تخليد ذكرى المزدوجة للاستقلال والشباب تزامن مع تلك الفرحة العارمة التي عمت كل بيت في الجزائر بعد الانجاز الكروي الكبير وغير المسبوق الذي حققه الفريق الوطني لكرة القدم بالبرازيل، فحظي أشبال المدرب البوسني وحيد حاليلوزيتش بالاستقبال الرسمي والشعبي ضخم، رغم الخروج من الدور الثمن النهائي من المونديال. الجميع أراد أن يشكر على طريقته هذا الفريق الذي ذكر الجزائريين والعالم بأمجاد الكرة الجزائر خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وترك بصمات قوية في أرقى المنافسات الكروية العالمية، بل إن هذا الفريق بنجومه الكبار ارتفع فوق رؤوس كل العرب وحظي بشرف تمثيلهم بعدما نجح في زرع الفرحة في قلوب الملايين الذين استعادوا حقهم في الحلم بإمكانية إحراز إنجازات تتجاوز تلك التي كانت تقف عند عتبتها الكرة العربية والإفريقية في السابق، ولعل ما ميز الفريق الوطني لكرة القدم في طبعته التي أسعدت ملايين البشر حتى في مختلف أصقاع العالم أنه لم يكتف بالدفاع عن الأوان الوطنية، فحمل الهم الفلسطيني على عاتقه ورفع راية فلسطين إلى جانب الراية الوطنية في سماء البرازيل، فكان خير سفير للجزائر وللعرب وللمسلمين وللفلسطينيين خاصة أهل غزة المحاصرة الذين ناصروا الفريق الجزائري وكأنه فريق غزاوي أو أكثر. لقد أنست الأفراح التي صنعها الفريق الوطني الجزائريين في هموم السياسة ومشاكلها وفي خلافات الساسة وصراعاتهم التي لا تنتهي، رغم تزامن تلك الفرحة مع دخول المشاورات حول الدستور أسبوعها الأخير، وقد دقت ساعة التقييم على ما يبدو والإجابة عن السؤال الكبير ما الذي تحقق في إطار هذه الاستشارة التي قادها مدير الديوان برئاسة الجمهورية احمد أويحيى، وما هي النتائج التي تم التوصل إليها.ويبدو أن حصول شبه توافق بين جميع الفاعلين السياسيين حول الدستور القادم أصبح أمرا ممكنا بعد مختلف اللقاءات التي عقدها أويحيى مع عدد كبير من السياسيين وقادة الأحزاب والشخصيات العلمية والأكاديمية، وإن كانت الاقتراحات المقدمة ليست بالصورة التي قد يتصورها البعض، فهناك شبه إجماع على ضرورة المحافظة على نظام رئاسي أو شبه رئاسي ودعم مجال الحريات ودسترة بعض الهياكل الاستشارية التي كانت موجودة، والاهتمام ببعض الفئات ودعم استقلالية القضاء والفصل بين السلطات..الخ واللافت أن جولات الاستشارة حول مشروع التعديل الدستوري سمحت للسلطة من أن تبني جسور التواصل مع الطبقة السياسية وتخرج من العزلة التي كانت تعاني منها، صحيح أن المعارضة أصبحت أقوى مما كانت عليه في السابق، والتحركات التي تقوم بها التنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي لا يمكن التقليل من شأنها، خاصة وأنها اتجهت وجهة مغايرة لما كان عليه الحال من قبل لما فتحت الأبواب على الأطراف التي أقصتها السلطة وفي مقدمتها قيادات جبهة الإنقاذ المحظورة، لكن مع هذا هناك عمل سياسي في الميدان وهناك ديناميكية جديدة سمحت بتجاوز حالة الانسداد التي كانت تسميها بعض القوى الراديكالية بالأزمة السياسية التي يعاني منها النظام خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عرفت تصاعد المعارضة وتجذرها وتوسيع رقعتها. وبالتوازي مع هذه الحركية السياسية عادت المواجهات إلى غرداية مخلفة سقوط ضحية جديدة، في وقت بدت فيه السلطات عاجزة عن تقديم إجابات مقنعة حول حقيقة ما يجري في هذه المنطقة منذ مدة، فهذا وزير الشؤون الدينية محمد عيسى يصرح من قسنطينة مؤكدا أن المشاكل التي عاشها سكان غرداية »ليست طائفية« وأوضح الوزير أن الشعائر المالكية والإباضية »تكشف تعاليم وقيم الإسلام الدين الذي يوصي بالوحدة الطائفية والمذهبية للأمة«، مضيفا بأن الصلاة التي جمعت بغرداية المالكيين والحنفيين والإباضيين خلف إمام واحد تعد إشارة »رمزية للغاية عن وحدانية إيمان المسلمين وعن تضامن الأمة«، وقال محمد عيسى »لا تختلف المشاكل التي تعيشها هذه الولاية عن تلك التي يواجهها سكان باقي مناطق الوطن«، مستطردا في نفس السياق بأن الجزائريين الذين يقطنون هذه المنطقة الواقعة بالجنوبالجزائري بحاجة على الأخص إلى من »يصغي إليهم ويفهمهم ويساعدهم من أجل التغلب على مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية وانشغالاتهم اليومية«. فإذا كانت القضية بهذه البساطة، وإذا كانت الأزمة ليست لا مذهبية ولا عرقية ولا طائفية، فما الذي يجعل غرداية تغرق في الفتنة منذ مدة، وما الذي يجعل السلطة تقف عاجزة عن وقف المواجهات والقضاء وبشكل نهائي على صدامات أضحت تخلف ضحايا في منطقة كانت إلى الأمس القريب مضرب المثل في السلم والتعايش؟ لكن وبغض النظر عما قاله الوزير محمد عيسى والذي لا يختلف كثيرا عن التصريحات التي كان يرددها وزير الشؤون الدينية السابق أبو عبد الله غلام الله، فإن الفتنة التي تعاني منها غرداية تشكل أحد التهديدات الكبيرة التي تقف كتحدي حقيقي في وجه السلطات في الجزائر، خاصة وأن تجدد المواجهات في غرداية يتزامن مع استمرار المشاكل الأمنية في ليبيا وتونس وفي شمال مالي، فغرداية تندرج على ما يبدو ضمن سلسلة من التحديات الأمنية التي أصبحت مخيفة في ظل استمرار المحاولات لجر الجزائر إلى مستنقع العنف المعمم مرة أخرى، خاصة وأن ذلك يتزامن أيضا مع استمرار الاحتجاجات تحت عناوين اجتماعية مختلفة في مناطق كثيرة من البلاد، فيما ظهر تهديد جديد بعد بروز مؤشرات حول ميلاد فرع جديد تابع للدولة الإسلامية بالعراق والشام »داعش«، يحمل اسم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب »دامس«، قد يخلف الفرع المغاربي للقاعدة في محاولة لإنعاش النشاط الإرهابي في الجزائر وفي منطقة شمال إفريقيا وفي منطقة الساحل جنوب الصحراء، حسب ما يؤكده الكثير من المختصين في الشأن الأمني. من جهة أخرى كشف المدير العام بالنيابة للديوان الوطني لمكافحة المخدرات محمد بن حلة أن قوات الأمن الجزائرية صادرت أكثر من 211 طنا من المخدرات خلال عام 2013 مقابل 157 طنا في ,2012 مما يعني أن كمية القنب الهندي المصادرة سجلت ارتفاعا بأكثر من 34 في المائة في عام 2013 مقارنة بالعام ,2012 علما أن إن كمية القنب الهندي المحجوزة كلها قادمة من المغرب حسب نفس المصدر، وتم حجز أزيد من 59 طن من القنب الهندي خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2014 أي ارتفاع ب 75 بالمائة من الكميات المحجوزة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2013 . وأشار تقرير جديد صادر في 28 جوان المنصرم إلى أن المغرب لا زال يحافظ على تصدره لقائمة الدول المصدرة للحشيش إلى دول القارة الأوربية، عبر معبري إسبانيا والبرتغال، ويعتبر تهريب المخدرات نحو التراب الجزائري بمثابة »حرب عفيون« حقيقية يقوم بها النظام المغربي ضد الجزائر، فالسلطات المغربية لا تقوم بما يتوجب عليها القيام به لوقف تدفق السموم نحو التراب الجزائري، رغم شكاوى السلطات الجزائري من هذه الظاهرة حيث سبق للوزير الأول عبد الملك سلال قد صرح قائلا: »امسكوا مخدراتكم علينا يهديكم الله«، وأضاف »لدينا معلومات مؤكدة تفيد بأن أموال المخدرات أصبحت تشكل خطرا على أمن واستقرار المنطقة، لأنها تمول المجموعات الإرهابية«، وأوضح سلال أن »الجزائر أصبحت منطقة عبور للمخدرات المغربية، ورغم الكميات الكبيرة المحجوزة، إلا أنها لا تشكل سوى نصف الكميات التي تعبر، والتي يستهلك نصفها بالجزائر وتحول كميات أخرى إلى الخارج«.