ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال واقع رهيب ألمّ بمجتمعنا..اخترق براءة أطفالنا..انتهك مبادئنا وحرماتنا، والأرقام في ارتفاع مضطرد أمام مرأى المجتمع بكلّ مؤسّساته وفي مقدّمتها الأسرة، وفي انتظار أن يتم الإفراج عن قانون يحمي الأطفال ويضمن لهم حقوقهم، نبقى نسمع عن جرائم وانتهاكات ترتكب في حق أبرياء يحوّلهم المجتمع إلى جناة، في حين يفلت الجناة الحقيقيّون من العقاب في الغالب. إن تصنيف بعض المواضيع في خانة الطابوهات التي لا يصح الحديث عنها حتى لا تخدش الحياء ولا توقظ الشكوك هو في حقيقة الأمر تشجيع لانتشار ظواهر خطيرة يمكن معالجتها بالاشارة إليها والبحث في أسبابها وحيثياتها من أجل إيجاد حلول لها، ومن بين هذه الظواهر التي اتسعت دائرة انتشارها في مجتمعنا التحرّش الجنسي بالأطفال، فإذا كان التحرش الجنسي عموما آفة اجتماعية وقضية شديدة الخطورة فما بالك إذا ما طال فئة بريئة لا تستطيع حماية نفسها، لذلك ينبغي أن تخرج هذه القضية إلى الرأي العام وتطرح للحد من انتشارها. التحرش الجنسي بالأطفال واستغلالهم جسديا يأخذ أبعادا ومستويات كثيرة على حسب طريقة وقوعه، وهو في الغالب عبارة عن ملامسة أو اتصال جنسي بين طفل وبالغ من أجل إرضاء هذا الأخير لرغباته الجنسية وشهواته وتتم العملية وفق طريقتين إما بالإغراء والترغيب على الطفل حتّى يستسلم ويرضخ أو باستخدام السيطرة والقوّة وهنا غالبا ما تكون النتائج وخيمة، كما يعرّف التحرش الجنسي قانونيا بأنّه القيام بعلاقة جنسيّة مع قاصر أو قاصرة من طرف شخص بالغ يقدم على التحرش بالقاصر من خلال الكشف عن أعضائه التناسلية، ملامسته أو ملاطفته جسديا، هتك عرضه أو اغتصابه، عرض صور أو أفلام اباحية عليه، أو اجباره على التلفظ بعبارات وألفاظ جنسيّة. ورغم أن مجتمعنا مجتمع مسلم تطغى عليه الطقوس والشعائر الدينية إلا أننا كثيرا ما نسمع عن حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال القصر والأحداث مع تزايد وتيرة العنف تجاه شريحة البراءة، والأرقام في ارتفاع خيالي ناهيك عن الحالات الغير مصرح بها، كما أنّ أغلب الحالات المسجلة تخص الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و16 سنة من الذكور والإناث على حد سواء، وبالنسبة لأسباب توسّع وتفشّي هذه الظّاهرة الدخيلة على مجتمعنا فيمكن تلخيصها في نقاط رئيسية حسب المختصين النفسانيين و الاجتماعيين أوّلها تهاون الأسرة خاصة الوالدين في رعاية أبنائهم وتوفير الحماية لهم وضعف رقابتهم، ثمّ غياب الحس المدني بين أفراد المجتمع وكذلك الانحراف الذي طال الشباب اليوم. اعتداء على البراءة قبل الجسد كثيرة هي قصص الاعتداءات الجنسية على الأطفال التي اطّلعنا عليها، راح ضحيتها أطفال من الجنسين، ذنبهم الوحيد أنّهم أبرياء لا حول ولا قوة لهم، وقعوا ضحية وحوش بشرية استغلت براءتهم، ومن الحالات الواقعية التي ارتأينا عرضها حالة الطّفل زين الدين الذي يبلغ من العمر 10 سنوات بعد خروجه من المدرسة في أحد الأيام استدرجه أحد التجار إلى محله وفعل فعلته به، فما كان من زين الدين سوى البوح لأمّه بما جرى، فعرضته على طبيب شرعي الذي بدوره أكّد تعرض الطفل إلى اعتداء، فتقدمت عائلته بشكوى لدى مصالح الشرطة الذين سارعوا إلى توقيف التاجر المتهم واتضح بعدها أنّه مسبوق قضائيّا بسبب قضية مماثلة، وعن حالته النفسية وقتها أكّدت لنا والدته أنّه مرّ بوقت عصيب دفعه إلى الانطواء والانعزال كما رفض العودة إلى المدرسة حتى تطلب الأمر عرضه على أخصّائيين نفسانيين لمساعدته، لكن إلى غاية اليوم ?تضيف والدته? لا يزال يتذكّر الواقعة ويتحدّث عنها بنبرة ذنب رغم مرور 4 سنوات. أحمد 14 سنة، هو الآخر تمّ الاعتداء عليه جنسيا من طرف عمّه الشاب العاطل عن العمل، وحدث الأمر عندما انتقل أحمد مع أسرته إلى الولاية التي تسكن بها عائلة أبيه لقضاء العطلة، وعندما عادت عائلته لبيتهم بقي هو لتمضية أيّام أخرى بطلب من عمّه، وبعد مرور 15 يوما عاد إلى بيته وهنا بدأت أمّه تلاحظ عليه تصرّفات غريبة بالإضافة إلى كوابيس وصعوبة في النوم، وعندما تفاقم الأمر بعد تدنّي مستواه الدراسي، تمّ عرضه على طبيبة نفسانية استطاعت أن تستدرجه للبوح بالحقيقة المرّة وعلمت منه أنّ عمّه كان يجبره على مشاهدة أفلام فاضحة ويمارس عليه أفعالا مخلّة بالحياء، لكن الغريب هو أنّ عائلة أحمد تسترت عن الأمر وأخفته كون المعتدي من الأهل وخوفا من انتشار الخبر. وفي زيارة قادتنا إلى مصلحة طب الأطفال بمستشفى »بلفور« بالحراش أطلعتنا الأخصائية النفسانية »أبشيش.ز« على حالات أطفال معتدى عليهم زاولوا علاجهم بذات المصلحة، منهم حالة الطفلة »نور« ذات السبع سنوات أتت بها أمّها إلى المستشفى من أجل متابعة حالتها النفسانية المنهارة من جرّاء الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له من طرف صاحب مكتبة كانت تقصدها رفقة زميلاتها عند خروجهم من المدرسة، وكان هذا الأخير يستدرجهم إلى الواجهة الخلفية لمحله ويمارس عليهم أفعالا شنيعة مقابل بعض الحلوى ليسكتهم، ومع الضّغط المتكرر وبقاء العملية سريّا تعرضت نور لمشاكل صحية ونفسية فقررت إطلاع والدتها على الأمر التي سارعت إلى جلبها لمصلحتنا من أجل تلقي العلاج والتكفل اللاّزمين. »عمر« صاحب الأربع سنوات من الحالات التي أطلعتنا عليها ذات المختصّة، عرضه والديه على طبيب مختص بعد أن راودتهم شكوك من الالتهابات التي كان يصاب بها، وبعد أن تم استجواب الطفل من طرف الأخصائية النفسية، تأكّد الأمر فتقدم الأب بشكوى لدى مصالح الشرطة التي باشرت تحقيقاتها وتوصلت إلى أن الطفل تعرّض لاعتداء جنسي من طرف ابن المربية التي كان يترك عندها وهو يبلغ من العمر 29سنة، فهذه عينات من آلاف الحالات التي تحدث ونسمع عنها، على غرار حالات أخرى كثيرة لم نستطع عرضها لبشاعتها وغياب الكلمات التي تصفها، ناهيك عن الحالات الغير مبلغ عنها خاصّة تلك التي تتعلق بزنا المحارم والتي يكون فيها الجاني من أسرة الطفل المعتدى عليه. غياب الحس المدني وراء تنامي الظاهرة بعد عرض حالات الاعتداء على الأطفال واستنادا إلى آراء بعض الأخصائيين والمحللين يمكن لنا أن نخلص إلى أهمّ الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة تلم بمجتمعنا، وأهمّها تدني دور الأسرة الرقابي وعدم مرافقة الأطفال ومتابعتهم من جراء الالتهاء بشؤون الحياة الأخرى وكثرة المشاكل الاجتماعية وغياب الحوار عن الوسط الأسري، بالإضافة إلى اكتساح التكنولوجيا لجميع الميادين مما أدّى إلى سهولة الانفتاح على العالم الخارجي واقتباس العادات والممارسات التي تتنافى مع قيمنا ومبادئنا إذ أصبح الأطفال يستقبلون الثقافة الجنسية بطرق خاطئة ناهيك عن غياب الوازع الديني وعزوف شبابنا عن الشيم التي نص عليها ديننا الحنيف. فكل هذه الأسباب وأخرى خلقت مناخا مناسبا لاستفحال ظاهرة التحرّش الجنسي بالأطفال وارتفاعها، على غرار التستر وإخفاء بعض العائلات للأمر خوفا من شيوعه ممّا يجعل الجاني يعيد فعلته مرّات ومرّات لأنّه متأكّد من أنّه سيفلت من العقاب كون أغلبية الناس تخاف من الفضيحة وهنا يفقد الطفل الثقة بعائلته التي لم تنصفه، زيادة على أنّ المجتمع له نظرة خاطئة وسلبية تّجاه الطفل المعتدى عليه، الأمر الذي يجعله يحس بالذنب ويعيّشه في اختلالات نفسية قد تجعله يصاب بأمراض نفسية عديدة كما تذهب به إلى طريق الانحراف كأن يسلك طريق الجاني ويقوم هو بالاعتداء على غيره رغبة منه في الانتقام. ولحماية الأطفال من هذه الظّاهرة الخطيرة وتجنّب الانعكاسات السلبية التي تترتب عنها في حالة حدوثها، يقدم الأخصائيون النفسانيون والاجتماعيون مجموعة من النصائح والإرشادات التي من شأنها كبح الاعتداءات التي ترتكب في حق الأطفال بداية من التربية الناضجة للأطفال بإزاحة كل الحواجز بين الأولياء وأبنائهم وفتح الحوار معهم لتكون عائلتهم مستودع أسرارهم ومبعث ثقتهم، كما أنّ التثقيف وتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة للطفل خاصة فيما يتعلق بالثقافة الجنسية تجعله واع ومدرك لعديد الأمور، ثمّ توجيهه إلى ممارسة بعض الهوايات كالرياضة مثلا للتخلص من الطاقة السلبية التي يحملها.