اعتبرت الأخصائية النفسانية، ثريا تيجاني ظاهرة التحرّش الجنسي بالأطفال آفة اجتماعية تنجر عنها عقد نفسية ومشاكل اجتماعية خطيرة قد تعيق النمو السليم للطّفل، وشدّدت على دور الأسرة الرقابي وضرورة انتهاجها للتوعية المتوازنة والسليمة حتّى يتمّ حماية الطفل من أيّ عنف أو اعتداء قد يطاله. شجبت ثريا تيجاني المختصة في علم الاجتماع، ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال بجميع مستوياتها، كما اعتبرت الاعتداء عليهم اعتداءً على البراءة من شأنه أن يمحي كلّ الآمال التي توضع تجاه هذه الفئة التي يعوّل عليها كثيرا في المستقبل، والفظيع هو إقحام الطفولة في خضم الحياة القاسية والقضاء على البراءة التي تعتبر أنبل شيء في الحياة ، لهذا أكّدت تيجاني أن التحرش الجنسي بالأطفال بما فيه الاعتداء، آفة اجتماعية خطيرة تهدّم المجتمع لأن الطفل عندما يتعرّض لأيّ اعتداء من هذا القبيل ينشأ محطّما ومنهارا نفسيّا واجتماعيّا ويصبح يحسّ بأنّه شخص ضعيف في المجتمع الذي سيبدو له متوحشّا خاصة إذا لم ينصفه. وأشارت ذات المتحدّثة إلى أنّ التحرّش بالأطفال يولّد لديهم الضغط والعنف والرغبة في الانتقام كما أن نظرة المجتمع السلبية تجاه الطفل المعتدى عليه تزيد من هذه الظواهر، خاصة الانتقام، فالأشخاص الّذين يقبلون على الانتقام قد تعرّض معظمهم لعنف ما لم يظهروه وبقي مكبوتا ممّا يقوّي النظرة العدائيّة تجاه كلّ أفراد المجتمع وسيولّد انفجارا في حالة ما إذا لم ينصفهم المجتمع لهذا تضيف محدّثتنا: »يجب القضاء على هذه الظّاهرة السيّئة ومحاربتها من طرف كلّ أعضاء المجتمع خاصة الأسرة«، وبالنسبة للأشخاص المعتدين أكّدت تيجاني أنّهم غالبا ما يكونون من أفراد أسرة الطفل المعتدى عليه ومن المفروض أن تكون هناك حدود ما بين الأقرباء وأفراد الأسرة بالإضافة إلى ضرورة قيام الحوار بينهم ممّا يسمح بكشف الحقائق. في سياق متصل، اعتبرت تيجاني نظرة المجتمع المحتقرة للطفل المعتدى عليه هي ما يجعله يحسّ بالذنب كونه تعرّض لأمر شنيع ولم يتجنبه وسوف يعايره النّاس كلما سمحت الفرصة ليصبح منعزلا لا يستطيع المواجهة ولا يتحمل مسؤوليّاته كما سيتحطّم نفسيا واجتماعيا وقد تتحول عقده النفسية إلى عقد ومشاكل اجتماعية ويعيش بتلك التهمة لفترة طويلة كأنّه هو الجاني خاصّة إذا بقي الجاني دون عقاب، والعقاب المادي تتكفل به الدولة بينما العقاب المعنوي تطبقه الأسرة التي لا يقتصر دورها على تلقين الطفل ما يصحّ القيام به وما لا يصح بل من واجبها أن تراقبه وتحميه حتّى لا يكون فريسة سهلة المنال . وفي ذات الشأن دعت الأخصائية الاجتماعية المجتمع إلى مساعدة الأطفال الذين تم التحرش بهم وتغيير النظرة السلبية تجاههم لأنه لا ذنب لهم، كما شدّدت على دور الأسرة التي يجب أن لا تكل من البحث عن الحقيقة في كل ما يتعلق بأطفالها خاصة إذا ما راودتها شكوك من تصرّفات الطفل وحتّى المدرسة مطالبة بحماية الطفل من هذه الآفة بالمراقبة والتوعية التي لا يشترط أن توضع في منهج تعليمي وإنما يكفي أن نوعي الطفل ونوجهه، كما يجب الوصول إلى الحقيقة حتّى يلقى الجاني عقوبته مهما كانت درجته أو مكانته في الأسرة، ولحماية الطفل من التحرّش والاعتداء الجنسي تنادي تيجاني الأسرة إلى استعمال التوعية المعتدلة دون العنف والتخويف حتّى ينشأ الطفل تنشئة طبيعية سليمة ويعيش محميا من أسرته. راح ضحيتها رضع وأطفال قصر، ''مصطفى خياطي'' يكشف: آلاف الاعتداءات الجنسية تحصى سنويّا تحدث البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث »فورام« عن خروج ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال مؤخّرا إلى الرأي العام بعد أن كانت مخبأة في قائمة الطابوهات، ممّا جعل الكثير من الناس المطلعين على المشاكل الاجتماعية يندهشون من الأرقام والإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع عدد الحالات إلى الآلاف سنويّا راح ضحيتها رضع وأطفال قصر أعمارهم مابين 4 سنوات و16سنة، الأمر الّذي أصبح ينذر بالخطر، بالإضافة إلى حالات عديدة غير مصرح بها خاصّة ما يتعلّق بزنا المحارم عندما يكون الجاني من أهل الضحيّة ممّا يجعل العائلة تتكتم عن الأمر وترفض التصريح به. كما أوضح خيّاطي أنّ 25 بالمائة من أطفال الشّوارع تعرّضوا لهذا النوع من الإعتداء في أسرهم من طرف أقربائهم حسب ما بيّنته دراسة قامت بها الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث »فورام« سنة ,2006 هذا وتأسّف البروفيسور من كون ظاهرة الاعتداءات الجنسية في بلدنا يلبسها الكثير من الغموض كما تندرج ضمن قائمة الطابوهات الموجودة مما يصعب عملية محاربتها والقضاء عليها لأن مقترفي هذه الجرائم في الغالب يكونون من العائلة لذا يصعب التبليغ عنهم، بالإضافة إلى عديد الحالات التي ظهرت في المدارس، دور الحضانة ومراكز إعادة التأهيل وهو أمر ينذر بالخطر. وبالنسبة للأعراض والنتائج التي تتبع الاعتداء أشار إليها البروفيسور من جانبين، الطبّي والسيكولوجي أين يكوّن الاعتداء بداية صدمة نفسية للطفل سواء كان ذكرا أو أنثى وتكون قوة أو نتائج هذه الصدمة متعلقة ببعض الأمور كالسن، الحالة وصلة الجاني بالضحية إذا كان من معارفه أو أقربائه، وفي غالب الأحيان يضيف محدّثنا »الصدمة تعيق نمو الطفل من الناحية الجسمية بالإضافة إلى ظهور أعراض سيكولوجية أخرى عديدة فإذا كان صغيرا يصبح لا يستطيع التحكم في نظافته، وتراوده هواجس وكوابيس في نومه إضافة إلى التوتّر المستمر« وعندما تتم عملية الاعتداء بالقوة تسهل عملية الكشف أين يظهر احمرار وجروح على مستوى الأعضاء التناسلية وأحيانا نزيف دموي عند الإناث. أكّد مصطفى خياطي في ذات الشأن أنّ الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي أو الاعتداء تلزمهم رعاية نفسية كاملة مثل ما هو الحال في مصلحة طب الأطفال بمستشفى »بلفور« أين يتم تقديم الحالات إلى مختصة نفسانية التي تباشر علاجهم بإتباع طرق غير مباشرة كالرسم، »والطفل عندما يجد نفسه في بيئة استشفائية يتذكر الواقعة ويعبّر عنها ببعض الصور ممّا يسهّل عملية الكشف وتشخيص ما تعرّض له«. يحمل شخصيّة شاذّة وأنانية لا تقيم الآخر المعتدي على الأطفال شخص مضطرب نفسيّا أوضحت أحسن جاب الله حورية، مختصة في علم النفس العيادي أن ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال ليست ظاهرة جديدة وهي كغيرها من المشاكل الاجتماعية والمحرّمات تظلّ مكبوتة ومخفية، ولاتسّاع دائرة انتشارها مؤخرا وبروز الشكاوي، بدأت تعالج هذه المواضيع وخرجت للرأي العام وهي حتى وإن كانت مبادرة ناقصة إلاّ أنّها تبقى بداية جيّدة وانطلاقة فاعلة للبحث عن أسباب هذه الآفة ومحاربتها، وعن التحرّش الجنسي تحديدا اعتبرته المختصّة تحرّشا نفسيّا قبل أن يكون جنسيّا، وكلّ تحرّش يتعرّض له الطفل يؤثّر على النفسية التي بدورها تؤثّر في العضويّة. وبيّنت محدّثتنا أنّ هناك العديد من الأمراض التي تؤثّر على العضويّة تسبّبها المعاناة النفسية غير الواضحة التي تراود الأطفال ولا يمكنهم تبريرها أو الإفصاح عنها، ما يولّد عقدا واضطرابات نفسيّة يصبح يتخبّط فيها الطّفل وتجعله يشكّك في قدراته وقيمته الشخصيّة، وهذا الأمر يشخّصه المختصّون على أنّ تأثيره عميق على المستوى النفسي، العضوي والاجتماعي لأنّ الطفل يصبح منعزلا يفضل الوحدة والانطواء ويخاف من بناء علاقات اجتماعيّة أو تنميتها مما يمنعه من النجاح في حياته. كما أكدت أنه على الأولياء التفطّن لأي تغيير يحدث مع الطفل في عاداته اليوميّة، في المدرسة أو في اللعب مثلا، فكل هذه التغيرات قد تكون مؤشّرات لاعتداء أو تحرّش تعرض له هذا الطّفل ولم يصرّح به، فكلّ تغيير عند الطفل يجب أن يتبعه تشخيص نفسي، ولا يجب معاقبة الطفل على التصرّفات الغريبة التي تصدر منه حتّى يتم التأكّد من مسبّباتها، وبالنسبة للأشخاص المعتدين قالت أحسن جاب الله أنّهم غالبا ما يكونون من المقربين من الأسرة، والمعتدي عادة ما يكسب ثقة الطفل ويتقرب منه ثمّ تقع الحادثة ويتم الاعتداء، لذلك ينبغي الحذر من كلّ من يتقرب من الطفل خاصة في المناسبات، وينبغي الحذر أيضا من الزائرين للمنزل وكل من تربطهم علاقة مهما كانت مع الطفل. في سياق ذو صلة أشارت المختصة في علم النفس إلى أن الشخص المعتدي هو إنسان يحمل شخصيّة مضطربة كما يعتبر إنسانا شاذ، فلا يمكن لإنسان سليم أن يقوم بالتحرش بالأطفال أو الاعتداء عليهم، كما يمكن أن يقدم الإنسان على الاعتداء وهو في حالة اضطراب أو في حالة لا تعويض أو تحت تأثير مواد مخدّرة، لكن المعتاد على هذه الأفعال يكون يحمل شخصيّة شاذّة، أنانية لا تفكّر في عذاب أو معاناة الآخر خاصّة إذا كان الضحية طفل بريء، ولا يهمه سوى تلبية حاجاته ورغباته، وكل هذا يتعلق بتربية المعتدي الذي لم يتعلم تقدير الآخر ولم يتعلم الحدود التي يجب أن يضعها حتى لا يخترق حدود الآخرين. إمام مسجد القدس ''جلول قسّوم'' ل ''صوت الأحرار'': زمن يعتدي جنسيا على طفل كمن قتل نفسا بغير حقس عبّر جلول قسوم، إمام مسجد القدس بحيدرة، عن سخطه من ظاهرة التحرّش الجنسي التي أصبحت تطال الأطفال واعتبرها آفة ومرضا نهى عنه الإسلام بصفة عامّة لأنّها تنافي ما جاء به ديننا وما تحمله عقيدتنا، كما أنّ هذه الأفعال من المفروض أن لا تكون إلاّ بشروط بالنسبة للكبار العقلاء أمّا بالنسبة للأطفال فلا تصحّ بتاتا، كما أنّ الطفل تحت مسؤولية المجتمع الذي يجب أن يحميه ويتعامل معه اقتداءً بتعاليم الدين، وكما يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم : « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» ،إذ علينا التقيّد بالأحكام الواردة والحرص على تطبيقها هذا وبيّن محدّثنا أنّ التحرّش يرمي إلى الزنا وهي محرّمة بالنسبة للكبار كما أنّ عقوبتها ووزرها يتضاعف إذا ما تعلّقت بالصّغار أو من لا يستطيعون ردّ الأذى عن أنفسهم، فهم أمانة على المجتمع صونها و يجب معاقبة كلّ من يطالها، ثمّ عرّج قائلا: »من ينتهك جسد أو عرض أو شرف طفل كمن قتل نفسا بريئة بغير حق«، وسيسأل يوم القيامة عن سبب تعدّيه على البراءة، كما أنّ الاعتداء على الأطفال تنجر عنه انعكاسات سلبية على المجتمع لأنّ الطفل المعتدى عليه يحسّ أنّ المجتمع انتهك حرماته عوض أن يحميه ممّا يجعله يكبر نقما ومعتديا ويولّد لديه الرغبة في الانتقام . في ذات السّياق دعا قسّوم إلى ضرورة التدبر والحرص لتفادي هذه الآفة الخطيرة وهي مسؤولية مؤسّسات المجتمع التعليمية، التثقيفيّة والاجتماعيّة على غرار المساجد والجمعيات والنوادي كما أنّ المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأسرة »فنحن ندعوا الآباء والأمّهات إلى رعاية أطفالهم رعاية كاملة ولا يجب أن تقتصر على الأكل والملبس فهناك تربيتهم، تعليمهم ثمّ حمايتهم وهذا ببناء الشخصية وتلقين التصرّفات الحميدة بالاقتداء بالكتاب والسنة ولا حرج في اطلاع الطفل على الثقافة الجنسية بطريقة تعليمية حتّى تدرك البنت قبل الولد ما هي العورة وكيف يصح التعامل«، وندعوا من جهة أخرى شبابنا إلى تقوية الإيمان ونشر الوازع الديني والاقتداء بالأحكام التي نصّ عليها القرآن ودعت إليها السنّة النبوية حتّى نقتلع مثل هذه الأمراض من مجتمعاتنا.