطة والدرك الوطني وغيرها، الإعلاميون والصحافيون، رجال الأعمال، طلبة الجامعات، وغيرهم..إلى هؤلاء النخبة المنحدرين من ولاية غرداية، والذين يعرفون المنطقة وحساسيتها أكثر من غيرهم؛ فإن واجبكم امام الله والوطن أولا، ولأجل رد جميل الولاية التي انطلقتم منها وتربيتم فيها، واحبكم الآن أن تتحركوا فورا لقيادة مبادرات للتصالح، وتنظيم وقفات سلمية مشتركة في مختلف ولايات الوطن، ووقفات مشتركة لطلاب وطالبات غرداية، اباضيين ومالكيين، داخل الجامعات للدعوة إلى التهدئة والتمسك بمبدأ التعايش الذي جمع أبناء غرداية من قبل الاستقلال..فكانت عاصمة مزاب وستظل بحول الله مضربا للتعايش الآمن؛ مع احترام خصوصية كل طرف؛ وعدم التدخل في قناعاته الدينية وانظمته الاجتماعية، لأن أصل الدين المعاملة..ولا أحد يستطيع أن يطرد الآخر من الولاية أو يمكنه استئصال الآخر من ترابها..والطرفان محكومان بالتعايش جنبا إلى جنب. عليكم أنتم يا نخبة المجتمع الغرداوي يقع واجب الضغط على أبناء ولايتكم لوقف التحريض الطائفي والمذهبي عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ والترفع عن تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات؛ لأن اللحظة عصيبة، ولا تحتمل مزيدا من التراشق والتنابز والتخوين والإقصاء أو الصمت الذي يستغله رؤوس الفتنة. كما أناشد المرشحين للانتخابات الرئاسية، ورؤساء الأحزاب، وجمعيات المجتمع المدني النزول فورا إلى ولاية غرداية لمحاولة تهدئة الخواطر، والدعوة إلى الحوار الفوري. إن وزراء وساسة من طينة بن بيتور، بن بادة، سليمان الشيخ، الحاح سليمان شريف، أحمد الحاج الناصر، باكلي عبد الوهاب..وغيرهم؛ كلهم وزراء تعاقبوا على الحكومات من أبناء غرداية..لا نسمع لهم اليوم صوتا!! فلما لا تستعين بهم السلطة ليؤدوا دورهم؟!! أم أن حساباتها السياسية وصراعات زمر السلطة تتعارض مع نية حقيقية لحل أزمة غرداية؟!! وجب القول أيضا إن أحد أهم أسباب التعفن في أزمة غرداية، مرده إلى استصغار مؤسسات الدولة لخطورتها، وجهلها أو تجاهلها أن معظم النار من مستصغر الشرر. .كما ساهم في إطالة عمر الأزمة عدم تحرك الغالبية الساحقة من الجزائريين الذين اكتفوا بموقف المتفرج أو اتهام أبناء المنطقة بالجهل والتعصب، بدل استشعار خطورة الأزمة؛ خاصة وأن أبناء غرداية؛ مزابيين أو من قبائل العرب؛ اباضيين ومالكيين؛ يقطنون مختلف ولايات الوطن؛ والخوف كل الخوف أن يمتد التعصب إليهم، ان استمر الصمت والمواقف السلبية، وتركت الساحة لقادة الفتنة لينفثوا سمومهم!! مسؤولية الدولة؟ - يقع على واجب الدولة ومسؤوليتها أن تفهم أن سكان غرادية لديهم من الوعي ما يكفي، بحيث لا تحاول التمويه بحلول تقتصر على عقد لقاءات روتينية مع الأعيان، ونشر تصريحات تركز على تحميل أبناء المنطقة المسؤولية، وأن الدولة لم تقصر وقامت بدورها على أكمل وجه!! - الحل يكون بحوار جدي مع مختلف مكونات وأبناء المنطقة، وبالأخص النخبة المثقفة والجمعيات الفاعلة والشباب، وليس فقط الأعيان-مع تقديرنا لدور الأعيان-. - الحل في فتح مشاريع استثمارية حقيقية تخرج الولاية من التهميش. - بسط سلطة القانون على الجريمة المنتشرة في الولاية، ومن ذلك، وضع حد لانتشار محلات الخمور والمخدرات. - وضع حد نهائي للخصومات الموجودة بين المزابيين وبعض قبائل عرب الولاية حول أراضي، تملك الدولة عقودها، ولكنها تتماطل في حل الأزمة وفرض قوة القانون، لا قانون القوة. - الكف عن إغراق الولاية بمواطنين من ولايات أخرى داخل أحياء فقيرة، لأن مساحة الولاية لم تعد تستوعب أصلا، وتشجيع المستثمرين الخواص الذين نجحوا في بناء مشاريع سكنات حديثة، لكن الدولة تتماطل في منحهم العقود النهائية. - فرض متابعات قانونية ضد أصحاب الفكر التطرفي الذين ينشطون بحرية في نشر مؤلفات وكتب تخون المزابيين وتكفر الإباضية، وتتسبب في نشر الأحقاد بين شباب غرداية مزابيين وعرب في مواقع التواصل الاجتماعي. - على الدولة أن تعي أن سكان غرداية ليسوا مجرد ورقة انتخابية تستعين بهم للتصويت لمرشح دون آخر. - وضع حد للفوضى المنتشرة داخل بعض الثانويات والمدارس التي تتعمد الإدارة خلق بؤر الفتنة فيها، حتى باتت مرتعا للعنصرية جهارا نهارا. - إيقاف بعض المشاريع الإقصائية التي تحاول منح الأولوية لفئة على حساب أخرى في الفلاحة والسكن وغيرها، ما يتسبب في إثارة بؤر الفتنة!! - على الدولة أن تضرب بيد من حديد كل من ثبت تورطه في أعمال التخريب والحرق وقتل المواطنين في الأحداث الأخيرة. - غرداية تحتاج لمشاريع اقتصادية حقيقية، وليس لمهرجانات وكرنفالات تبذر فيها الأموال. - غرداية مدينة محافظة، وعلى الدولة أن تحترم هذه الخاصية، وعدم تحويلها إلى قبلة للسياحة السلبية!!
نافلة القول: إن حل الأزمة لا يكون ببث تصريحات من أهالي غرداية تمجد إنجازات الرئيس وتمسك أهل غرداية بالوحدة الوطنية!! فلا أحد يزايد على أحد في وطنيته، والوطنية ليست شعارات نلوكها بل إنجازات نفتخر بها!! هذه بعض المقترحات العاجلة، ولا بديل عن حوار حقيقي.. إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله. . وأسأل الله أن يغفر لي ولكل من أخطأ أو قصر أو سكت عن الحق في لحظة ضعف أو غضب. .فاللهم جنبنا فتنة لا تبقي ولا تذر. بقلم: إسماعيل طلاي