أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أن المجلس الدستوري ساهم بفعالية في تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وفي تكريس الديمقراطية في البلاد، ودعا المشرفين على هذه الهيئة إلى التفتح أكثر على المحيط الوطني وربط اتصالات مباشرة بين الجامعات ومراكز البحث. أشرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس بمقر المجلس الدستوري بالعاصمة على الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس هذه الهيئة وألقى خطابا بالمناسبة ضمنه الهدف من إنشائها والدور الذي لعبته خلال عشرين سنة من النشاط، وأشار إلى أن المجلس ساهم في السهر على احترام الدستور من خلال ممارسته الرقابة الدستورية من جهة وعلى صحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية والإعلان عن نتائجها من جهة أخرى. وعاد إلى ظروف إنشائه وقال إنه جاء في سياق التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتمكن من مواكبة التحولات الداخلية المبنية على مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية الحزبية وتوسيع الحقوق الفردية والجماعية للمواطن. وأضاف أن المجلس الدستوري يعتبر آلية من الآليات التي اعتمدتها البلاد في البناء المؤسساتي الديمقراطي وسمح لها ذلك بالاندماج في الحركة العالمية للقضاء الدستوري. واعتبر الرئيس بوتفليقة المجلس الدستوري لبنة في مسار بناء دولة الحق والقانون، وأنه من هذا المنطلق حرصت الدولة على توفير الظروف الملائمة لتحقيق نهضة قانونية ودستورية في البلاد، منها توفير مقر له يكون بمثابة "صرح شامخ للديمقراطية ومجسد لهيبة القانون ومعلم مشع جامع بين عراقة الحضارة وسمو الدستور". وأمام رئيس المجلس السيد بوعلام بسايح والإطارات السامية في الدولة يتقدمهم رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني السيد عبد العزيز زياري والوزير الأول السيد أحمد أويحيى وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح وأعضاء في الحكومة، أثنى القاضي الأول في البلاد على العمل الذي قام وما فتئ يقوم به المجلس الدستوري رغم حداثة عهده، كما عرف تطورا في مجال اختصاصاته وتعدد سلطات إخطاره وتوسيع تشكيلته ونوعية اجتهاداته الفقهية الشيء الذي أهله لكي يكون دوره محوريا في منظومة الحكم والحياة السياسية في البلاد. وأكد الرئيس بوتفليقة أن المجلس الدستوري لم يخضع يوما لإملاءات الدولة بل كان مستقلا في قراراته وعمله وقال إنه "احتراما منا للدور الحساس الذي يؤديه المجلس الدستوري في السهر على احترام دستور الجمهورية وترقية الحياة السياسية للبلاد وحرصا منا على حفظ استقلاليته التي يضمنها له الدستور وتأكيد صيانة مصداقيته فقد امتنعت الدولة عن أي تدخل أو توجيه لمهام المجلس ملتزمة دائما باحترام آرائه وقراراته وتنفيذها بلا تردد". وفي هذا السياق أشار إلى أن السلطة التشريعية حرصت دوما على صياغة القوانين وفق ما يمليه الفقه الدستوري الذي يسهر المجلس على ضمانه، كما أن قرارات وأراء المجلس الدستوري شكلت دافعا للسلطة التنفيذية لأن تدقق في مشاريع القوانين عند صياغتها حتى لا تنزلق إلى شبهة مخالفته وتجاوز أحكامه. وفي الشق المتعلق بتدخل المجلس الدستوري في مراقبة العمليات الانتخابية أوضح الرئيس أن المجلس الذي تعاقب على رئاسته السادة عبد المالك بن حبيلس، وسعيد بوشعير ومحمد بجاوي وحاليا السيد بوعلام بسايح أدى مهمة الرقابة الدستورية على أحسن وجه، وحرص في عمليات الفصل في المنازعات الانتخابية على توخي التوازن بين ضرورة احترام الدستور ومتطلبات ترسيخ الأسس الديمقراطية. وحسب الرئيس بوتفليقة فإن المجلس الدستوري وخلال عقدين من الوجود عرف كيف يكون "الحارس الساهر على احترام الدستور والمانع لكل تعسف" واستطاع أن يلزم كلا من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بعدم تجاوز اختصاص كل منهما والبقاء في الإطار الذي حدده لها الدستور تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات. وفي ظل التحولات التي يعرفها المجتمع الجزائري في العديد من المجالات دعا الرئيس بوتفليقة الساهرين على عمل المجلس بإعطاء العناية القصوى لموضوع الرقابة الدستورية كما طالب المجلس بالاهتمام أكثر بنشر الثقافة القانونية الدستورية، والتفتح أكثر على المحيط الوطني وربط اتصال مع الجامعات ومراكز البحث وفتح الأبواب أمام الباحثين ورجال القانون والطلبة. ودعا إلى تكثيف مجال التعاون مع المنظمات والفضاءات الإقليمية والدولية المختصة داعيا إلى توسيع وتدعيم هذه العلاقات بما يساعد على مواكبة تطور الرقابة الدستورية في العالم والاستفادة منها. ومباشرة بعد اختتام الجلسة الافتتاحية للاحتفالات بالذكرى العشرين لتأسيس المجلس الدستوري، انطلقت أشغال ملتقى دولي علمي حول "علاقة جهات الرقابة الدستورية بالبرلمانات" بمشاركة رؤساء المحاكم والمجالس الدستورية للعديد من الدول يتقدمهم السيد جياني بوكيكيو الأمين العام للجنة فنيسيا والسيد عبد الرحمان أبو توته رئيس اتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية. وقال رئيس المجلس الدستوري السيد بوعلام بسايح في كلمة له بالمناسبة أن حرص رئيس الجمهورية على حضور هذا الاحتفال بمثابة "دليل قوي على العناية الفائقة التي يوليها لتوفير الشروط اللازمة للسير الحسن للمؤسسات الدستورية الوطنية" مشيرا إلى أن ذلك يؤكد أيضا "بالغ اهتمامه بحماية الحقوق والحريات وتعزيز الممارسة الديمقراطية في البلاد". وأوضح أن الغاية من تنظيم هذا الملتقى هو تبادل الأفكار والطروحات وإقامة حوار حول "مسائل ذات الاهتمام المشترك" و"مد جسور التعاون التي تسمح للجميع بالاستفادة من التجارب والخبرات التي اكتسبها كل طرف في مجال القضاء الدستوري". وأضاف أن موضوع هذا الملتقى يعكس مدى التقارب الموجود بين المجالس الدستورية والبرلمانات مشيرا إلى مشاركة كليهما "كل في مجال اختصاصه" في بناء دولة القانون والمجتمع الديمقراطي.