قبل ثلاثين عاما، وبعد قيام الثورة الإيرانية بأيام معدودات، كتب أحد كبار الاختصاصيين الأوربيين في شؤون القارة الأسيوية يقول ما معناه إن مستقبل الإسلام، وبالتالي، مستقبل البشرية سيتحدد في المنطقة التي تندلع فيها اليوم نيران الحروب، أي في إيران وأفغانستان وباكستان والهند. قد تكون نبوءته صحيحة إلى حد ما، لكننا لا نرى نتيجة تذكر في أيامنا هذه. فالحرب هي الحرب، والشعوب التي تصطلي بنيرانها هي نفس الشعوب، والمستقبل غامض أسود. والظاهر هو أن الاستعمار الغربي، وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية، عاد اليوم بأبشع صوره وأقبحها. نراه وقد وضع قدما راسخة في العراق، وفي الخليج العربي، إما بعساكره وإما بأساطيله، وإما عن طريق الثروات النفطية التي يبتزها ابتزازا. والسؤال المطروح هو التالي: هل توفق البلدان العربية في الحفاظ على ماء وجهها، وتكف عن التناحر والتدابر حتى لا تقع البقية منها فريسة سائغة بين أشداق الاستعمار الأمريكي وحلفائه؟ اندثر العراق بسبب أخطاء سياسية داخلية وخارجية، وانتشرت القواعد الأمريكية في الخليج، وازدادت إسرائيل، رأس الحربة، منعة وتعنتا قبالة دول عربية لا تعرف أين تولي بوجهها في معظم الأحيان حتى وإن هي ادعت التآخي والتحاب والتراحم. نحن لا ندري ما يحدث في اليمن. لانعرف من تكون جماعة الحوثيين هذه. هل هي حرب عشائرية، أم هي لعبة سياسية يحركها أعداء هذه الأمة في الداخل وفي الخارج؟ ولا نعرف ما يحدث على وجه التحديد في السودان بالرغم من أن يد الاستعمار الأوربي ظاهرة للعيان. وأكبر شيء نجهله إنما هو ما يحدث في أدمغة الحكام العرب في ديارهم وفي نطاق جامعة الدول العربية. كما أننا نجهل ما يحدث في أرض فلسطين التي يتناحر فيها أبناؤها كل يوم مفسحين المجال لإسرائيل لكي تعزز مكانتها في الشرق الأوسط باعتبار أنها قاعدة متقدمة للاستعمار الأمريكي. وهل هناك وصف أفضل وأدق من الاستعمار في وقت يمرر فيه ما يشاء عن طريق أممه المتحدة؟ أغلب الظن في حال استمرار هذه اللعبة السياسية المخزية في الوسط العربي أن تتساقط بقية البلدان العربية الأخرى بين أشداق الاستعمار الغربي برمته. والتاريخ القريب، أي تاريخ القرن التاسع عشر، يعلمنا درسا عميقا وافيا لو أننا أردنا استيعاب الأمور على وجهها الدقيق، ونعني به أن الجزائر حين سقطت تحت جزمات الاستعمار الفرنسي في عام 1830، تساقطت في إثرها بقية البلدان العربية الأخرى إلى غاية عام 1911، عام استيلاء الجيوش الفرنسية على المغرب. فهل من مدكر في هذه الأرض العربية؟