دافع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أمس، عن الحصيلة التي حقّقها المجلس الدستوري بعد مرور عقدين من إنشائه، ونفى أن تكون الدولة قد تدخّلت طيلة هذه الفترة من أجل توجيه مهام هذه الهيئة أو إلزامها على اتخاذ قرارات على المقاس، بل على العكس من ذلك فإنه أكد بأن السلطة التزمت دوما باحترام آرائه وقراراته وتنفيذها بلا تردّد، معترفا بأن الوصول إلى الديمقراطية ودولة القانون أمر يتطلّب الكثير من الحكمة والصبر. لم يتردّد رئيس الجمهورية في التأكيد بأن الآراء والقرارات التي أصدرها المجلس الدستوري منذ تأسيسه بمقتضى دستور 1989، قد شكّلت »حافزا للسلطة التشريعية لكي تحرص على أن تأتي نصوص القوانين موافقة للدستور محترمة له«، كما شكّلت »دافعا للسلطة التنفيذية لأن تدقّق في مشاريع القوانين عند صياغتها حتى لا تنزلق إلى شبهة مخالفته وتجاوز أحكامه«. وأشار الرئيس بوتفليقة الذي حرص على حضور احتفالية المجلس الدستوري بمناسبة مرور 20 عاما على تأسيسه، على تقديم بعض المعطيات والمؤشرات التي تؤكد أن اجتهاد هذه الهيئة »كان مستلهما من روح الدستور ومقاصده في تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وإرساء العدل والمساواة..«، مضيفا أن »المجلس الدستوري مضى في رقابته الدستورية والفصل في المنازعات الانتخابية متوخيا على الدوام تحقيق التوازن بين ضرورة احترام الدستور ومتطلبات ترسيخ الأسس الديمقراطية للبلاد«. وبحسب كلام القاضي الأول في البلاد فقد أصدر المجلس عبر مسيرته »قرارات كان لها وقعها في الحياة السياسية«، والأكثر من ذلك فقد لاحظ رئيس الدولة بأن المتتبع للفقه الذي أصدره المجلس خلال العقدين السابقين يسجل أن هذه الهيئة قد أدت المهمة الموكلة إليها من حيث أنها الحارس الساهر على احترام الدستور والمانع لكل تعسف، ويبرز ذلك من خلال أن » المجلس الدستوري ألزم كلا من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بضرورة عدم تجاوز اختصاص كل منهما و البقاء في الإطار الذي حدده لها الدستور تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات«. ومن خلال عرضه للحصيلة الإيجابية لنشاط المجلس أورد الرئيس بوتفليقة أن الأخير اجتهد في تفسير أحكام الدستور للتأكد من مدى توافق التشريعات الوطنية مع أحكام الدستور بالإضافة إلى إسهامه بالعديد من »التفسيرات المتطورة« للقواعد الدستورية على نحو يواكب، عل حد وصفه، تطوّر مجتمعنا مستوحيا من التشريعات الجهوية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. وعلى هذا الأساس أبرز بوتفليقة أن الدولة حرصت دوما على الحفاظ على استقلالية هذه الهيئة القضائية بما يضمن لها مصداقيتها وهو ما جاء في كلمته التي ألقاها بالمناسبة قائلا: »احتراما منا للدور الحساس الذي يؤديه المجلس الدستوري في السهر على احترام دستور الجمهورية وترقية الحياة السياسية للبلاد وحرصا منا على حفظ استقلاليته التي يضمنها له الدستور وتأكيد صيانة مصداقيته فقد امتنعت الدولة عن أي تدخل أو توجيه لمهام المجلس ملتزمة دائما باحترام آرائه وقراراته وتنفيذها بلا تردّد«. ولم يحصر رئيس الجمهورية أهمية ومكانة المجلس الدستوري في مجال الرقابة الدستورية بقدر ما حرص على إبرازها أيضا في مجال الانتخابات، حيث قال إن هذا الأمر »لا يخفى على الجمهور نظرا لكونه الجهة الوحيدة التي خوّلها الدستور مراقبة صحتها والفصل في منازعاتها وإعلان نتائجها«، قبل أن يضيف بتفصيل أكثر «وإنّ القرارات التي يصدرها لا تقبل الاستئناف أو الطعن فهي قرارات نهائية وفورية التطبيق وملزمة لجميع السلطات العمومية«. وعاد الرئيس بالمناسبة إلى الظروف التي أدّت إلى إنشاء المجلس الدستوري على أساس أنه »يسهر على احترام الدستور من خلال ممارسته الرقابة الدستورية من جهة، والسهر على صحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية والإعلان عن نتائجها من جهة أخرى«، وعليه فقد رأى أنه بإنشائه وما خوّله له المؤسس الدستوري من صلاحيات واسعة »تكون الجزائر قد توفّرت على آلية أخرى في البناء المؤسساتي للجمهورية واندمجت في الحركة العالمية للقضاء الدستوري«. وإذا كان في تقدير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن »الطريق إلى الديمقراطية ودولة القانون طويل وشائك يتطلب الكثير من الحكمة والصبر والعمل المتواصل بل يقتضي الكثير من الجهد والتضحية«، فإنه في المقابل أكد سعيه الدائم لتوفير الظروف الملائمة لتحقيق نهضة قانونية ودستورية، حيث دعا جميع الهيئات الوطنية وبالأخصّ المجلس الدستوري إلى التفتح أكثر على محيطها الوطني بالتواصل مع الجامعات ومراكز البحث وفتح الأبواب أمام الباحثين ورجال القانون والطلبة. وخلص خطاب رئيس الجمهورية إلى أن الرقابة الدستورية ثقافة شأنها شأن الديمقراطية تحتاج إلى زمن طويل من الخبرة والممارسة »لتغدو جزءا طبيعيا لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية وواقعنا السياسي«، كما أكد أن الديمقراطية ليست وصفة طبية جاهزة للاستعمال تصلح لكل المجتمعات على اختلاف المكان والزمان قد تفرض بمرسوم أو تحمل بالإكراه والقوة إلى الناس هنا وهناك إنما هي في الجوهر ثقافة وممارسة خلاصة تجربة مجتمع معين في تركيبته الحضارية وتطوره التاريخي.