الإعلام لا يمكن فصله عن السياسة وهو عامل حيوي في أي نظام سياسي أو عمليّة سياسية. غير أن طبيعة نشاطه تتوقّف على مدى تحرّره من رقابة المقصّ. وحتى إن تحقّق ذلك، فإن الإعلام لا يمكنه أنّ يتخلّى عن تحيّزه المصرّح به أو البارزة مظاهره، وخاصّة بسبب طبيعة الملكيّة القانونيّة والمالية، بما يترتّب عنهما من تبعات التحكّم في المحتوى. كلّ هذا معروف. الجديد أنّ الإستراتيجيّته الإعلاميّة لحزب العمّال ببريطانيا والتي كانت مبنيّة طوال عقدين على كسب ودّ الإعلام الخاصّ الذي والاه، قد انهارت هذا الأسبوع بتراجع صحيفة ذو صان عن تأييده. فماذا حدث؟ ولماذا؟ يصدر ألف عنوان في بريطانيا، نصفها يُوزَّع مجانا. ولكنّ الصّحف الوطنيّة اليوميّة وملحقاتها الأسبوعية هي الأكثر توزيعا. وتنقسم بين ثلاثة أصناف، صحف موجهة للفئات المترفّهة، وثانية للفئات المتوسطة وثالثة للفئات الشعبيّة. أمّا أكثرها رواجا فهي "ذو صان" (3,128,501) وال"ميرور" (1,324,883) و"ستار" (886,814)، وجميعها تنتمي لهذا الصّنف الأخير. وهي صحف موجّهة لاستهلاك الجماهير الواسعة، وخاصّة الطبقة العاملة، وتُعرف هنا باسم "الطابلويد". وتتميّز بتغلُّب الصّورة الملوّنة والعنوان الضخم فيها على النصّ المكتوب كما تقلّ فيها الأخبارالجادّة مقارنة بأخبار المشاهير والفضائح والقيل والقال. تتمركز ملكية الصّحف في بريطانيا بِيَد عدد قليل من المُجمّعات الكبرى، مع هيمنة مالك متنفّذ عادة، أكبر ثلاثة من بينهم هم روبرت مردوخ واللورد روثارمار وريتشارد ديسموند. ولكل منهم أسهم أوسع ضمن قطاع الإعلام. فمثلا، يملك مردوخ "المُجمّع الإخباري للصحف" الذي يطبع "نيوز أوف ذُو وورلد" و"ذو صان"، وكذا شركة "الأخبار الدولية" التابعة للمجمّع والتي تنشر "التايمز "و"الصاندي تايمز". كما يملك صحفا بعدّة بلدان غربيّة وكذا يملك أسهما في محطّات فضائية وقنوات تلفزيونية وإذاعية ومؤسسات سينمائية ومطابع. وعادة ما يتمّ تعيين رؤساء التحرير من طرف المالكين، ممّا يعني أن لهم تأثيرا حاسما فيما يتعلّق بالمحتوى. أمّا روبرت مردوخ فهو معروف بكونه يولي حرصه الخاص على مضمون صحفه، ممّا يعني أنّ الحزب الذي يميل إليه يستفيد من دعمه. إذ على خلاف التلفزيون، ليس هناك ما يُلزم الصحف المكتوبة البريطانيّة على عدم التحيّز، وليس هناك خلاف على أن مختلف الصحف البريطانيّة لها ميولها السياسية. وهذا ما يتّضح في مواضيع تغطياتها الإعلاميّة وتحليلاتها وافتتاحياتها وما تنشره من صور ومادّة إشهاريّة. ولكنّ مبرّر تحيّز الصحف يتمّ ربطة دوما بميول جمهور قرّاء الصحيفة، أيّ الإستجابة لطلب الزبائن وحاجات سوق الإشهار المرتبطة بها. لا يُمكن إنكار أنّ للصحف سلطة سياسيّة وتأثيرا، ولكنّ الإختلاف يكمن حول طبيعة ومدى ذلك. وأهمّ النظريات في هذا الباب أنّ القاريء يختار ما يشتريه حسب ميوله السياسيّة الأصليّة، كما أنّه ينتقي ما يقرأة وفقا لما يرى فيه تعزيزا لاتجاهه، ويسعى لتجنّب ما يعاكسه أو يتلقاه مع غربلته ليتوافق مع نظرته المسبقة. وحسب الباحث جون كورتيس، في دراسة أصبحت مرجعيّة لفترة ما بين 1987 و1995، بيّن أنّ دور الصحف في نتائج الإنتخابات لدى الناخبين من قراء الصحف وأوائك الذين لا يقرأونها، إمّا أن يكون ضعيفا جدّا أو منعدما. غير أن التأثير عبر التّحقين: قطرة، ثم قطرة، ثم قطرة فهي نظريّة لا يمكن نكران جدواها في الدعاية السياسية عبر وسائل الإعلام مقارنة بتلك الأيام المعدودات المتاحة للأحزاب لخوض حملاتها الإنتخابيّة الرسميّة الموسميّة. كما أنّ للسّاسة، في الغالب، يد طولى في مسار العمليّة الإعلاميّة. وقد كان التحكّم الماديّ أو القانوني أبرز تلك الوسائل التقليديّة التي أصبحت الآن ممجوجة ويقلّ اللجوء لها عبر العالم. وبدلا منها، أصبح رجل السياسة، في بريطانيا، يعتمد على ما يسمّى ب: "دكاترة النّسج"، وهم فئة من الخبراء في الإتصال والإعلام يتولّون تمرير ما يريدونه من رسائل إخباريّة عبر مسارب متشابكة تنتهي بنشرها في وسائل إعلام أساسيّة لتصبح مادة إخباريّة رئيسية. وإذا كان المحافظون يعتمدون على انتقاء خيرة مكاتب الإشهار لتولّى وظيفة الإعلام والدّعاية، فإنّ حزب العمّال لم يجد من يثق فيه سياسيا ضمن تلك المكاتب، في وقت كان الحزب في المعارضة. وفي نهاية الثمانينات أصبح قادته على قناعة بضرورة أن يكون لحزبهم تواجد محسوس في السّاحة الإعلاميّة. وانتهت جهود نخبته من بين مؤسّسي ما يُسمّى ب: "حزب العمّال الجديد" آنئذ، إلى العمل على استرضاء وكسب ودّ مردوخ، صاحب الأمبراطوريّة الإعلاميّة، نفسه. وكان رائدَا هذه المهمّة كلّ من طوني بلار، الذي انتهى به المطاف بعد بضعة سنوات إلى سدّة رئاسة الوزراء، ومديره الإعلاميّ ألستر كامبل، الذي كان له دور حاسم في التجنيد للإقناع بالحرب الظّالمة على العراق. ويعترف ألستر كامبل، أنّ اختيارة لهذا المنصب يعود إلى: " أنّنا كنّا معا - يقصد نفسه وطوني بلار- مقتنعيْن بأهميّة الجدال السياسي الذي يدور ضمن الطابلويد". وقد أتّسعت دائرة هؤلاء الخبراء لتشمل أسماء أخرى، من بينها، الوزير الحالي للتجارة اللورد بيتر ماندلسن، الذي استقال أوّل مرّة سنة 1998، وجو مور التي كتبت نصّ برقيّة إلكتروليّة يوم وقوع أحداث 11 سبتمبر على ثنائيّ البرجين في واشنطن قالت فيها: "إنّ ذلك اليوم هو مناسبة جيّدة لنشر ودفن الأخبار السيّئة". وقد أودى اتباع حزب العمّال لهذه الإستراتيجيّة الإعلاميّة إلى أن أصبح الآن متّهما بحبك الدّسائس، وهي الصّفة التي أساءت إساءة عميقة لمصداقيّته. وكان توني بلار قد وضع من أولويات اهتماماته كسب ودّ صاحب الأمبراطوريّة الإعلاميّة روبرت مردوخ ضمن مخطّطه للإطاحة بحزب المحافظين سنة 1997. وكانت عينه على صحيفة "ذو صان" التي عنونت صفحتها الأولى سنة 1992، على إثر هزيمة العمّال غير المتوقّعة لحساب المحافظين، بذلك العنوان الشهير: "ذو صان هي صاحبة الإنتصار." وفي 1997، قطف بلار ثمار جهوده، فتغيّرت ولاءات الطابلويد، واختار أمبراطور الإعلام روبرت مردوخ تأييد حزب العمّال، فكان تحيّز ذو صان ثمّ "ستار". ثمّ انظمّت معضم الطابلويد لتأييد حزب العمّال أثناء الإنتخابات البرلمانيّة لسنة 2001. وبعد 12 سنة من الموالاة، هاهي صحيفة ذو صان تفاجيء حزب العمّال في منتصف أشغال مؤتمره السنويّ بإعلانها عن تخلّيها عن مواصلة تأييدها لسياسته، وحكمت عليه بالهزيمة المؤكدة في الإنتخابات البلدية والبرلمانيّة المزمع أجراؤها قبل الثالث من جوان المقبل، وأعلنت أنّها ستدافع، بدلا من ذلك، عن برنامج حزب المحافظين المعارض، حتّى قبل أن يُعلن عن فحوى سياسته في مؤتمره السّنويّ الذي انطلق أمس الإثنين. وكان وقْع قرار ذو صان رهيبا على أنصار حزب العمّال لكونه جاء بعد ساعات فقط من خطاب مصيريّ ألقاه رئيس الوزراء غوردن براون أمام المندوبين ساعيا لوضع حجر أساس لتلك الإنتخابات الحاسمة ورفع حظوظ حزبه التي رتّبته نتائج سبر الرّأي بعيدا عن حزب المحافظين ب 17 نقطة. وقال المحرّر السياسي لصحيفة ذو صان أن جريدته كانت قد حذّرت حزب العمّال أثناء انتخابات 2005 بأنّها تمنحة الفرصة الأخيرة: "أمّا الآن، بعد أربع سنوات، أصبحنا نُحسّ أنّ حزب العمّال قد خيّب أمل البلاد وثقة قرّاء ذو صان فيه". وبالطبع رحّب دافيد كامرون رئيس وزراء حكومة الظل لدى حزب المحافظين بهذا القرار الذي لن يدفعه، كما قال، للتهاون، معتقدا: "أنّ القرار نابع عن قناعة بأنّ الحكومة استنفذت قواها وفقدت قدرتها علي إنجاب الأفكار وبأن حزب المحافظين أصبح قوّة التجديد المنتعشة المؤهّلة لخدمة البلاد". وقد حاول غوردن براون التّخفيف من أهميّة قرار صحيفة "ذو صان" لأنّ: "الشّعب البريطانيّ هو الذي يُحدّد نتائج الإنتخابات". وكانت تصريحات توني وودلي، زعيم نقابة يونايت، أكثر التعقيبات ضراوة حيث مزّق عدد تلك الصحيفة على منصّة المؤتمر قائلا: "لست متفاجئا، لأنّ الصحيفة كانت أيّدت حزب عمّال توني بلار الذى تعهّد بإرساء قواعد السّوق الحرّة وترقية مكانة رجال الأعمال الكبار. أمّا الآن فلدينا وزير أوّل يعود للتمسّك بقيم حزبنا. لقد انكشفت حقيقة ذي صان التي لم تدافع البتّة عن أيّ عنصر من السياسات التقدّميّة التي أنجزها حزب العمّال". وأردف، مشيرا إلى أصل مردوخ: "نحن لا نحتاج أن يأتي إلى بلادنا أستراليّ-أمريكيّ بجريدة لم تؤيّد أبدا عنصرا تقدّميّا من سياستنا وتريد أن تُعلّمنا كيف يجب تسيير أمورنا." أمّا هاريات هارمان، نائبة رئيس الوزراء المدافعة الشرسة عن حقوق المرأة، فتهكّمت على "المساواة" التي تنشدها صحيفة ذو صان للنساء والتي لاتتعدى "ما تعرضه على صفحتها الثالثة"، ومعروف أنّ ذو صان تنشر يوميّا على تلك الصفحة صورة امرأة نصف عارية أو عارية. وقد لاحظ أليستر كامبل على قرار ذو صان بأنّه مسعى لجلب الإنتباه بعد أن أصبح من الصعوبة بمكان تحقيق هذا المبتغى، مشيرا إلى: "أنّ سوق الصحافة اليوم قد تغيّر بالمقارنة لسنة 1997، وأنّه على الصّحف أن تتحوّل تحوّلا جذريّا لتستطيع أن تنافس نشرات تبثّ على مدار 24 ساعة وأن تُواكب حلول وتطوّر الأنتارنات السّريع، ومؤخرا، ظهور شبكات التواصل الإجتماعي." بالفعل، مازلت الصّحافة في بريطانيا هي المصدر الرئيسيّ لتلقي المعلومات من طرف الراشدين. إلا أنّ تنوّع مصادر الخبر المتجدّدة، عبر تعدّد الصحف ومحطات الإذاعة والتلفرة وكذا ما تفتحه اليوم تكنولوجيات البث وشبكة الأنتارنات من آفاق واسعة، له دون شكّ أثر مباشر على المواقع التقليدية لبعض المصادر الإعلامية العريقة محليّا أو دوليا. وهذا ما أدّى إلى أنّ حجم مبيعات الصحف البريطانيّة يُسجّل انخفاظا، وإن كان بسيطا. ولم يفت الصحف أن تُذكّر بأن ذو صان قرّرت منذ أشهر إدارة ظهرها لحزب العمّال ولكنّها بيّتت إعلان قرارها لتحقيق أقصى حظوظ الإشهار لنفسها، أيّ في الوقت الذي كانت فيه كلّ أنظار البريطانيين تتابع أشغال المؤتمر السنويّ لحزب العمّال. وفعلا، منذ تعيينعها مديرة تنفيذينة لنيوز انتارناشيونال منذ شهر، عملت ريبيكا بروكس على ربط الجسور بين دافيد كامرون وروبرت مردوخ الذي كان يشكّ في مؤهلات زعيم المعارضة ويعتبره بعيدا عن كفاءة براون في التحكّم في الشأن الإقتصاديّ. وكانت ذو صان قد بدأت تغيير خواطرها منذ سنة خلت عندما ناصرت بوريس جونسون، مرشّح المحافظين لمنصب شيخ بلديّة لندن، على حساب ليفينغستن، المناضل العماليّ المناصر للقضايا العادلة في العالم العربيّ. ويرى ستيفن بروك، نائب رئيس تحرير الغارديان، بأنّ قرار ذو صان هو أيضا نتيجة مناورة قام بها أندي كولسن، رئيس مصلحة الإتصال لدى دافيد كامرون، الذي كان صحافيا لدى ذو صون ورئيس تحرير نيوز أوف ذو وورلد. ويؤكّد ستيفن بروك أنّ سياسة مردوخ كانت على الدوام مبنيّة على قدرته على انتقاء الجواد الرّابح مبكّرا. وفي هذا الإتجاه، يرى لانس ريس، نائب كانبل الذي يُعِدّ الآن كتابا حول الصّراع بين الحكومة المركزيّة والإعلام سيصدر في السنة القادمة: "أنّ ذو صان تصرّفت وفق مصلحتها التجاريّة البحتة. إذ أنّها تعوّدت على الوقوف مع المنتصر، بذكاء، لتضمن مسبّقا المردود لصالحها، وذلك مهما كان الحزب، وبغض النظر عن أيّ قِيم يُدافِع عنها". وقد عانى كريس باتن، الرئيس السابق لحزب المحافظين، من انتقام روبرت مردوخ عندما قرّر نشر كتاب نقديّ حول مردوخ الصديق الجديد للصين وقتها. وهو الذي صرّح قائلا أنّ مؤازرة "نيوز أنتارناشيونال" لا تتوفّر إلا: "عندما لا نكون في حاجة لها". وينكر المعلّق لالى برايس أنّ تكون ذو صان هي التى حقّقت الفوز لرئيس وزراء المحافظين جون مايجر سنة 1992 أو رئيس وزراء العمّال توني بلار في أيّ من الإنتخابات الثلاثة الماضية. كما أنّها لن تكون صانعة الفوز لدافيد كامرون أوغيره سنة 2010. وانتقد لانس ريس توني بلار "لكونه بالغ في تقدير أهميّة الدّعم الذي تقدّمه نيوز انتارناشيونال، وهو نفس الخطإ الذي يرتكبه دافيد كامرون"، كما يُضيف. ويشهد شاهد من أهلها، حيث يقول: "إنّ حزب العمّال لم يكتف طوال العشريّة المنصرمة بتقديم العديد من أخبار السبق للصون والتايمز فحسب، بل إنّه كان أيضا يغضّ النظر عن مردوخ الذي واصل تحقيق طموحاته العالميّة في ظل حدّ أدني من الضوابط القانونيّة." ومن الصّدف أنّه خلال الإسبوع المنصرم، تمّ انتقاد عدد من الصحافيين البارزين الذين أجروا مع رئيس الوزراء أحاديث صحفيّة، من بينهم أندرو مار من قناة البي بي سي الأولى وآدم بولتم من قناة سكاي نيوز ونيكي كامبل من راديو بي بي سي 4. أحدهم قيل عنه أنّه بالغ في الخوض في الحياة الشخصيّة لبراون والثاني بالغ في مقاطعته أثناء استجوابه والثالث كان شديد القسوة في مساءلته له والرّابع اتّهمة بأنه يرتعش. وقد لاحظ الصحافي جوناتون فريدلاند من الغارديان:" أن براون أحببنا أو كرهنا يقود حكومة منتخبة ديمقراطيا، وأنّ منصبه يستحقّ حدّا من الإحترام. والتعامل معه بمثل تلك الصورة هو في حدّ ذاته عدم احترام للفعل الديمقراطيّ." وأضاف: "تُوهم الصحافة نفسها بأنّها جلاد مقدام لأصحاب النفوذ. ولكنّنا خلال هذا الأسبوع شاهدنا دلائل على أنها ليست سوى نخبة متنفّذة ? غير منتخَبة، بالكاد تخضع للمحاسبة وفي نفس الوقت تتصرّف بنفس عجرفة أولئك الذين تريد انتقادهم." ويُعرف عن الزعيم المحافظ شتانلي باندويت أنّه أطلق مقولته الشهيرة "أنّ مُلاّك الصحف يرغبون في سلطة بدون مسؤوليّة"، إذ لا يملكون أيّة سلطة تفويض من الشعب ولا يخضعون لرقابة ومحاسبة. وقد أصبح الآن من الشائع لدى الباحثين في الشأن السياسي البريطاني أن نُقص الإلمام بالقضايا السياسية وحتى نقص الإهتمام بها، تعود المسؤولية فيه إلى وسائل الإعلام أكثر من التربية السياسية. و ثبت أن من بين الأسباب لذلك هو نقص التغطية الشافية للقضايا السياسية من طرف نشرات الأخبار التلفزيونية وعلى صفحات الطابلويد. وبالفعل، فإنّ اهتمام الطابلويد بالقضايا الهامّة يقلّ أكثر فأكثر كما أن تناولها لها غالبا ما يكون مقتصرا على العموميات. بل إنّ اهتماماتها تغلب عليها أخبار الفضائح والقيل والقال والحوداث والحياة الخاصّة لرجال السياسة وغيرهم من المشاهير. أكثر من ذلك، أصبح من المؤكّد لدى الباحثين أنّ سلوك الصحافيين المعادي لرجال السياسة عند استجوابهم لهم، ونظرتهم الباعثة على الشكّ في الطبقة السياسية التي غالبا ما يتمّ تقديم أعضائها وكأنّهم حثالة من الفاسدين، وكذا غلبة النقل السّلبي للأخبار السياسية قد ساهمت كثيرا في زرع انعدام الثقة في العمليّة السياسيّة كلّها بل وفي الديمقراطيّة ذاتها. وبالمقابل، هناك عجز فاضح أحيانا من السّاسة عن الإستجابة لمقتضيات الإعلام والتحكّم في ناصية التواصل مع المواطنين وإلمامهم بمستلزمات تبليغ الرسائل الإعلامية بعيدا عن الإستعلاء والتهريج والإجابات الهامشية والسطحية، في زمن أصبحت فيه كفاءات التبليغ والتواصل والإقناع جزءا أصليّا من ممارسة السياسة في حدّ ذاتها. وكلّ هذا وذاك، يؤدّي إلى الإستنقاص من الثقة في الأحزاب والسياسيين والعمليّة السياسيّة بصفة عامّة، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من تبعات مضرّة بالمساهمة في النشاط السيّاسي بل وبمسار الديمقراطيّة نفسه.