العائلات تلجأ إلى حفلات زفاف مشتركة توفيرا للمال صار حضور الطباخ أكثر من ضروري في الأعراس، وأصبح محل تنافس بين العائلات الميسورة من أجل اختيار أمهرهم وأقلهم تكلفة لتقديم واجب الضيافة للمدعوين. وأمام هذا التهافت، وجد الطباخون المحظوظون أنفسهم في وضع يحسدون عليه من طرف زملائهم. وتحت عنوان “مصروف زايد” يتفنن هؤلاء في التفاوض على سعر الخدمة منافسين في ذلك أجور كبار المسؤولين. بعدما كانت الأعراس مرهونة بتوفر قاعات الحفلات والعطل السنوية لعائلتي العروسين وأقاربهما، برز الطباخ كلاعب أساسي في العرس. وتبدأ رحلة البحث عنه مبكرا، وتجد العائلات نفسها في رحلة ماراطونية لتوفير احتياجات المناسبة. وإن كانت بعض العائلات مجبرة على الاستعانة بالطباخ، فإن عائلات أخرى ترى في ذلك “موضة” ووجها من أوجه الرفاهية و«البريستيج”، رغم ما يكلف من مبالغ تصل في بعض الأحيان إلى أضعاف ما يتقاضاه الطباخ في منصب عمله الأساسي. وحسب استطلاع أجرته “الخبر” مع بعض هؤلاء، فإن بورصة أسعار الخدمة، لامست هذا الموسم عتبة خمسة ملايين كحد أدنى وثمانية ملايين كحد أقصى للوليمة الواحدة، سواء تعلّق الأمر بمأدبة غداء أو عشاء. ويفصل الطباخ سيد أحمد في سعر الخدمة بقوله أن أغلب الطباخين يحددونه وفقا لعدد الخرفان، إذ تتراوح التكلفة بين مليون و15 مليون ونصف مليون سنتيم ل«الخروف الواحد”، ويتضاعف المبلغ مع عدد الأطباق، ليصل المبلغ الذي يتقاضاه الطباخ عن العرس الواحد إلى حدود خمسة ملايين سنتيم على الأقل. ولأن تنظيم الأعراس لم يعد يتوقف على يوم واحد من أيام الأسبوع، فإن عائدات هذه الخدمة قد تتجاوز في الشهر ما يتقاضاه مسؤولون وإطارات في مؤسسة أو إدارة عمومية.. ويعترف سيد أحمد أن حدث وأن تقاضى أحد زملائه في المهنة راتب نائب في البرلمان ! من جانبه، يقول إلياس وهو طباخ بأحد فنادق العاصمة أنه يقدم خدماته بمبلغ ثمانية ملايين سنتيم للوليمة الواحدة، معترفا بأن أجندته للشهور الثلاثة المقبلة دون احتساب شهر رمضان، محجوزة وأنه يتقاضى لقاء التزامه عربونا لا يقل عن ثلث سعر الخدمة، مما يجعل إلغاؤه أمرا مستحيلا. أما الطباخات المعروفات في الأوساط الشعبية فلا تزيد مداخيلهن عن ثلاثة ملايين سنتيم عن الوليمة الواحدة. وقال بعض ممن استطلعنا آراءهم إن بعض العائلات ما زالت ترفض الاستعانة بالطباخ وتنشد “اللمات” العائلية رغم التعب الكبير الذي تسببه لأفرادها. فيما قال سمير ذو ال29 سنة، أنه يحضر لزفافه بعد 20 يوما ويعتزم الاستنجاد بطباخ لتفادي سوء التنظيم، خاصة أن والدته كبيرة في السن، وقال أن استعمال الطباخ سيساعده كثيرا في تنظيم شؤونه خلافا لو ترك الأمور بيد نساء العائلة. لكن هناك من المواطنين من لا ينظر الى خدمة الطباخين بعين الرضا، إذ منهم من عبّروا عن استيائهم، على أساس أن بعضهم أصبح يشترط تحضير الخضر وغسلها ويكتفي بوضعها هو في القدر وطهيها مقابل مبالغ مالية معتبرة وهو ما اعتبرته بعض ربات البيوت استغلالا لأموالهم. وفي هذا الصدد، تقول رتيبة وهي ربة بيت: “ استعان أخي بطباخ اكتفى بتحريك القدر بعدما وزع مختلف الأعمال الأخرى على نساء العائلة.. وعندما استوت أخذ أربعة ملايين سنتيم ثم انصرف”. تفادي الوقوع في التبذير والتسممات ولمعرفة آرائهم فيما يقال عنهم، يرى الشيف سيد احمد، رئيس الطباخين بأحد الفنادق العاصمية، أن العائلات في المدن الكبرى وحتى الداخلية، أصبحت ومنذ سنوات قليلة، تلجأ إلى الإستعانة بخدمات الطباخين لتفادي التبذير والإسراف، والأهم من ذلك عدم الوقوع في فخ التسمم الذي كثيرا ما يحوّل الأعراس إلى مآتم. ويضيف سيد أحمد في دردشة مع “الخبر”: “العبرة في الإستفادة من خدمات الطباخين المحترفين، إعداد الأطباق بأقل التكاليف وإطعام أكبر عدد من المدعوين”. ويؤيد هذا الرأي الشيف مصطفى من ولاية الشلف، حيث يؤكد أن من أهم أسباب الاستعانة بخدمات الطباخين المحترفين، هو الاقتصاد في المشتريات وعدم التبذير وتقديم أطباق تزيد العرس فرحة و«تبيّض وجوه أصحابه”. ويؤكد مصطفى، الذي يمتهن مهنة الطبخ وحاصل على شهادة في المجال، أنه بسبب تعقيدات تحضيرات الأفراح وانشغال أفراد عائلتي العروسين بتفاصيل العرس واللمسات الأخيرة، جعلهم يبتعدون عن مسألة الطبخ وإيكالها الى الطباخين ولا يتوانون عن تخصيص ميزانية لها حتى وإن كانت باهظة بالنسبة للعديد منهم.