أن يخصص المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني اجتماعه للوضع بمنطقة الجنوب، فذلك مؤشر واضح على أن الاحتجاجات التي يقوم بها السكان ضد استخراج الغاز الصخري ليست عادية، وأنها تحمل جملة من الأخطار، لذا ينبغي عدم تجاهلها أو التعامل معها بمنطق التهاون واللامبالاة، وكأنها لا حدث أو أنها مجرد موجة غضب، لا تلبث أن تهدأ وتعود الأمور إلى طبيعتها العادية! لقد كان الأمين العام للحزب عمار سعداني صريحا في وضعه النقاط على الحروف، محذرا من التهوين من الأحداث التي تشهدها منطقة الجنوب أو اعتبارها ردة فعل عابرة، لا تستدعي التوقف عندها وتحليل دوافعها الحقيقية وتداعياتها على استقرار البلاد وأخطارها على الوحدة الوطنية. كان الأمين العام واضحا في إبراز التهديدات التي قد تنجر على تنامي الشعور لدى سكان منطقة الجنوب بالتهميش وعدم الإنصات إلى مطالبهم وتبني انشغالاتهم وتطلعاتهم المشروعة، ولذلك بادر إلى اتخاذ جملة من المواقف والاجراءات التي تهدف إلى حلحلة الوضع، خاصة وأن الاحتجاجات قد اتسعت دائرتها وامتدت إلى أكثر من ولاية في الجنوب، ويمكن حصر هذه الإجراءات في: أولا: المبادرة برفع انشغالات سكان منطقة الجنوب إلى رئيس الجمهورية، وهنا ينبغي التوضيح بأن الهدف ليس إعلام الرئيس، حيث أنه مطلع على كل ما يجري، بل إن قيادة الحزب ترى أن من مسؤوليتها الوطنية المساهمة، كهمزة وصل، في رفع انشغالات المنطقة إلى الرئيس. ثانيا: نزول أعضاء المكتب السياسي إلى الميدان للتحاور مع السكان والتقرب من الأطراف الفاعلة في المجتمع والوقوف على المشاكل التي يعانون منها والمساهمة في اقتراح الحلول المناسبة. ثالثا: الدعوة إلى فتح حوار جدي ومسؤول مع سكان المنطقة، علما بأنه لو قام المسؤولون بعملية تحسيس وإقناع وقدموا للمواطنين شروحات وافية عن كيفية استخراج الغاز الصخري، لما لجؤوا إلى التظاهر. رابعا: التنبيه إلى أن منطقة الجنوب تعاني من التخلف، مما يستدعي التكفل أكثر بمتطلبات السكان في هذه المنطقة والاستماع إلى انشغالاتهم وتطلعاتهم وتلبية حاجياتهم، سواء من حيث توفير مناصب الشغل أو منحهم الأراضي لبناء مساكن لهم. خامسا: ادعوة الطبقة السياسية إلى مرافقة حزب جبهة التحرير الوطني في عمل جواري مكثف، من أجل تاطير المناطق الجنوبية التي تعاني التخلف، بسسب قلة المشارع التنموية. سادسا:التحذير من محاولات الاستثمار السياسي في الاحتجاجات التي تعرفها المنطقة، إذ أن الملاحظ أن هناك أحزابا غنية القاموس من حيث الانتقادات، لكنها فقيرة، بل تحت خط الفقر، من حيث إنتاج الأفكار. إن حزب جبهة التحرير الوطني، حين يدق جرس الإنذار، ويدعو الطبقة السياسية إلى الاضطلاع بدورها الذي تتطلبه المصلحة الوطنية، فهو بذلك لا يزايد على أحد ولا يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، بل يمارس الفعل السياسي الجاد الذي تمليه مكانته الريادية في الساحة الوطنية وحرصه الشديد على أمن البلاد وعدم العبث باستقرارها. إنها دعوة صريحة إلى فتح الحوار مع سكان الجنوب واعتماد الحكمة في معالجة ملف الغاز الصخري، من خلال استخدام كل القنوات التي يمكن أن تسهم في الاقناع، مع الحرص على التعامل المباشر مع المواطنين وتفهم مطالبهم المشروعة والتجاوب معها ، ذلك أن الخطاب الاستعلائي لن يجني إلا العناد، كما أن تلك اللغة الغريبة عن الشعب التي يستعملها بعض المسؤولين لن تؤدي إلا إلى الطرق المسدودة!