تحيي الجزائر غدا ذكرى يوم المجاهد، هذا اليوم الرمز الذي يؤرخ لأحداث حاسمة في مسيرة ثورة نوفمبر المجيدة، حيث كانت إيذانا بدخول الثورة مرحلة متميزة، سمحت بتحقيق انتصارات ميدانية، عسكرية وسياسية. إن هذه الذكرى وغيرها من الذكريات التاريخية، هي مناسبة ثمينة تؤكد علينا في كل حين بأن الشهداء قد أوصوا أبناء الجزائر، جيلا بعد جيل، بالدفاع عن ذاكرتهم والاسترشاد بالقيم والمثل التي قادت الثورة إلى النصر، وما من سبيل للدفاع عن ذاكرة الشهداء، غير بناء الدولة التي جاهدوا من أجلها، دولة الحق والقانون، التي يحيا أبناؤها تحت راية الحرية والعدل. إن هذه المهمة شاقة، قد تستغرق وقتا طويلا ، غير أن السعي في اتجاه تحقيق هذه الأهداف يمثل في حد ذاته وفاء للشهداء ودفاعا عن ذاكرتهم. الدولة التي أرادها الشهداء واحدة موحدة، فحدود الجزائر المستقلة رسمتها دماء الشهداء، لم يبق شبر منها، مهما كان بعيدا، لم تصله الثورة برجالها وإشعاعها وتضحيات أبنائها، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن ثورة التحرير كانت وطنية وأن الاستقلال كان كذلك وطنيا، ومن هنا لا يمكن تصنيف الاستخفاف بالوحدة الوطنية أو محاولة إضعافها بأي عمل سياسي أو غيره، إلا ضمن خيانة ذاكرة الشهداء. وليس جزائريا، كان من كان، من يخون ذاكرة الشهداء، هذه الذاكرة هي حقوق الشعب الجزائري بمختلف أجياله، حقوقه في أن يعيش آمنا في وطنه، كريما لا يشعر بالظلم أو الإقصاء، حرا في رأيه وفكره. إن حق الشعب الجزائري لا يمكن أن يسقط بالتقادم، فما اقترفته فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين لا بد أن يكون له ثمن، والاعتراف بهذه الجرائم والاعتذار عنها حق الشهداء علينا، سيكون التفريط فيه خيانة، وليس لأحد الحق في حرمان الجزائريين من الدفاع عن ذاكرة شهدائهم الذين أبادتهم ونكلت بهم آلة القتل الاستعمارية. ليس من حق أي جزائري أن ينأى بنفسه بعيدا عن هذه المعركة، فالأمم الحية هي التي تتولى الدفاع عن ذاكرة من صنعوا تاريخها. إن ذكرى يوم المجاهد مناسبة للجزائريين لتجديد العهد مع الشهداء، بالدفاع عن ذاكرتهم، لأنهم منحونا الحرية والكرامة، ومن أجدر منهم بالوفاء إلى تلك القيم النبيلة التي كانت النبراس في ثورة التحرير. غدا، نحيي ذكرى 20 أوت المزدوجة، ويجب أن تتجاوز الاحتفالات بهذه المناسبة التاريخية الهامة حدود الإشادة ببطولات شهدائنا ومجاهدينا إلى وضع النقاط مجددا على حروف معالم الطريق، في اتجاه الوفاء لذاكرة الشهداء.