تطرح المتاعب اليومية لآلاف المواطنين بسبب شطر السكة الحديدية المكهرب الواقع بين الرغاية وقورصو في بومرداس تساؤلات من نحو "هل الاحتجاج ضد قرار السلطات العمومية القاضي بإنجاز مفرغة عمومية في الرغاية مبرر كاف لتخريب خط السكة على مستوى هذا المحور بتحطيم أعمدة ولوازم وماكينات مرتبطة بها وأسلاك كهربائية على مسافة أربعة كيلومترات؟". ففيما يقول بعض عمال وإطارات الشركة الوطنية للنقل بالسكة الحديدية إن عملية إصلاح العطب تستغرق 4 أشهر، تظهر خريطة معاينة لمحور خط السكة المكهربة الممتد من العفرون إلى الجزائر ثم بومرداس، تحصلت عليها "الخبر"، أن 71 نقطة منه تعرضت للسرقة سنة 2007، بينها محور الرغاية بومرداس بين شهري جانفي ومارس وشهر أكتوبر من تلك السنة. كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا عندما امتطينا القطار المكهرب الذي يضمن الرحلة بين محطة آغا في العاصمة والرغاية، لكنها رحلة مجهولة العواقب على اعتبار أنها كان يفترض أن تتواصل إلى غاية مدينة سطيف. كان ركاب قطار الساعة السابعة سعداء للغاية لأنهم في كل الأحوال لن يكونوا رقما في معادلة الازدحام التي حولت العاصمة وضواحيها الشرقية والغربية والجنوبية إلى سجن كبير، ولهذا تزايد عدد مستعملي القطار. الخط المكهرب معطل والمعاناة متواصلة.. لكن ما إن تقدمت إحدى الطالبات من رجال تستفسره عن أمر القطارات التي أصبحت تتوقف بمحطة الرغاية دون إكمال الرحلة إلى بومرداس، حتى عاد القلق إلى عدد ممن كانوا برفقة عائلاتهم، خاصة عندما أجاب الرجل الطالبة بأن القطار الذي كان مفترضا أن يقوم برحلته إلى قسنطينة عند الساعة السابعة والنصف لم ينطلق بعد، ما زاد في شكوك البعض من أن الاحتجاجات عادت إلى الرغاية. عندما وصلنا إلى محطة الرغاية لاحظنا كل أن القطارات التي تسير على خطوط السكة المكهربة متوقفة هناك، فما كان علينا إلا الاستفسار لدى بعض أعوان المحطة عن الوجهة التي نأخذها للتوجه إلى محطة قورصو أو بومرداس على أمل شراء تذكرة لمواصلة الرحلة إلى سطيف. رد علينا أحد الأعوان الذي بدا كما لو أنه قدم لنا معروفا لا مثيل له ”عليك قطع مسافة 100 متر في ذاك المنحدر ثم عليك بالميل نحو اليمين”. عندما انحرفنا نحو اليمين لم نصدق أننا سنلتقي بكتل بشرية من الطلبة والعمال، من المسافرين المتوجهين إلى ولايات شرق البلاد، من شيوخ ونساء وأطفال ينتظرون بفارغ الصبر قدوم حافلة تقلهم إلى قورصو أو بودواو أو بومرداس، في ظل جو يطبعه التزاحم والتدافع، خاصة أن أغلب الحافلات التي تصل إلى شبه المحطة البرية التي يحرسها عنصران للشرطة عادة ما تصل المكان مكتظة بالركاب، ما يجعل الكثير منهم ينتظر لأزيد من ساعة ولاسيما بالنسبة لمن لا يريد التدافع لحجز مكان في الحافلة. هذا الوضع ”ولد متاعب أكثر للطلبة ممن وجدوا أنفسهم يواجهون معاناة يومية طيلة 10 أيام منذ تخريب خط السكة المكهرب”، يقول كمال، طالب يدرس بجامعة بومرداس، اعتاد على التنقل عبر القطار من باب الزوار إلى بومرداس، بدل حافلة نقل الطلبة. ومع ذلك لم نصادف في طريقنا حافلات تابعة لشركة النقل بالسكك الحديدية، قصد نقل المسافرين المتوجهين إلى ولايات شرق البلاد من محطة الرغاية إلى غاية محطة قورصو أو بومرداس، وربما يعود السبب إلى توقف اشتغال القطارات باتجاه ولايات باتنة، قسنطينة، بجاية خلال ذلك اليوم، ذلك في غمرة الأصداء المنعكسة من محيط محطة الرغاية التي كانت تفيد بأن أبناء الرغاية المحتجين على قرار السلطات العمومية القاضي بإنجاز مفرغة عمومية، تظاهروا مجددا على مستوى خط السكة الذي تم تخريبه بإعادة تحطيم عمودين وسط خط السكة الحديدي العادي، ما حال دون مرور قطارات ”الديازال”. الاحتجاجات في الرغاية متواصلة.. عندما وصلنا إلى محطة بومرداس في حدود الساعة التاسعة صباحا تقدمنا لشراء تذكرة باتجاه سطيف، إلا أن أحد الأعوان رد بالقول: ”توقفنا عن بيع التذاكر منذ الثامنة صباحا، على ما يبدو القطارات المبرمجة باتجاه الشرق متوقفة، بدليل أن القطار المبرمج باتجاه قسنطينة على الساعة ال7 والنصف ألغيت رحلته، بإمكانك تسجيل رقم هاتفنا والاتصال بنا في حدود الساعة الثانية زوالا، ربما ستعود الأمور إلى طبيعتها”. عدنا إلى الرغاية على متن الحافلة، والأصداء المنعكسة تشير إلى أن المحتجين مازالوا متجمهرين على مستوى خط السكة الذي تعرض للتخريب مند أزيد من عشرة أيام. ففي محيط محطة القطار للرغاية ليس بوسعك أن تخوض في موضوع قضية احتجاج سكان المنطقة ضد قرار إنجاز مفرغة عمومية بمنطقتهم، لأن القضية ولدت حساسية كبيرة وسط سكان المنطقة ”لماذا بالضبط اختاروا الرغاية لإنجاز هذه المزبلة؟ لماذا رحلت من السمار؟ لقد أرادوا التخلص من مشاكل البيئة ومختلف أمراض الحساسية بنقلها إلى الرغاية”، يقول أحد الشباب. أبناء الرغاية ما عادوا قادرين على تقبل الأمر ولم يستسيغوه بعد، بدليل أن تركيبة المحتجين شملت حتى مسنين وطلبة ومثقفين وتجار. هذه القضية التي ولدت غضبا عارما خرج عن إطاره وتوج بتخريب أزيد من 4 كلم من عتاد السكة المكهربة، يطرح تساؤلا بشأن التعامل مع المجتمع المدني والمدينة في الوقت نفسه، هل المدينة يتم تسييرها أم تحكيمها؟ ما علاقة القطار بإنجاز مفرغة عمومية؟ إن تخريب جزء هام من خطة سكة القطار المكهربة يراه جزائريون آخرون ممن كانوا ينتظرون انطلاق القطار بالرغاية باتجاه محطة آغا من منظور آخر ”ما هي علاقة السكة الحديدية بقضية إنجاز المفرغة العمومية بالرغاية؟ ما نعرفه أن مشروع المفرغة يبعد بنحو 600 متر عن التجمعات السكانية، فلماذا تم تعطيل القطارات؟”، يتساءل شاب يقيم بالقرب من الرويبة. ولكن بين ما يقوله هذا وذاك، يبقى السؤال مطروحا: كيف وصل هؤلاء إلى تخريب خط القطار المكهرب وبالتالي منع مرور القطارات المكهربة وتعطيل مصالح المواطنين؟ ألا يوجد من يراقبها ويحرسها وهي التي كلفت خزينة الدولة ملايير الدولارات؟ عدنا من الرغاية إلى محطة آغا في حدود الساعة 10 صباحا بعد أن قيل لنا إن تذاكر الرحلات الطويلة لا تباع في الرغاية، لكن بمجرد وصولنا، تم الإعلان عبر مكبر الصوت عن إلغاء الرحلات المقررة عبر القطارات المتوجهة إلى باتنة، قسنطينةوبجاية بسبب غلق المتظاهرين لخط السكة في الرغاية، ما حال دون مرور القطارات التي تسير ب«الديازال”. ما كان علينا إلا التقدم من مصلحة الاستعلامات للاستفسار عن القطار المتوجه إلى باتنة أو قسنطينة لعلنا نحجز مكانا ونتوقف بسطيف، لكن بدل أن تقدم لنا معلومات عن الساعة التي ستستأنف فيها القطارات عملها قدم لنا الرقم التالي (021270000) قصد الاتصال بالمصلحة بعد الساعة الثانية زوالا، ولو أن ما تم تأكيده في تلك الأثناء أنه لا قطار سيتوجه إلى شرق البلاد خلال النهار. في تلك الأثناء، كانت عشرات العائلات تتردد على شبابيك شراء التذاكر باتجاه باتنة، قسنطينة، عنابة، بجاية.. لكنها سرعان ما تتفاجأ بالمعلومات المقدمة لها بشأن إلغاء هذه الرحلات. ما ذنبنا حتى نتحمل مسؤولية أخطاء الآخرين؟ في وسط هذه العائلات تقدمت واحدة من المسنات ممن اقتربن من سن الثمانين رفقة واحدة من أقاربها من مصلحة الاستعلامات للاستفسار عن موعد انطلاق القطار باتجاه باتنة، فقدم لها أحد الأعوان رقم الهاتف المذكور وأوصاها بالاتصال عند الساعة الثانية زوالا. تقول العجوز: ”جئنا صبيحة اليوم على متن القطار القادم من باتنة لزيارة أحد المرضى، لكن القطار توقف بنا في محطة الثنية في حدود الساعة الثامنة صباحا، لأن خط السكة كان مغلقا أمام القطارات في الرغاية، ما قاد القائمين على تسيير محطة الثنية إلى إنزالنا بعد أن أحضروا لنا حافلتين لنقلنا من الثنية إلى تافورة”. ولكن العجوز هذه تتساءل: ”لماذا نتحمل مسؤولية أخطاء الآخرين ونجني متاعب لا حصر لها نتيجة أفعالهم. عند الساعة الثالثة زوالا اتصلنا على رقم الهاتف المذكور، فرد علينا أحد الأعوان من محطة آغا بأن القطار المتوجه إلى عنابة ليلا سينطلق على الساعة السادسة والنصف مساء. ما كان علينا إلا شراء تذكرة، طالما أن القطار سيتوقف بمحطة سطيف، ولو أن القطار الذي مازالت تؤمه عناصر الدرك منذ سنوات على مدى طول المحور الممتد من الرغاية إلى برج بوعريريج، بدا شبه خال من المسافرين، ماعدا بعض العائلات وقليل من الشباب وبعض الشيوخ. أعمال تخريب وسرقة على مسافة 4 كيلومتر ولكن عملية التخريب التي طالت 4 كلم من خط السكة المكهرب كانت محل تعليقات المسافرين، بعد أن راح بعضهم يجتهد في إلقاء نظرة على الخط المكهرب الذي تعرض للتخريب والسرقة من على زجاج القطار. فعندما تلقي نظرتك عبر الزجاج تشاهد عددا من الأعمدة المكهربة وحبائل كهربائية وخيوطا من النحاس ملقاة على حافة السكة وغيابا تام للصناديق الإلكترونية التي كانت مثبتة إلى الأعمدة. كل شيء كان محل مراقبة داخل قطار الليل من قبل أعوان شركة النقل بالسكك الحديدية ممن كان بعضهم يحمل أسلحة نارية. حاولنا أن نستدرج بعضهم للحديث عن قضية تخريب خط السكة المكهرب على مستوى منطقة الرغاية، إلا أن بعضهم بدوا كما لو أنهم تلقوا تعليمات للحديث عن الموضوع، ماعدا واحدا منهم الذي قال: ”إن الاحتجاج الذي نظم في الرغاية ما هو إلا تغطية على أعمال التخريب والسرقة، إنها عملية رتب لها منذ مدة، وإلا كيف تم استهداف بالدرجة الأولى الأسلاك الكهربائية وبعض الوحدات التي تأخذ شكل صناديق إلكترونية”. في حدود الساعة الواحدة صباحا إلا عشر دقائق، توقف القطار بمحطة سطيف، نزل بعض الركاب، بينهم عائلة واحدة تمت رحلتهم في ظروف آمنة وحسنة، ليصعد مسافرون آخرون كانوا داخل المحطة ينتظرون وصول القطار. كانت عناصر الشرطة حتى الساعة الواحدة والنصف صباحا تجوب المكان ذهابا وإيابا، وعند الساعة الثانية زوالا أغلقت محطة القطار أبوابها. إلا أن قطار النهار يختلف عن قطار الليل من جانب أن عدد المسافرين ممن كانوا على متن القطار السريع الذي انطلق في حدود الساعة السادسة صباحا من سطيف باتجاه العاصمة كان أكبر بكثير، رغم أن تكلفة تذكرة القطار السريع أغلى من تذكرة القطار العادي، بل وتكشف أيضا أن عدد الجزائريين المستعملين للقطار تزايد خلال السنوات الأخيرة، ربما هروبا من الاكتظاظ في الطرقات والحوادث المرورية. إصلاح الخط يستغرق 4 أشهر.. وفي غمرة الحديث عن مشكل القطارات المكهربة التي لم تعد تصل إلى بومرداس، حاولنا الاستفسار عن المدة التي حددها القائمون على تسيير المؤسسة لإعادة الأشياء إلى طبيعتها بالتقرب من أحد المراقبين، إلا أن الأخير راح يقول: ”إن خبراء شركة النقل بالسكك الحديدية قاموا بتقييم الضرر والخسائر التي لحقت بالخط المكهرب، وخلصوا إلى أن إصلاح الخط يستغرق 4 أشهر”. وأضاف: ”إن عملية التخريب والسرقة طالت 4 كيلومتر من خط السكة المكهرب بينها تحطيم 8 أعمدة كهربائية وسرقة نحو 6 كيلومتر من كوابل الألمنيوم والخيوط النحاسية، مع سرقة نحو 10 علب إلكترونية كانت مثبتة إلى الأعمدة، يصل سعر الواحدة منها إلى نحو 300 مليون سنتيم. ويرتقب أن يتم اقتناء هذا العتاد الخاص بكهربة خط السكة من إسبانيا”. وقال بشأن الأشخاص الذين قاموا بعملية التخريب والسرقة: ”لقد تم التعرف عليهم بعد أن التقطت طائرة هيلكوبتر صورا لهم”. وقد شاهدنا في حدود الساعة 11 صباحا ونحن في طريقنا على متن القطار السريع في الرغاية باتجاه محطة آغا، عناصر للدرك منتشرة على طول المحور الذي شهد احتجاجات منعت مرور القطارات يوم الثلاثاء الماضي، تحسبا لأي عمل يعيق حركة مرور القطارات مرة أخرى، بما يسبب متاعب مضاعفة للمسافرين. 71 نقطة تعرضت للسرقة والتخريب سنة 2007 واللافت أن محور خط السكة المكهرب الممتد من الرغاية عبر محطات قورصو، بودواو، الثنية، وصولا إلى بومرداس، تعرض سنة 2007 إلى عمليات تخريب وكسر وسرقة، استنادا إلى خريطة حازت عليها ”الخبر” سنة 2008 من أحد عمال شركة ”ألستوم” الفرنسية. البيانات المتوفرة في الخريطة تشير إلى وجود 71 نقطة تعرضت للتخريب والسرقة على طول خط السكة الممتد من العفرون جنوبا إلى بومرداس شرقا. وبين النقاط هذه التي تضررت، نجد أنه تم يوم 07 / 10 / 2007 على مستوى النقطة الكيلومترية (000+59) القريبة من محطة الشفة في البليدة، سرقة حبل كهربائي واصل لمنشار بعمود رقم 05/59، فيما تم يوم 12 /07/ 2007 على مستوى محطة الشفة عند النقطة الكيلومترية (000+ 57) سرقة حبل كهربائي بطول 965 متر موصل بطبل. ولم تسلم نقط أخرى قريبة وعلى مستوى محطات البليدة، بني مراد، بوفاريك، بئر توتة، بابا علي، عين النعجة، جسر قسنطينة، الحراش واد السمار مرورا بالرويبة، الرغاية، قورصو، الثنية، بودواو، فقد سجلت 7 عمليات سرقة وتخريب بين محطتي الحراش ومحطة واد السمار، فيما عرفت المنطقة الواقعة بين الرويبة والرغاية عمليتي تخريب وسرقة، بينما عرفت المنطقة الواقعة بين الرغاية وبودواو 7 عمليات سرقة وتخريب كابل نحاسي وتخريب قوابض ونواقل ووحدات إلكترونية، فيما سرق 60 مترا من كوابل الألمنيوم وآليتان تشتغلان في اتجاه توازن الثقل، أما على مستوى النقطة (34) فقد سرقت 100 متر من كوابل الألمنيوم ووحدات إلكترونية أخرى. الأسلاك الكهربائية لاتزال هدفا للمهربين وتوضح بيانات الخريطة بأن عمليات السرقة والتخريب في منطقة الرغاية وضواحيها تمت خلال أشهر جانفي، فيفري ومارس من سنة 2007، بينما ارتكبت باقي العمليات في شهر أكتوبر من تلك السنة، فقد سجلت 5 عمليات على طول محور السكة الممتد من قورصو، تيجلابين وبومرداس بسرقة مئات الأمتار من خيوط النحاس وكوابل الألمنيوم ووحدات إلكترونية. ويعني ذلك أن عتاد السكة الحديدية المكهربة كان دوما ولايزال هدفا للمافيا المشتغلة بتهريب النحاس والألمنيوم. ومع ذلك، يبدو أن السلطات غير مكترثة للالتفات من حولها لاتخاذ إجراءات استعجالية لإعادة إصلاح خط السكة المكهرب، لأن الانتخابات في منظورها أهم من التكفل بالشأن العام وقضاء مصالح المواطنين.