ستون سنة مضت منذ تاريخ الإعلان عن ثورة أعد لها أبناء الجزائر لينتفضوا في وجه عدو غاشم، كانوا شبابا، لم يكن يعرفهم أحد، ولكنهم وبالرغم من كل الصعاب وعلى قلة إمكانياتهم، آمنوا بعدالة قضيتهم وجمعوا بين إيمان الأبطال وحماس الشباب بروح قتالية ضد من حاولوا استعباد شعب بأكمله ولقبوه بالاندجينا. ها هي الجزائر تقف اليوم وقفة عرفان لهؤلاء الرجال والنساء الذين ضحوا من أجل تحرير وطنهم، احتفالات مخلدة لثورة ستذكرها أجيال وأجيال على مر العقود والأزمان. إن رسالة نوفمبر هي رسالة تجديد عهد ووفاء لمن رسموا الطريق لهذا الشعب بداية من بيان أول نوفمبر ومن ثم بحرب ضروس، شنها أبطال أشاوس بالبندقية والسكين ضد أعتى قوة استعمارية في زمانها، تلك الروح الثورية التي حاربت المستحيل هي نفسها التي تجري اليوم مجرى الدم في العروق في أجساد أبناء الجزائر، الملحمة تلو الأخرى ووراء كل محنة يؤكد الشعب الجزائري مرة ومرات أنه متمسك بوحدته الوطنية ووحدة أرضه، بأمنه ستقراره ومؤمن بقدرته على التطور والازدهار كغيره من الشعوب. وسط زغاريد النسوة ومواكب الاحتفال تعلوها الرايات الوطنية وهي تجوب شوارع المدن والقرى في كل شبر من أرض الجزائر، على وقع فرحة الأطفال الصغار ودهشتهم وهم يتساءلون عن معنى الحرب والثورة، الكفاح والنضال، الانتصار والاستقلال، في محاولة منهم لفهم تاريخ بلادهم، من كل هذه الشعلات المتفائلة، تنبعث مرة أخرى رسالة نوفمبر، كرسالة يتأكد من خلالها ارتباط هذا الشعب بمبادئ نوفمبر وقيم الثورة المجيدة. تأتي هذه الاحتفالات في وقت عرفت فيه المنطقة عديد الاضطرابات في إطار ما سمي بالربيع العربي، عديد الدول المجاورة اهتزت وكادت الكارثة أن تعصف بالجزائر، لكن تجذر وأصالة الهوية الوطنية المستمدة من الرسالة النوفمبرية ووعي الشعب الجزائري بما يحاك من مؤامرات ضد هذا الوطن حال دون وقوع الأسوء، لتقف الجزائر من جديد وتخاطب كل من يريد أن يزعزع أمنها واستقرارها بلغة الإصرار على المحافظة على استقرارها وسط كل التهديدات الأمنية المحيطة بها. وحتى وإن تعرف الجزائر خلافات بين أبنائها، فإن مسار تكريس الديمقراطية قد رسم والنقاش حوله متواصل لبناء دولة حديثة والتأسيس لجمهورية ثانية بما يضمن الوصول إلى دولة الحق والقانون، ربما هي قضية وقت، ويبقى أنه مهما ضلت السبل، فإن نوفمبر سيكون حاضرا هنا أو هناك كمعلم حقيقي ليرجع القاطرة إلى السكة المستقيمة. إن رسالة الوفاء والعهد تجد لها مكانا اليوم وسط هذه الاحتفالات لتصل إلى برلمان فرنسا وحكومتها وشعبها، لتقول لكل من ظن أن شعلة الشهيد قد انطفأت، إن أبناء الجزائر جيل وراء جيل سيحملون ذكرى من ضحوا وسيسيرون على دربهم لبناء الدولة الجزائرية كما حلم بها الشهداء، ستظل مطالب الاعتراف، التعويض والاعتذار قائمة، ليس من أجل لعب دور الضحية، وإنما لتأكيد جريمة الدولة التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق الشعب الجزائري وبررتها بأنها جلبت له الحضارة. يقال إن الأرض تقاتل مع أهلها، وبالفعل هكذا كانت الجزائر وستظل وفية لقيم ثورة نوفمبر ورسالة الشهداء.