حقق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فوزا ساحقا أمام منافسيه على الرئاسة يضمن له قيادة البلاد لخمسة سنوات المقبلة مدعوما بشرعية لا غبار عليها أسقطت كل التكهنات، وحطمت جميع التخمينات والقراءات التي راهنت على سقوط مدوي للطامح لخلافة نفسه وضمان عهدة رابعة، وأفشلت حسابات الساعين إلى إغراق الجزائر في دوامة العنف والفوضى تحت عنوان ما يسمى ب »الربيع العربي«. حقق الرئيس بوتفليقة فوزا فاق الكثير من التوقعات، وهذا بنسبة تجاوزت 81 بالمائة، متجاوزا بذلك باقي منافسيه وبفارق كبير جدا، فالمنافس البارز للرئيس بوتفليقة،رئيس حكومته الأسبق،علي بن فليس اكتفى بنسبة 18,12 في المائة من أصوات الناخبين، فيما اكتفت مرشحة حزب العمال لويزة حنون، بنسبة 37,1 في المائة من أصوات الناخبين وأما باقي المرشحين فقد حصلوا بدورهم على نسب جد ضعيفة عكست مستوى شعبيتهم، رغم أن أغلبهم شارك أكثر من مرة في استحقاقات رئاسية سابقة, عدا المتشح عبد العزيز بلعيد الذي حل ثالثا بعد المترشحين بوتفليقة و بن فليس. ويبدو أن رهان أغلب منافسي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على كرسي المرادية على الملف الصحي ولد أثارا عكسية، وجلب لبوتفليقة تضامنا شعبي كبير جدا، بل بدا جليلا أن الاقتراع كان أحيانا عقابيا اتجاه بعض أطراف المعارضة التي قادت حملة وسخة ضد بوتفليقة ولجأت إلى وسائل الضغط والتشويه لمنعه من الفوز بعهدة رئاسية جديدة, وربما خلافا لتحاليل وقراءات وحتى تخمينات الكثير من المراقبين، فإن فوز بوتفليقة بعهدة رئاسية جديدة سوف يمنح له فسحة جديدة لاستكمال برنامجه في مختلف المحاور الاقتصادية والسياسية والأمنية، فالعهدة الرئاسية المقبلة ستشكل فرصة لاستكمال الإصلاحات السياسية خاصة من خلال تعديل الدستور وتحضير البلاد لدخول عهد جديد، تتوسع فيه الحريات ويتم خلالها تكريس الممارسة الديمقراطية ويرتقب لان تشكل ذلك أساس لاستقرار سياسي جد مهم سوف يتيح للجزائر تجنب مختلف السيناريوهات التي تتوعدها بالعنف والفوضى, فالعهدة الرابعة تخدم كثيرا مطالب المعارضة فيما يخص التغيير المنشود، لكن بطريقة سلسلة بعيدا عن العنف وما يسمى ب »الربيع العربي«. لكن ومن جهة أخرى يجب قراءة بعض المؤشرات التي تولدت عن الانتخابات الرئاسية بتأني فقد تجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عتبة ال 51 بالمائة بقليل، وهذا يدفع حسب البعض إلى بناء استنتاجات متشائمة حول مستقبل العملية السياسية في البلاد ، ومن المفروض أن يدفع السلطة إلى قراءة هذه الأرقام بتأني لما لها من خلفيات ونتائج سلبية على المشاركة السياسية من جهة، وعلى شرعية السلطة من جهة أخرى، علما أن المعطيات تختلف من استحقاق لأخر، وتستجيب للكثير من العوامل على غرار طبيعة الخطاب السياسي وقوة المعارضة. وتعتبر الانتخابات الرئاسية ل 17 أفريل فريدة ومتميزة مقارنة بباقي الاستحقاقات التي عرفتها البلاد منذ دخول عهد التعددية، وهي تختلف أيضا حتى مقارنة بالانتخابات الرئاسية التي جرت في سنة 99 و,2004 ثم رئاسيات ,2009 رغم القواسم المشتركة التي قد نجدها أحينا في بعض المسائل المرتبطة بطبيعة المشاركين في المنافسة ومستوى الخطاب السياسي وطبيعته، هناك من يعتقد بأن الرئاسيات الأخيرة تكاد تكون نسخة طبق الأصل لرئاسيات ,2004وهذا لسبب واحد ربما يرتبط بالثنائية التي برزت منذ البداية بين الرئيس المترشح، عبد العزيز بوتفليقة ورئيس حكومته الأسبق علي بن فليس، فضلا عن القراءات المختلفة ارتبطت أساسا بما سمي بالصراع داخل دواليب السلطة، فبن فليس هو مرشح لا يشبه باقي منافسي بوتفليقة على كرسي المرادية، فهو محسوب في تقدير الكثير من المتتبعين للشأن السياسي على جناح أو أجنحة داخل السلطة، وكثيرا ما يقترن اسمه بخلافات بين جهات نافذة في المؤسسة العسكرية والرئاسة، وإن كانت هذه التخمينات كثيرا ما تتهاوى بعد فترة للوحدة والانضباط التي تبديها المؤسسة العسكرية مع اقتراب كل انتخابات أو بعد ظهر النتائج. هناك من دون أدني شك عوامل وأسباب كثيرة تؤثر إما سلبا أو إيجابا في ارتفاع أو انخفاض نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، فقد وصلت في تشريعيات 10 ماي 2012 إلى 14,43 بالمائة ووصلت نسبة التصويت في الرئاسيات الأخيرة، حسب ما أعلنه الوزير بلعيز 70,51 بالمائة، بينما بلغت نسبة المشاركة 11,74 بالمائة في رئاسيات ,2009 مما يعني تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 41,22 بالمائة، بناء على نسبة التصويت المعلنة. الرئاسيات لها طابع خاص ومتميز، والمقارنة تكون عادة بين الرئاسيات السابقة والرئاسيات الحالية لهذه الاعتبارات المذكورة، فما الذي جعل نسبة الامتناع أو العزوف ترتفع هذه المرة مقارنة برئاسيات ,2009 والجواب قد نجده في الكثير من الأسباب التي سنأتي على ذكر البعض منها هنا، والمرتبطة بطبيعة الجدل الذي سبق العملية الانتخابية بمعنى الظروف التي جرى فيها الاستحقاق الرئاسي، وطبيعة خطاب الحملة الانتخابية، ثم قوة المعارضة وتوجهاتها. لقد استبقت المعارضة الحدث الانتخابي، وقادت حملة سياسية وإعلامية شرسة ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لأشهر طويلة قبل إعلانه نيته في الترشح، وبدا ومنذ الوهلة الأولى أن الانتخابات الرئاسيات سوف تجري في أجواء مشحونة بالنظر إلى التوجهات التي أعلنت عنها العديد من مكونات الطبقة السياسية التي رفعت مطالب غير منطقية تطالب الرئيس بوتفليقة بان يتخلى عن حقه في الترشح للرئاسيات وتحدث خطاب المقاطعين أو المعارضين لعهدة الرابعة، عن المانع الصحي الذي تحججوا به لدعوة الرئيس لأن يتخلى عن طموحه في الترشح لعهدة رئاسية رابعة، بل طالب هؤلاء من المجلس الدستوري بان يقف عائقا في وجه بوتفليقة وتفعيل المادة 88 من الدستور التي تتحدث عن العجز الذي يعني إقالة الرئيس بقوة الدستور وتنظيم انتخابات رئاسية لا يشارك فيها بوتفليقة. ونتذكر جيدا كيف ارتفع مستوى الجدل بعد انتقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى فال دوغراس بفرنسا لإجراء فحوصات تكميلية كما قال بيان رئاسة الجمهورية، لكن سرعان ما تراجع مطلب تفعيل المادة ,88 خاصة بعد اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ليعوضه مطلب آخر برفض ترشح الرئيس بوتفليقة وتشكلت بعد ذلك جبهة للرفض لجأت إلى الشارع للضغط على السلطة من أجل منع الرئيس من الترشح لعهدة رئاسية رابعة. ويبدو أن الجدل الذي سبق حركات الشارع تغذى بشكل رئيسي من الجدل المفتعل حول ما سمي بالصراع بين مؤسسة الجيش، وتحديدا جهاز الاستعلامات والأمن بقيادة الفريق محمد مدين المدعو التوفيق، ورئاسة الجمهورية، ودخول بعض الفاعلين السياسيين وبعض الجنرالات المتقاعدين على الخط، ما أوجد جوا مخيفا دفع البعض للحديث عن رئاسيات من نوع خاص جدا، بل هناك من اعتقد حينها باحتمال تأجيل الاستحقاق الرئاسي أو حتى تدخل العسكر لمنع بوتفليقة من الترشح لعهدة رابعة، خاصة بعد سيل الخطابات والرسائل الغامضة لشخصيات بارزة على غرار رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش ورسالة جماعة أحمد طالب الإبراهيمي والجنرال بن يلس والحقوقي علي يحيى عبد النور، والتي تندرج كلها ضمن محاولات الضغط التي مورست من أجل دفع بوتفليقة إلى رمي المنشفة، وقبول خيار المرحلة الانتقالية التي قال حمروش أنه يجب أن تدار بمشاركة السلطة وخصوصا المؤسسة العسكرية. لن تنجح دعوات الاحتجاج على نتائج الرئاسيات، والحديث عن التزوير أضحى مجرد اسطوانة مشروخة تكررها المعارضة عند كل استحقاق انتخابي، فالجزائريون لم يعودوا يصدقون خطاب »تسويدي« عاجز على تقديم الدليل على وجود تدليس أو تلاعب بأصوات الناخبين، وأصبحوا ينظرون بازدراء، بل وبمقت شديد لكل دعوات العنف وهم يرون ويتابعون بأم أعينهم وعلى المباشر الماسي التي يعانيها الملايين في ليبيا وسوريا وباقي الأقطار العربية التي وقعت في وحل الفوضى والعنف.