ثلاثة شبان من عرب أمريكا ومسلميها، زوجٌ ذو الثلاثة والعشرين عامًا، هو ضياء بركات، وزوجته ذات الإحدى والعشرين سنة، هي يسر أبو صالحة، وأختها رزان التي لم تتجاوز سنَّ التسعة عشر عامًا، سقطوا في كالورينا الأمريكية على يد جارهم، في واحدةٍ من جرائم العنصرية، وثلاث رصاصات وزّعها القاتل بالتّساوي في رءوسهم، لِيُنهِي حياة ثلاث كفاءات كانت ستساهم في تطوير الحضارة البشرية، التي يقودها الغرب لولا الكراهية التي كان يحملها المجرم لكلِّ عربي ومسلم، نتيجة التهييج الإعلامي الغربي والأمريكي بوجهٍ خاص ضد المسلمين . لم تلقَ هذه الجريمة الأمريكية الشنعاء، ما لاقته جريمة شارلي إيبدو الفرنسية، لأن الأولى ضحاياها مسلمون، هم في عُرْف الفكر الغربي مجرّد كائنات تسعى، والثانية أبطالها نخبة غربية تُضيء كما يرى أصحاب ذلك الفكر العائد من عهد الحروب الصليبية، ولكن الأغرب أن العرب والمسلمين الرسميين الذين ارتفع ضجيجهم مع الصخب الذي أحدثه المُتباكون على حقوق الإنسان التي قيل إن المسلمين أهدروها على أعتاب تلك الجريدة، أو أولئك المُهروِلون إلى مسيرة باريس، ليس لرد التُّهمة عن الإسلام بل للتنديد بما يراه الغرب إرهابًا، لم يُصدِروا صوتًا ولو كان غير مسموع، واكتفوا بالاستماع إلى تنديد المنظمات الطلابية والجمعيات الإسلامية، التي أدانت وحدها ما جرى لأولئك المغدورين، أما الغرب الرسمي فقد كان وفيًّا لمبادئه التي يُضمِرها تجاه الآخر، وأكد بتعامله مع هذه الحادثة، أنه قد ربط فأوثق الرباط بين المسلمين والإرهاب دون سواهم، فهو كما قالت إحدى الصحافيات الغربيات القليلات في الشجاعة وقول الحق :"مهاجمٌ إسلاميّ يُساوي إرهابيًّا، ومهاجمٌ أسود يُساوي بلطجيًّا، ومهاجمٌ أبيض يساوي مُجرّد خلاف حول مكانٍ لركْن السيارة !" قِلةٌ قليلة من الإعلام الغربي تعرّضت إلى مأساة تلك الأسرة المسلمة الشابة، ورأت :"لو أن مُسلِمًا قتل ثلاثة طلاب من ذوي البشرة البيضاء، لكانت القضية اليوم تُهيْمِن على التغطية الإعلامية كلها" ولم يتطوّع موقعٌ إعلاميٌّ واحد، ويطلب من المسيحيين أو اليهود أو اللادينيين، إدانة هذا الفعل الشنيع، كما تحالفت المواقع سابقًا لتطلب من المسلمين أينما كانوا- وكأنهم مُتَّهَمون- أن يُدينوا ما فعله المتطرِّفون في حق شارلي إيبدو، ولكن العرب والمسلمين خاصة أولئك الذين يساهمون في بناء المجتمعات الغربية، لم يجدوا جوابًا عن سبب الصمت الذي أصاب العواصم الغربية، حِيال تلك الجريمة الشنعاء، ولم يفهموا حالة اللامبالاة التي اتَّسم بها الإعلام الحر والحر جِدًّا الذي أكّد انحيازه لأيديولوجية الاستكبار والعنصرية، بل حاول تضليل الرأي العام، عندما قال عن ذلك السفاح، إنه يُعاني من متاعب نفسية فقط، وربما سيُبرِّئه غدًا، حينما يُعلِن أنه مُختلّ عقليًّا، وقد كانت قناة فوكس نيوز رأس أفعى هذا التسميم الإعلامي، فقد اعتبرت الجريمة "مُجرَّد مُشْكِلٍ بين الجيران من أجل رَكْنِ السيارة"، وهي التي ذهبت في تحقيق لها من فرنسا، إلى أن هناك مناطق مُحتلّة في باريس، من طرف المسلمين لا يدخلها سواهم، مما جعل عُمْدة المدينة، يُودِع شكوى ضدّها، ليس بسبب نعْتِ المواطنين الفرنسيين المسلمين، بالمُتطرِّفين الخارجين عن القانون، إنما بسبب ما يراه قذْفًا في حق عُمدته، لأنها لا تُطبِّق القانون على بعض النواحي الباريسية . لقد أكّدت هذه الواقعة، أن حقوق الإنسان التي يرفع الغرب شعارها، ما هي إلا أكذوبة يضحك بها على المُغفَّلين منا، وقد أثبت أنه غرْبٌ منافق، لا يرعى أية حُرْمة للحقوق الآدمية، إلا إذا كانت من طينته، وتضمن له مصالحه الحيوية، ولكن الأخطر في المسألة، أن التطرّف الغربي المتنامي سيخلق عُنْفًا مُضادًّا يُساوي له في القوّة، ويوازيه في الرّعب أو يفوقه، وسيُعزِّز مثل هذا الموقف، مواقع التطرّف في الجانبيْن، اللذيْن سيجذِب كل منهما المزيد من أولئك المسالمين المتسامحين الوسطيين المؤمنين بتلاقح الحضارات وتكاملها، وهو- في اعتقادي- ما يسعى إليه دعاة صدام الحضارات، الفاعلون في سياسة الغرب الرسمية من اليمين واليمين المتطرِّف، ومن ثم فإن الغرب يجب أن يعرف أنه بهذا التصرّف، هو الذي يصنع الإرهاب ويصنع معه الإرهاب المضاد . [email protected]