صعب أن تقرأ تفاصيل ما كًتب في لحظة لشاعر له آلياته الخاصة في تلك اللحظة الراهنة للنص و الأصعب أن تقف على انزياحات و تأويلات قد تقترب فيها من حقيقة النص أو تبتعد عنها .و النص الذي وقفت اثناء اطلاعي على تفاصيله له حفريات تجعلك تقف معه طويلا فيه الكثير من الدهشة بعنوان ''حتما ستأتي'' سأسعى إلى تفكيك النص من داخل الذات المنتجة نحو معرفة ولادة النص الشعري في زمن الكتابة والظروف التي تكون أجزاء من منطق النص ومساهمتها في اعادة هيكلة الوعي الذاتي الشعري و تكوينه , رغم أن المسألة تبقى نسبية لأن ما يبدعة الكاتب عموما و الشاعر على الخصوص فيه مساحات تبقى غامضة و لا يعرفها الا من كتب تلك العبارات في لحظة ميلاد النص. يقول في مطلعها: حتْمًا ستأتي التي مازلتُ أرقبُهَا رغْم انتظاري ورغم اليَأسٍ والمَللٍ يدهشك بانتقائيته اللامية وفق نسقوتفصيلات حياتية في الحراك اللفظي و التي تأخذ بتلابيب المتلقي، لما لها من وقع على الألم وكما يقال -ينزل على الجرح-وهي المنطقة الشديدة الاحساس والملازمة للرغبة الانسانية ودواخلها، وقد ابدع شاعرنا في تركيبته الشعرية بما فيها من دقة القول وعمقه وملازمته لبساطة الفهم وعمق التداعي بمفهومه الشعري، و هو القول المنبعث من فم الناس والمليء من شارعهم البسيط، وبذلك فهو قريب من احلامهم المنتظرة،هذه الاحلام المتشاكلة مع جراحهم..., و أحاسيسهم والمنكسرة عند عتبات صباحاتهم و مساءاتهم اليومية ،وهي كل مانلمسه في البساطة العميقة لهذا النص الشعري . و لكل النصوص التي و قع عليها ناظري و أدركها فهمي لشاعرنا الرائع دائما . هذا الحس المصاحب شعريا للحزن والألم الطويل و الأمل فيه آهات طويلة الامد إنها تمثيل جميل ورائع للأحاسيس الجميلة المشتركة بين الناس . فلا يخاطب بنص له تركيبة ميتافيزيقية والتي لا يفهما الا هو كما هو سائد لدى أغلب شعراء الحداثة. بل تأخذك الكلمات من قراءة أول رسم لها بصورة عجيبة مع حتمية التواصل مع الكلمات و المخيال الجامح و المنكسر أحيانا على عتبات بوح فيها من اللامتناهي و الذي لا حدود له. كلمة »حتما« لها أبعاد تدل على الثقة و الأنفة و الاعتزاز بموعده و بوعده و بين الموعد و الوعد ودَ أقواه الوعد الذي نقطعه على أنفسنا. «مازلت » ديمومة في حركة الزمن النفسي لا الفيزيقي الذي نعيشه و نقدره بالأيام و الساعات، هو لحظة تجلي في النفس نجدها في فلسفات صوفية غامرة للوجدان صادقة في الوعد و الكلام. ويواصل شاعرنا بتكراره لكلمة »حتما « و هي حالة موغلة في الثقة و صدق المشاعر. حتمًا ستَأتي التي صَدَّقت موعدَها وغَادرتني كطيْفٍ مَرَّ في عجلِ لمَّا التقيتكُ كيف اللفظ طاوعني ؟ ماذا كتبتُ لها ؟ ما قلتُ في جُمَلي ؟ هذا التساؤل جوهري في مشهد القصيدة يزيدها رونقا فنيا رائعا «ماذا كتبت ؟ ماذا قلت ؟ »و بين الكتابة و القول جدل في عتاب للنفس و بوح يعكس الصدق. هي حالة مع ذاته ووقفة فيها ملامح المخيلة التي ترتبط بالتفكير الراقي بالتعبير المختصر و الجميل ليدخل بعدها في حالة تقترب من الصوفية في قولة: يَا وجْههَا هَالةً من نُوره أقتَبست كُل - المليحَاتِ - سرًّا ، غير مُكْتملِ كيْف استفقتُ أنَا من غفوةٍ حملتْ روحي إلَى عالَم الإشراق والمثُلِ _إن عالم الاشراق و المثل هو محراب في لحظة صفاء و تجلي ليس للجمال فقط بل للجلال, فيه مرتبة العارفين بصدق صدقهم و نبل مشاعرهم و الأبيات الأولى فيها حالة قرب لكنها في البيت الأخير اصبحت صوفية رائعة تجعلك تلمس النجوم و السحاب . و يستمر المشهد في طرح الأسئلة الانفعالية الصادقة في قوله: هل كُان طبعي أرى الأوهام من خبَل هل كنتُ فعْلاً مع- السمراء- يا خبلي هل كنت أحلُم ؟ كلاَّ ،إنها تركت رسائلأ خُتمت ، بالطٍّيب والقُبَل و يجيب بثقة و يضع أيقونة فكرية حدسية للربط بين الحلم و الواقع، هي مسلمة للمتلقى تعيده لأول حرف من القصيدة ليعيد القراءة مرة أخرى و يتمعن جيدا في تلك الأسئلة الجمالية اللامتناهية . أما وصف »السمراء« جرت عليه العادة لدى الشعراء في عشقهم ، له ايقاع نفسي و حسي و يشدَ الفكر الى مشهد حالم يضعك أمام أمنيات لإسقاطه على الواقع الذي تعيشه الحواس . و بين هذا و ذاك جاء لفظ « يا خبلي«. يعود مرة أخرى للحتمية التي تترجم عتبة التحقق و الاستقراء الذاتي في قوله: حتمًا ستأتي التي في سرٍّها أختصرتْ كل المواسم بالديباج والحللٍ مازلتُ مضطربًا من وعدها قلقًا عني وعن قلقي المحْموم ، لا تسَل من ينتظر و عدها اختصرت كل المواسم بالديباج و الحلل , و هي صورة شعرية مزينة بعبارات الشعر القديم الذي يستعصي على الكثير من شعراء اليوم . هي لا تسأل رغم صدق وعودها ووعدها ربما هي حالة عابرة و تمر أو ربما فيها تختصر المواعيد و هي أنموذجا تبحث عنه مشاعر قلقة في عالم ساده الزيغ و الكذب و لا حديث فيه لدقة المواعيد. هذه الصورة الشعرية يختمها بحالة هي بين الشك و اليقين يقول فيها: فَكيف أعتبُ عنها كيفَ - إنْ - رجَعتْ ونحن لم نستفقْ، من رجفَةٍ الخجلِ حتْمًا ستأتي التي مازلتُ أرقبُهَا رغْم انتظاري ورغم اليَأسٍ والمَللٍ الشك هنا فيه جزم و حتمية مرة أخرى , رغم القلق محاولا تجاوز الحالة الراهنة و رسم معالم خريطة مشاعر يتجاوز فيها الأخذ و الرد ، بمساحة من سؤال العتاب و الذي لا يكون الا لمن نحب ... العتاب لمن يعود ... و لكن ان رجعت ...تعود حالة الاستفهام و الشك . و في الانتقال بين دائرة الشك و اليقين سلاسة و تحكم لفظي في العبارة ، كما لا أنسى القيمة الجمالية للفظ » الخجل« حيث نتابع من خلاله مقياس العلاقة بين البوح و مراقبة الذات في و ضع معايير للقوانيين و الإكراهات التي يفرضها الآخر على سلوكيات المبدع،و التي لا يمكنه الخروج منها بل في قسريتها احترام اللفظ لها بأبعاد انسانية رائعة. خاتمة هذه القراءة: قد انبرت تجربته الشعرية في نص هذه القصيدة الى ميلها المعتني والمعتمد على الأنيق اللغوي بدءاً من التعبيرية اللغوية حتى انتقاء المفردة من خلال واقعية القول والتصريحية اللغوية الشجاعة في انتقاء العبارة و فق المتداول على لسان عامة الناس والقريب من لغتهم. فكان بين الواقع و حالة التجلي .