أضحى الانتحار مشكلة خطيرة تهدد الصحة العمومية في الجزائر، إذ يقدم عليه أكثر من 1108 جزائري بين محاولات الانتحار و الانتحار الفعلي، أغلبهم من الشباب والمراهقين وخاصة الإناث، بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة وكذا فشل العلاقات العاطفية. تحيي الجزائر على غرار دول العالم اليوم العالمي لمكافحة الانتحار، بالموازاة مع اليوم العالمي للصحة النفسية في ال10 من أكتوبر من كل سنة لتلقي الضوء على ظاهرة باتت تتفشى في صمت في أوساط الجزائريين من كل الأعمار بعد أن تجاوزت المراهقين والشباب إلى الكهول والمسنين. ورغم أن الأوضاع في الجزائر ليست بالسوء الذي كانت عليه في سنوات خلت لا أمنيا ولا اقتصاديا، إلا أن انعدام الفرص أمام بعض الشباب والتهميش الذي تعاني منه فئة كبيرة منهم والذي ينعكس على حياتهم الاجتماعية والعاطفية يبقى هو الدافع الرئيسي للإقدام على فعل الانتحار، لتتقدم الجزائر الكثير من الدول العربية في تفشي هذه الظاهرة ب 9,1 بالمائة متقدمة في ذلك على مصر، سوريا ولبنان وهي دول أغلبها تعتبر في الوقت الحالي أقل استقرارا من الجزائر. وعلى عكس الدول الأخرى التي تؤكد الاحصائيات فيها بأن النساء أكثر إقداما على الانتحار من الرجال، تعتبر فئة الشباب والكهول أكثر إقداما على الانتحار من النساء، مما دفع برئيس الجمعية الفرنسية-الجزائرية للطب العقلي البروفيسور محمد طالب إلى الدعوة إلى إنشاء مرصد وطني حول الانتحار، مشيرا إلى أن ذلك أصبح يشكل أكثر من ضرورة، بهدف تحديد حجم هذه الظاهرة في الجزائر، فيما حذر عبد الكريم عبيدات رئيس المنظمة الوطنية لجمعيات رعاية الشباب من تداعيات الانتحار بين الشباب الجزائري، مؤكدا بأن 20 بالمائة منهم يقدمون على محاولات الانتحار سنويا. صدمة للأهل وإحساس متنامي بالذنب لا تكاد الجرائد اليومية تخلو من أخبار الانتحار بين من ضلت بهم سبل الحياة فلم يجدوا بصيص نور يفتح لهم أبواب المستقبل، فلا فرص العمل متوفرة ولا الزواج ولا السكن، الذي يبقى أكبرعائق في وجه الشباب، إذ و رغم كل جهود الدولة للتخفيف من أزمة السكن بقيت هذه الأخيرة معضلة يصعب التعايش معها في ظل غلاء العقار ومحدودية المشاريع الأخرى وطولها على غرار برنامج»عدل« وحتى المشاريع التساهمية والترقوية. لم تترك أم »لينا« بابا إلا وطرقته في رحلة بحثها عن علاج لابنتها التي تعرضت لصدمة عاطفية بعد أن غدر بها خطيبها وتركها ليخطب صديقتها ويتم زواجهما كانت ابنتي كالوردة قبل أن تتعرض لصدمة خطيبها وصديقتها فقلت ثقتها بنفسها وانعدمت ثقتها في الناس حتى الأقربين ودخلت في دوامة من الاكتئاب، ورغم أني ذهبت بها لأمهر الأخصائيين النفسانيين، إلا أن ذلك لم يأت بنتيجة تذكر» تقول وبألم عميق يخفي مكابدة أم مكلومة تضيف » ابنتي لينا حاولت الانتحار سبع مرات، آخر مرة حاولت الرميب نفسها من الطابق السادس، والحمد لله تمكنا من إنقادها في اللحظات الأخيرة? اليوم تعيش على ألم صدمة الخديعة التي وقعت فريسة لها من أقرب اثنين لها، والأسرة دائما خائفة من إمكانية محاولتها للانتحار مجددا. وإذا كانت» لينا« قد نجت من محاولة الانتحار الأخيرة، فإن مصطفى البالغ من العمر 19 سنة و الذي فشل في الحصول على شهادة البكالوريا للمرة الثالثة على التوالي والذي تعرض لضغوطات نفسية كبيرة من أولياءه وتدهورت صحته النفسية بشكل كبير فقد قضى نحبه انتحارا بسم الفئران. فاطمة أم مصطفى تحكي وأثر الصدمة ما زال باديا على محياها المثقل بالحزن:» مصطفى كان شابا طموحا ويكره الفشل وناجحا أيضا، لكن الضغوطات النفسية التي مارسها عليه والده الذي كان لا يقبل الفشل دفعه للفشل وللانتحار بالسم«. لقد خلفت هذه المأساة التي ألمت بابني جرحا عميقا بداخلي لا يندمل مع السنين-تقول- ألوم نفسي لأني لم أتمكن من حماية فلذة كبدي من قسوة والده وجبروته، ألوم نفسي لأني لم أشك في الموضوع ولم يخطر ببالي ما يفكر به وهذا يعني أنني لم أكن قريبة منه بشكل كافي ولم أقم بدوري كأم. بعض محاولات الانتحار تكون مجرد وسيلة للاحتجاج على موضوع معين أو رغبة في إثبات الذات، كما يؤكد ذلك أنيس 16 سنة، الذي قال إنه فكر في الانتحار مرارا، و قام ببعض المحاولات لجلب انتباه أفراد عائلته الذين يتهمهم بكونهم لا يجيدون التواصل، ويقول أنه سئم من مشاجرات والديه كل مساء، مما يؤكد بأن التفكك الأسري وانعدام الحوار في البيت وحتى الطلاق يعتبر دافعا مهما بالنسبة للأطفال والمراهقين في الانتحار. وفي نفس الإطار يحكي »عبد الله« قصة ابنه الذي ترك قبل انتحاره كلمة خطها على ورقة وفيها »أنا محقور« و رحل الابن تاركا وراءه سرا لا تزال أسرته تعيش على ذكرى فك رموزه الخفية. هي قصص أشخاص لم يجدوا من يتفهمهم أو يقدم لهم الدعم النفسي والمعنوي حتى أقرب الناس إليهم فأقدموا على هذا الفعل بوسائل مختلفة، مما أدى إلى دق ناقوس الخطر في السنوات الأخيرة، بعدما تحول الحديث عن الحالات إلى تخوف من بلوغ الانتحار مبلغ الظاهرة، خاصة بين الأطفال والمراهقين. الانتحار وسيلة للاحتجاج على المجتمع أكدت آخر التقارير السنوية لمنظمة الصحة العالمية أنّ ما يقارب 800 ألف شخص ينتحرون كل عام، أي بمعدل شخص كل 40 ثانية، ويبلغ المعدل الدولي 4,11 حالة انتحار من كل 100 ألف شخص، وتتصدرها قارة آسيا بمعدل 7,,17 كما أن نسبة الانتحار في الدول المتقدمة 12.7 يعد أعلى من نسبة الدول الفقيرة 11.2 كما تعادل نسبة الانتحار لدى الرجال أعلى بضعفين مقارنة بالنساء. التقارير ذاتها تشير إلى أنَ أزيد من 800 ألف شخص ينتحرون سنويا حول العالم، كما أن الانتحار صار ثاني سبب للوفاة لدى الشريحة العمرية15إلى 29 دون احتساب محاولات الانتحار الفاشلة، حيث تقول الأرقام إنه إزاء كل شخص يلقى حتفه، ثمة عشرون شخصا يحاولون الانتحار على غرارهِ. وتؤكد منظمة الصحة العالمية على ضرورة وضع استراتيجيات منسجمة لمعالجة الانتحار عبر تأمين العلاج لمن يعانون أمراضا نفسية أو اضطراباتٍ عقلية، زيادة على التحسيس بمخاطر الإفراط في شرب الكحول والمخدرات بأنواعها. وأنه بالإمكان تفادي الانتحار، وأن على الحكومات ألا تنظُر إليه كما لو كان قدرا حتميا. وترى بديعة بن محمد أخصائية نفسانية أن هذه الظاهرة بدأت تلفت الانتباه في السنوات الأخيرة وتشير بوجود تداخل عدة دوافع، حيث نجد العامل الاجتماعي، النفسي، الاقتصادي وكذا الانفتاح الإعلامي الذي أصبحنا نعيش فيه، والأطفال عادة ما يتأثرون بما يقع حولهم. و وحسب ذات الأخصائية فإن الأمراض النفسية من الأسباب الرئيسية، التي تؤدي بصاحبها إلى الانتحار مثل الاكتئاب والفصام، وكذلك إدمان المخدرات، اضطرابات الشخصية، حيث إن حوالي 35 بالمائة من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان كأسباب أولية،مضيفة أن ظاهرة الانتحار خطيرة و معقدة، وكثيرا ما تكون وسيلة للاحتجاج على المجتمع، حيث تقول »إننا أصبحنا اليوم نعيش أزمة قلق« نتجت عن تداخل مجموعة من العوامل المباشرة و غير المباشرة وبالأخص عندما تغيب التنشئة الاجتماعية المتماسكة.