شرعت جل الأحزاب والمنظمات والجمعيات والشخصيات السياسية والفكرية والقانونية الفاعلة في الساحة السياسية الوطنية في دراسة مسودة تعديل الدستور التي بادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، في سياق الإصلاحات التي باشرها منذ سنوات، وذلك قبل اللقاء الذي سيديره رئيس لجنة المشاورات مدير ديوان رئاسة الجمهورية السيد أحمد أويحي في شهر جوان المقبل. وإذا كانت غالبية الأحزاب والشخصيات الفاعلة قد ثمنت المقترحات الواردة في مسودة التعديل الدستوري واعتبرتها أرضية صالحة لتوسيع المشاورات وتقديم المزيد من المقترحات التي من شأنها أن تسمح بوضع دستور توافقي يؤسس لدولة الحق والقانون، فإن هناك من الأحزاب والشخصيات التي تمسكت بخيار المقاطعة وعدم المشاركة في هذه المشاورات المرتقبة. هذا الموقف السلبي من أطراف في المعارضة لا يستند لأي مبرر أو حجة مقنعة، لأن رئاسة الجمهورية راسلت أكثر من 150 طرف من أحزاب وشخصيات وجمعيات للمشاركة في هذا الحوار دون إقصاء لأحد أو فرض وصاية من أي جهة كانت، وذلك لإطلاعها على مسودة تعديل الدستور التي أعدتها لجنة الخبراء بعد المشاورات التي أجراها عبد القادر بن صالح مع الطبقة السياسية العام الماضي، والهدف من هذه المسودة هو وضع أرضية للنقاش والحوار دون فرض قيود أو حواجز أمام الأطراف المشاركة في هذا النقاش الذي من شأنه أن يساهم في إثراء النص والخروج بمشروع تعديل دستور توافقي يرضي جميع الأطراف، إن لم نقل غالبيتها، قبل عرضه للمصادقة عليه، سواء عن طريق الاستفتاء الشعبي، أو عن طريق البرلمان بغرفتيه. إن الذين يصفون مسودة التعديل الدستوري المقترحة على أنها مضبوطة حسب رغبات السلطة، أو أنها على مقاس رئيس الجمهورية، إنما يقدمون أحكاما مسبقة، وهو سلوك غير حميد يتنافى والممارسة الديقراطية التي تقوم أساسا على الحوار ومواجهة الحجة بالحجة، لاسيما وأن مضمون مراسلة رئاسة الجمهورية يدعو إلى التوافق وليس إلى الموافقة على مسودة المقترحات المقدمة. من هذا المنطلق، دعا الأمين العام للأفلان عمار سعداني الأطراف المعارضة إلى مراجعة مواقفها وتحملها للمسؤولية الملقاة على عاتقها في المشاركة بجدية وفعالية في هذه العملية الوطنية البالغة الأهمية، التي تتعلق بمصير الوطن والمواطنين، لأن التحفظ على مثل هذه القضايا المصيرية لا يخدم ولا يفيد حتى دعاته، مجددا الاستعداد التام للأفلان للمشاركة في المشاورات حول تعديل الدستور بإعلانه عن تنصيب لجنة على مستوى الحزب لدراسة المسودة المقترحة وتقديم التعديلات التي يراد إدخالها. ولعل أبرز التعديلات المقترحة من قبل الأفلان والتي ستكون في صلب المشاورات المقبلة، تعزيز الفصل بين السلطات وتفعيل دور البرلمان وتوطيد استقلالية القضاء وتأكيد مكانة المعارضة وتقوية ضمانات حقوق المواطنين وحريتهم، وغيرها من المقترحات التي تؤسس لدولة مدنية حقيقية، تصان فيها حقوق وحريات جميع المواطنين، ويتم فيها التداول على السلطة في كنف الأمن والاستقرار، وبالمختصر المفيد وضع دستور يعبر عن تطلعات ورغبات الشعب، لا دستور على مقاس الأشخاص.