فضلت رئاسة الجمهورية الرد على المعارضة التي انتقدت جولات الاستشارة حول مشروع التعديل الدستوري التي اختتمت بعد لقاءات دامت 40 يوما، فعددت نسبة المشاركين من أحزاب وشخصيات في جولات الاستشارة والتي وصلت إلى 114 لقاءا مع شخصيات وطنية وأحزاب وجمعيات ومنظمات وكفاءات جامعية. عكست المشاورات حول التعديل الدستوري، ذلك الإصرار على اختيار نظام شبه رئاسي مع ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات بشكل أكبر ودسترة بعض الخيارات السياسية الكبرى، فالاستشارة لم تكن في الواقع بهدف إثراء مشروع التعديل الدستوري بالقدر الذي كان الهدف منها هو خلق نوع من التوافق بين السلطة والطبقة السياسية حول دستور جديد، حتى وإن كان جزء من هذه الطبقة السياسية ضد ما تقوم به السلطة وقرر مقاطعة جولات الاستشارة من منطلق الأطروحات التي تطالب بتغيير جذري للنظام وإن اشترط البعض أن لا يكون هذا التغيير على حساب بعض مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش. ومن جانب أخر شكل قرار مشاركة الجزائر في احتفالات العيد الوطني لفرنسا المصادف لل 14 جويلية صدمة للكثير من الجزائريين الذين توقعوا أن ترفض السلطة كما كانت تفعل كل سنة رفع العلم الجزائري إلى جنب الرسميين الفرنسيين في ذكرى لم تكن سعيدة على الجزائريين، ذكرى خلفت أيضا ضحايا وسطهم من دون أن تكترث فرنسا الاستعمارية لتضحياتهم وواصلت سياساتها الجهنمية والعنصرية ومجازرها المرعبة التي تتنافى حتى مع نضال الفرنسيين منذ الثورة الفرنسية إلى المقاومة النازية. للسلطة مبرراتها فيما يخص هذا القرار، فوزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي أعلن عن خبر المشاركة قال أن المشاركة هي أمر طبيعي ما دام الهدف منها الإشادة بتضحيات أجدادنا البواسل في سبيل حريتهم وفي سبيل حرية الآخرين، علما أن 80 دولة شاركت شعوبها في الحرب العالمية الأولى دعيت لهذا الاحتفال . ورغم الانتقادات الكبيرة التي واجهتها الحكومة من قبل المنظمة الوطنية للمجاهدين التي رفضت القرار وكذا عديد الشخصيات والمؤرخين الذين أكدوا بأن الذاكرة هي أولى من المشاركة في احتفالات فرنسا بعيدها الوطني، لا تريد السلطة الإفصاح عن سبب هذا القرار الذي لم يكن بطبيعة الحال مجرد رغبة في إبراز تضحيات الجزائريين أو معاكسة متطرفي اليمين الفرنسي الذي رفض دعوة الجزائر لهذه الاحتفالات، فحضور الجزائر في هذا المحفل الفرنسي ربما يبرره رغبة الجزائر في تثمين التطور الحاصل في علاقاتها مع باريس منذ وصول فرانسوا هولاند إلى قصر الاليزيه، والحيلولة دون حصول انتكاسات في علاقات تعرف أوج ازدهارها خاصة بعد الخطوات ولو كانت محتشمة من قبل الرئيس الفرنسي اتجاه المطالب الجزائرية المتعلقة بالذاكرة والاعتراف الفرنسي بالحقبة الاستعمارية، وهناك مسألة أخرى لا يجب التغاضي عنها تتعلق بالمنافسة الجزائرية المغربية، فغياب الجزائر عن هكذا مناسبة يصب في مصلحة النظام المغربي الذي يستثمر كثيرا في علاقاته التقليدية والإستراتيجية مع باريس لتقوية نفوذه الدولي وتحقيق مكاسب في النزاع الحاصل بالصحراء الغربية. هذا النزاع الذي يعكر صفو العلاقات بين الجزائر والمغرب بسبب إصرار نظام المخزن على الزج بالجزائر في صراع أوجده رغم أنف الجميع بعد احتلاله للصحراء الغربية ومواصلة مناوراته لرفض تنفيذ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والقضاء على أخر بؤرة للاستعمار في القارة السمراء .فهذا وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار يقفز مرة أخرى على كل الأعراف الدبلوماسية ويتهم رسميا الجزائر بأنها تهدد الوحدة الترابية للمملكة وأنها طرف في النزاع الحاصل في الصحراء الغربية، وجاء هذا التصريح الاستفزازي كنتيجة لحالة الإرباك الذي أصيب بها نظام المخزن على خلفية إدراج قضية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة ضمن اهتمامات الاتحاد الإفريقي بعد تعيين ممثل إفريقي لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ويقول المغرب أن الجزائر هي التي تقف وراء هذا القرار الذي سوف يفضح سياسات المغرب القمعية في الصحراء الغربية، على المستوى القاري والدولي. ومن شأن هذا التحامل المغربي الرسمي أن يزيد في تعكير العلاقات المتوترة بين البلدين، فالنظام المغربي الذي تعود على الزج بوسائطه الحزبية والإعلامية والجمعوية في هكذا ممارسات، تحول ومنذ فترة إلى مستوى أعلى بحيث أصبح يتدخل رسميا في استفزاز الجزائر، ويعود ذلك حسب الكثير من المراقبين إلى حالة التيه التي تعاني منها الدبلوماسية المغربية وإلى الخسائر الكبيرة التي منيت بها في مواجهة الدبلوماسية الجزائرية إقليميا وقاريا وحتى دوليا، وهناك جانب أخر لا يقل أهمية يتعلق برد الفعل الفوري والصارم للسلطات الجزائرية التي قررت وضع حد لحالة التراخي التي كانت تميز الحدود البرية مع المغرب وفرض رقابة صارمة على المهربين، خاصة تهريب الوقود ومختلف المواد الغذائية الأساسية المدعمة من الدولة نحو المغرب وتهريب أطنان المخدرات نحو التراب الجزائري وقد بلغت ما اصطلح على تسميتها ب »حرب العفيون«ر التي يقوم بها النظام المغربي ضد الجزائر أوجها خلال السنوات الأخيرة. الحقيقة التي أصبح الجميع يدركها هي أن النظام المغربي كان ولا زال لا يؤتمن جانبه، فالمحاولات التي بذلها النظام المغربي منذ سنة ,2011 بعد اندلاع ما يسمى ب »ثورات الربيع العربي« لتشديد الخناق على الجزائر ومحاصرتها من كل جانب تواصلت في 2012 أيضا مع سيطرة المجموعات الإرهابية على شمال مالي ودخول المنطقة فعليا في تحدي أمني جديد، ويمكن القول من دون السقوط في أطروحة المؤامرة التي يرفضها الكثير من المحللين، أن للنظام المغربي يد في المشاكل الأمنية التي تعاني منها الجزائر من ناحية الجنوب سواء من جانب الإرهاب الذي تحاول الرباط خلطه بالبوليساريو في مخيمات اللاجئين الصحراوين بتندوف، أو من خلال الحركات الانفصالية التي تهدد شمال مالي والنيجر وقد تصل إلي الجزائر ناهيك عن الجارة ليبيا. الجزائر تدرك تماما طبيعة هذه المناورات وخطورة الرهانات التي تحيط بها، وما تبذله من جهد لإعادة الأمن والاستقرار إلى شمال مالي يلقى اعترافا دوليا كبيرا، ومؤخرا فقط كشف وزير الخارجية رمطان لعمامرة، على هامش دورة منظمة الاقتصادية لدول غرب أوربا ( إيكواس) التي احتضنتها العاصمة الغانية (أكرا) عن انطلاق الجولة الأولى من الحوار حول مالي بمشاركة وفد عن باماكو وعن المسلحين بداية من الأربعاء القادم بالجزائر، ويرتقب أن تشكل فرصة أخرى لطي الأزمة في شمال مالي خاصة وأن مختلف الأطراف سواء الحكومة المالية أو الفصائل الترقية المسلحة أو المجتمع الدولي، تلح على ضرورة أن تلعب الجزائر دورها في استعادة السلم في شمال مالي والذي يعتبر شرطا ضروريا لضمان الاستقرار في كامل المنطقة. ومن جانب أخر شكل العدوان الصهيوني على غزة أهم القضايا التي جلبت انتباه وسائل الإعلام خلال الأسبوع المنصرم، فقد عادت إسرائيل لترتكب مجازر أخرى في حق الشعب الفلسطيني وتنفذ مذبحة رهيبة في غزة لم تميز فيها بين الأطفال والنساء والعجزة، فأوقع طيرانها وبوارجها الحربية أكثر من 100 شهيد ونحو 700 جريح إلى غاية نهاية الأسبوع المنصرم، فلم يكف التنديد الصادرة من مختلف المنظمات والجهات الحقوقية عن ثني الكيان الصهيوني عن الاستمرار في جريمته وسط صمت أو ربما تواطؤ عربي وحصار مصري ضاعف من معانات الفلسطينيين، معانات تشد ككل مرة عواطف الملايين في العالم العربي والإسلامي من دون أن يكون لهؤلاء القدرة على الحراك ونجدة إخوانهم في غزة التي تشكل لوحدها عنوانا للهمجية الصهيونية ولجريمة يرتكبها الغرب وعلى رأسه أمريكا وبمشاركة دول »الاعتلال« العربي تحت ذريعة معاداتها لحركة حماس الإخوانية.