يرى الدكتور محمد طيبي أستاذ علم الاجتماع والباحث السوسيولوجي، أن الأوضاع في غرداية لا تعدو أن تكون مجرد تشنجات بين بعض الفئات المجتمعية، متهما أطرافا سياسية واستخباراتية بتغذية الصراع واستغلال ما وصفه ب»تراجع هيبة السلطة بالمنطقة« للاستثمار في الأزمة، داعيا الدولة إلى تمويل دراسة عميقة لتحديد أسباب التردي الأمني في غرداية والمتورطين فيه من أجل اتخاذ القرارات المناسبة للتحكم في الوضع هناك. كيف تقرؤون عودة الاضطرابات إلى مدينة غرداية بعد فترة من الهدوء النسبي؟ لا يمكن أن نصف الأوضاع في غرداية بالحالة المضطربة أو الوضع المتأزم، وإنما هي مجرد تشنجات بين بعض الفئات المجتمعية في المدينة وليست بين الطوائف، فالأمر يحتاج إلى مقاربة تختلف عن المقاربة السياسوية لأن الاحتكاكات بين الفاعلين المختلفين تظهرها كدينية في العموم لكنها مرتبطة بمصالح خاصة بالأساس، كما أنها محاولة من بعض الأطراف التي لا يمكنها أن تحافظ على مكانتها بالرأي العام إلا بتغذية الرأي العام من خلال تمويلها وتحريكها وهذه الأطراف ليست لها علاقة عضوية بين أصحاب المذاهب، بالإضافة إلى أن ما يقدمه الإعلام من تهويل وربما عدم فهم في بعض الأحيان، يغذي الأزمة بغرداية ويعطيها حجما أكبر من حقها من هي هذه الأطراف التي تتهمونها بتأجيج الوضع في غرداية وتغذية الأزمة بالمنطقة؟ هناك أطراف سياسية حزبية وأخرى مرتبطة بشبكات استخباراتية دولية ومحلية، تسعى إلى الاستثمار في الخلاف مستغلة تراجع هيبة السلطة بالمنطقة. على الرغم من المقترحات التي قدمها الوزير الأول خلال زيارته الأخيرة لحل الأزمة بغرداية، لا تزال المدينة تشهد مناوشات بين شبابها، ما تعليقكم على ذلك؟ معظم الأطراف البناءة في غرداية لا تبحث عن الحوار فقط بل تدعوا إلى ضرورة تجاوز الأزمة بالمنطقة، غير أن المستثمرين في الوضع لا يزالون يغذون الأزمة بغرداية بعد إلغاء السلطة الرمزية للأعيان وكبار القوم مما جعل المنطقة دون قادة رأي حقيقيين وهذا دليل على فشل القرار الحكومي هناك، وأنا أعتقد أن الوالي الجديد لديه شجاعة اتخاذ القرار وبالتالي لا بد من تقوية سلطة الدولة وسلطة القضاء. قلتم إن الصراع في مدينة غرداية ليس طائفيا، وهو ما أكده المسؤولون الجزائريون في عديد المناسبات، هل تعتقدون أن تأزم الوضع وتواصل الاضطرابات قد يحول الأزمة في غرداية إلى صراع مذهبي حقيقي؟ المذاهب قائمة والصراع بغرداية ليس طائفيا، المسؤولون لا يريدون إعطاء المسألة الأهمية الحقيقية، فالحل الأمني وحده لا يحل المشكلة بل لا بد أن يبنى الأمر على دراسة دقيقة للأزمة واتخاذ القرارات على أسس واضحة لا أعتقد أن الصراع سيأخذ منحى طائفي، أنا حاليا متواجد بغرداية وما لاحظته خلال المحاضرتين اللتين ألقيتمهما هناك حضور الإباضيين والمالكيين على حد سواء، كما أن الأشخاص هناك قائمون في حياتهم الروحية ولا أحد يتدخل في حياة الآخر فلا الإباضي يجبر المالكي على تغيير مذهبه ولا العكس، فالصراعات مرتبطة أساسا بالمصالح الشخصية. باعتباركم مختصا في علم الاجتماع، ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها لحل الأزمة نهائيا بغرداية؟ أهم خطوة لا بد من اتخاذها في الوقت الراهن هو أن تقوم الدولة ممثلة في وزارة الداخلية بشكل خاص والسلطات العمومية، بتمويل دراسة يجريها أساتذة وطنيون ذووا كفاءات علمية ومستوى عال تحدد الأسباب وراء اندلاع المناوشات وكذا تبرز المسؤولين والمتورطين في الأزمة، لتكون النتائج المتوصل إليها من هذه الدراسة أداة بين يدي السلطة لتقديم المقاربات واتخاذ القرار السليم فمن غير الممكن أن تحل الأزمة بارتجالية، وفي اعتقادي فإن أساس الحل بعد الدراسة يكمن في تجسيد هيبة الدولة لأن المتحرشين بالمنطقة والمجندين للشباب يستغلون ضعف الدولة بالمنطقة.