يعتبر الترامواي وسيلة من وسائل النقل الحديثة التي تكمّل الوسائل الحضرية الأخرى الموجودة بالجزائر العاصمة، والذي يلقى اقبالا منقطع النظير من طرف المواطنين، الّذين بمجرد صعودهم على متنه تبدأ أحاديثهم التي لا تستثني أيّ مجال ، أين ترتسم مشاهد الحياة اليوميّة التي يعيشونها بملامح بارزة.. »صوت الأحرار« استقلت هذه الوسيلة ونقلت مجريات الرحلة التي دامت 45 دقيقة. كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما وصلنا إلى بمحطّة الترامواي بالعناصر »الرويسو« متجهين إلى المحطّة النهائيّة »برج الكيفان« شرق العاصمة، وما يشدّ الانتباه للوهلة الأولى تلك الجموع الغفيرة ، خاصة مع وجود مواقف مستقرة للحافلات، الميترو، سيارات الأجرة والمصعد الهوائي، ما يجعل المكان يعجّ بالمسافرين، توجهنا إلى شبّاك بيع التذاكر وهناك وجدنا عجوز مستاءة من ارتفاع سعر التذكرة ، مرددة عبارة»هذه سرقة، سأنزل في ثاني محطّة وأدفع مثلي مثل من يكمل إلى المحطّة الأخيرة؟«، دفعنا 40 دج حقّ التذكرة وتركنا المرأة العجوز تتفاوض مع بائع التذاكر علّه يمنحها التذكرة بسعر أقل، ثمّ انتقلنا بعدها باتّجاه القطار الكهربائي الذي كان متوقّفا وما إن وصلنا ، إستوقفنا أحد المراقبين بالمحطّة وطلب منّا أن نصادق على التذكرة قبل الصعود على متن الترامواي. تدافع وازدحام ووفاق سطيف يصنع الحدث وفي الوقت الّذي كنّا نصادق فيه على التذكرة التي ظهر على أحد جوانبها التاريخ والوقت حينها، أقلع الترامواي فما كان منّا سوى انتظار الموالي، وبعد نحو 5 دقائق ظهر ترامواي آخر فبدأ المسافرون بالاقتراب من السكة والتدافع للظفر بمقاعد، وعندما توقّف فتح البابان الأمامي والخلفي فقط ووقف عند كلّ مدخل منهما مراقبان يطلبان التذكرة من كلّ شخص بصدد الصعود ويوجهون بعضهم لآلات المصادقة. امتطينا القطار الكهربائي أخيرا، ولشدّة التدافع لم نستطع الظّفر بمقعد واكتفينا بالوقوف في زاوية تسع لقدمين فقط، وسط جمع من الرّجال والنّساء وحتّى الأطفال، ومع كلّ هذا لا يزال المسافرون يصعدون ويبحثون عن مساحة للوقوف لا ندري كيف؟. مرّت 10 دقائق على هذا الحال حتّى انطلقنا، وما لا شكّ فيه هو أنّ عددنا نحن الواقفون ضعف لا بل أكثر بكثير من الجالسين، وعلى بعد نحو 250 مترا من مكان الانطلاق توقّفنا عند المحطّة الأولى، فصعد رجل مسن يلبس نظارات ويتكأ على عصا وبمجرّد أن وطأت قدماه الترامواي صاح أحد الشبّان »خلّوا باباكم يريّح« فتبرّع شاب آخر بمقعده له واستقبل سرابا من الثّناء والدّعاء »بارك الله فيك، الله يفتحها في وجهك«. في ذات الوقت لمحنا فتاة تتحدث إلى صديقتها وتشير إلى عائلة افريقية كانت على وشك المرور من سكة الترامواي إلى الجهة الأخرى قائلة: »جابونا المرض الله يسترنا، من المفروض يخرجوهم من البلاد«، لتردّ عليها الأخرى »وين يروحوا؟، لقاو الجزائر أم اليتامى«، في الجهة الأخرى دار نقاش حاد بين مجموعة من الشبّان حول فريق وفاق سطيف لكرة القدم، حيث أثنى عليه أحدهم واعتبر حظوظه في كأس العالم للأندية البطلة وفيرة، ليقاطعه الآخرون »ما لعبوش مليح زهرتلهم برك، ما يروحوش بعيد مع الفرق اللي راهي متأهّلة«، وبعد احتداد النقاش شاركهم كهل كان واقفا بجانبهم وقال لهم : »المهم هو أنّهم تأهّلوا، وأصبح وفاق سطيف وفاق كل الجزائريين«، وبهذه الجملة تعالت أصواتهم وهم يهتفون. نقاش حول قضايا الترحيل واللاجئين الأفارقة والسوريين توقّفنا مجدّدا بمحطّة الخروبة، فصعد المزيد من المسافرين وهذه المرّة كان معظمهم من الطلبة الجامعيّنن، وكان حديثهم يتنوع بين التساؤل عن وقت دخول المنحة الجامعية الأولى وبين تاريخ انطلاق امتحانات السداسي الأوّل، تقدّمنا بضع خطوات أخرى عن المكان الذي كنا نشغله من شدّة التّدافع، فوجدنا أنفسنا أمام رجلان يظهر أنّهما في العقد الخامس من العمر، يحمل كلّ منهما جريدة في يده، وهاهي قضية دوليّة تطرح على متن الترامواي، فقد كانا يتحدّثان عن الانتخابات الرّئاسيّة، التي أجريت بتونس وسأل أحدهما الآخر» هل كنت تتوقع أن يحلّ حزب النهضة في المرتبة الثانية؟« وقبل أن نسمع ردّ الآخر عليه، وصل إلى مسامعنا صوت متسوّلة يظهر من لهجتها أنّها سوريّة كانت تتنقل داخل الترامواي وتستعطف المسافرين، »أعطوني صدقة الله لا يحرمكم«، لتعلّق إحدى الراكبات على المشهد قائلة: »ماكفاناش الطلابين نتاعنا زادوا هادو همهم«. وعند دخولنا منطقة الحرّاش، صعد أربعة من الأعوان لمراقبة التذاكر إذا ما كان مصادقا عليها أو التأشير عليها يدويا أو بختم يحمل تاريخ اليوم، وفي تلك الأثناء قام شجار بين شابة وشاب ما فهمناه من صراخهما أنّه كان يتحرش بها ، ولم تهدأ الأمور حتّى تدخّل العديد من الأشخاص لفضّ الشجار وأبعدوا الفتاة من المكان، ولكثرة الرّاكبين وتصاعد أصواتهم أصبح التسجيل الذي يصدر من مكبرات الصوت ليعلم الراكبين بقرب المحطة الموالية بالكاد يسمع صوت تلك المواضيع والقضايا التي كانت تطرح ويتناقش فيها. فهاهي سيدة أخرى تخبر امرأة جنبها أنها تقطن بحي فوضوي وهم ينتظرون الترحيل فردّت عليها الأخرى »سمعت مؤخّرا أنّه قبل مطلع 2015 سيقضى على كلّ الأحياء الفوضويّة بالعاصمة«، طالب آخر يتحدّث عن الكتب التي اشتراها من معرض الكتاب، شابة أخرى تقرأ لزميلتها من الجريدة أسباب انحراف القطار الذي كان متوجها من العاصمة إلى بومرداس، ناهيك عن الهواتف النقالة التي لا تتوقف عن الرنين وكل ودوره، ليقصّ على الرّاكبين قصة أو يطلعهم على خبر. أخيرا، حطّ الترامواي ب»قهوة الشرقي« بعد نحو 45 دقيقة التي كانت كافية لعرض مشاهد من الحياة اليوميّة و للإطّلاع على أهمّ القضايا والمواضيع المتعلّقة بيوميات المواطن ومشاكله والتي لم تستثني أيّ مجال أو ميدان على الصّعيدين المحلّي والدّولي، فالأخبار الرّياضية حضرت بقوّة، السياسية طرحت ونوقش فيها، على غرار القضايا الاجتماعية التي أبديت فيها الآراء المتعدّدة، وبهذا أخذ قطار المدينة مهمّة أخرى إلى جانب مهمّة نقل المواطنين وهي طرح قضايا المجتمع ومناقشتها.