أصبحت الاستعانة ب »الحلواجية« و»الطباخ« في الأعراس الجزائرية أكثر من ضرورة، فلم تعد فتيات وعجائز العائلة من تتفنن في تحضير الحلويات والأكلات التقليدية التي يتهافت لأجلها المدعوين، وأصبح هاذين العنصرين محل تنافس بين العائلات الغنية والبسيطة من أجل تقديم واجب الضيافة، وهو الأمر الذي قضى على »اللمة« و» البنة «التي تعيشها العائلات أشهر قبل الأعراس. تخلت الأسر الجزائرية في السنوات الأخيرة عن العديد من العادات الضاربة في عمق الأصالة التي يتميز بها المجتمع الجزائري في إقامة الأفراح، فبعدما كان العرس يقام فوق أسطح المنازل أصبح كراء قاعة الأفراح أمر محتوم هروبا من الفوضى التي تتعرض لها المنازل في الأعراس، أما تحضير الحلويات في البيت مع أفراد العائلة والعمات والخالات عادة يكاد هؤلاء لا يذكرونها بعدما احترفت العديد من النساء هذه المهنة، ليأتي اليوم دور »طباخ الأعراس« هذه المهمة التي أوكلت منذ سنوات طويلة لكبار السن الذين كانوا يتفننون في تحضير الكسكي والشوربة وتقطيع اللحم وتوزيع الأكل على المدعوين. هذه المستجدات قضت على لمة العائلات و» بنة «الأعراس التي كانت العائلات تعيشها شهرا قبل الفرح إن لم يكن أكثر، وبذلك تخلت للجزائريات عن مهمة تحضير الأعراس لمن هم متخصصين في هذا المجال الذي يعرف انتشارا كبيرا، وأصبح كل شيء يحضر تحت الطلب، سواء كانت العائلات غنية أو ميسورة الحال، وهذا بهدف ربح الوقت وعدم إرباك الأسرة وزيادة مصاريفها بحضور الأقارب إلى البيت، والذين تتم دعوتهم مثلهم مثل الجيران والأصدقاء. ومن بين جنود الخفاء الذين تستعين بهم العائلات الجزائرية صانعة الحلويات التي يتم حجزها مدة قبل العرس، وذلك بعد التأكد من مدى جودة وجمال ما تصنعه من حلويات بالنسبة للبعض الذين لا يكترثون للمقابل المادي، أما البعض فيحرص قبل التعاقد معها أن يتناقش حول تكلفة الحلويات التي تقوم بتحضيرها، وفي هذا الإطار أكدت إحدى السيدات التي تحضر لزواج ابنها أنها اضطرت للجوء ل »الحلواجية« بسبب ضيق مسكنها وعدم إمكانية تحضير الحلويات في منزلها، مشيرة إلى أن ذلك أصبح ضرورة بالنسبة للعديد من العائلات من أجل الظهور بصورة لائقة أمام المدعوين، مضيفة أن تكاليف تحضيرها باتت مرتفعة جدا في السنوات الأخيرة نظرا للإقبال الكبير عليها. الطباخ هو الآخر بات أساسي في العرس. وتبدأ رحلة البحث عنه مبكرا، حيث تجد العائلات نفسها في رحلة ماراطونية لتوفير احتياجات المناسبة، وإن كانت بعض العائلات مجبرة على الاستعانة بالطباخ، فإن عائلات أخرى ترى في ذلك »موضة« ووجها من أوجه الرفاهية رغم ما يكلف من مبالغ تصل في بعض الأحيان إلى أضعاف ما يتقاضاه الطباخ في منصب عمله الأساسي، فقد تخلت النسوة والعجائز عن مهام الطبخ في الأفراح لصالح هذا الأخير الذي يتم استقدامه مقابل أجر يتراوح بين 30000 دج إلى 80000 دج، وذلك حسب عدد المدعوين والأطباق التي يقوم بتحضيرها، حيث يتم حجزه كأي شيء آخر خاص بهذه المناسبة مثل فستان الزفاف، قاعة الحفلات، المصور والمطربين. وفي هذا الإطار أكدت إحدى الطباخات أنها يتم حجزها أيام قبل العرس، وتتفاوض مع الزبونة حول عدد المدعوين وعدد الأطباق والأنواع التي ستحضر في العرس كي تحدد السعر المناسب، مشيرة إلى تخلي العائلات عن طهي الكسكسي في الأعراس، وتعويضه بالشوربة وغيرها من الأطباق كالشطيطحة، المثوم، اللحم الحلو والبوراك، بالإضافة إلى السلطات، مما جعلها مهمة صعبة وتكاليفها مرتفعة، والتي تتراوح ما بين 25 ألف و 30 ألف دج. كما أن وجود الطباخ في الأعراس يتيح الفرصة لأهل العروسين بالاستمتاع بالعرس شأنهم شأن الضيوف واستقبال المدعوين بشكل منتظم دون عناء التواجد بالمطبخ واستقبال المدعوين في نفس الوقت، وكما توجد طباخات نساء في الأعراس يوجد طباخين رجال كذلك، ويحسنون تنظيم الولائم، حيث أكد سمير طباخ في أحد محلات الأكل بالعاصمة أنه يقدم خدماته بمبلغ خمسة ملايين سنتيم للوليمة الواحدة، مؤكدا أنه محجوز لمدة شهرين. وتقول لويزة التي تحضر لزفاف ابنتها بعد 20 يوما أنها استنجدت بطباخة لتفادي سوء التنظيم، خاصة أنها لا تملك أخوات، كما لا تثق في نساء العائلة اللواتي يقضين الوقت في الحديث مع بعضهن، وضمانا منها لتقديم أكلات طيبة تسكت السنة المدعوين. وتجدر الإشارة إلى أنه هناك من المواطنين من لا ينظر إلى خدمة الطباخين بعين الرضا، إذ منهم من عبّروا عن استيائهم، على أساس أن بعضهم أصبح يشترط تحضير الخضر وغسلها ويكتفي بوضعها هو في القدر وطهيها مقابل مبالغ مالية معتبرة وهو ما اعتبرته بعض ربات البيوت استغلالا لأموالهم، وفي هذا الصدد، تقول وسيلة وهي ربة بيت أن أختها استعانت بطباخ قام بتحضير الأطباق بينما وزع عملية تقشير الخضر وتقطيعها وغيرها من الأعمال على نساء العائلة وهو العمل الذي جنى على إثره أربعة ملايين سنتيم.