ربيقة يعزي عائلة المجاهد وصديق الثورة فيليكس لويس جيرو    ضرورة المحافظة على إرث الشهداء الذين ضحوا في سبيل الجزائر    سعداوي يتلقي اقتراحات المنظمات النقابية المعتمدة    اختتام أشغال الدورة العادية ال38 لقمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا    مسيرات بأمريكا احتجاجا على مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة    الغرب الصليبي لا يعرف الحياد..؟!    فرقة البحث والتدخل BRI توقيف 03 أشخاص و حجز مهلوسات    أمن دائرة ششار توقيف 05 أشخاص تورطوا في سرقة    انخفاض نسبة حرائق الغابات ب91 % خلال سنة 2024    استغلال الأملاك المصادرة في إطار قضايا الفساد    تتويج دبلوماسية المبادئ والمصداقية والإنجازات    الجزائر ترفض انتهاك سيادة لبنان    "شايب دزاير" تثير"الكتابة، الذاكرة، أو كيف نمجد شهداءنا"    حل الدولتين السبيل الوحيد لإحلال السلام في الشرق الأوسط    غليان في المغرب ضد التطبيع واستهداف الأصوات الحرّة    عمورة أفضل مهاجمي "الخضر" قبل قمتي بوتسوانا والموزمبيق    غويري: سعيد ببدايتي مع مرسيليا ومستعد للعب في أي منصب    احتدام التنافس للفوز بالقميص الأصفر    جيدو/ الدورة الافريقية المفتوحة بتونس: الجزائر تحصد خمس ميداليات, منها ذهبية واحدة    اكتتاب 85% من أسهم بنك التنمية المحلية    توزيع 81 ألف هكتار بالجنوب وتسوية 33 ألف ملف    انزلاقات أرضية ونقص الإنارة ومشاكل أخرى تهدد ترامواي قسنطينة    الخبز التقليدي زينة المائدة وبنّتها    عمليات جراحية لزرع الجلد وخشونة الركبة واستئصال الكلية    البليديات يشرعن في تنظيف منازلهن إحياء لعادة "الشعبانية"    3 عروض تروي المقاومة والتاريخ    آيت دحمان تقدّم إضاءات هامة وعميقة    "من جبل الجرف إلى تل أبيب".. تساؤلات عن الهوية    الأسبوع الوطني للوقاية: السلطات العليا تولي الصحة العمومية "أهمية خاصة"    جمعية "راديوز" تكرم عائلة فقيد الكرة المستديرة الجزائرية محي الدين خالف    غرب الوطن: أبواب مفتوحة على مندوبيات وسيط الجمهورية    دراجات /طواف الجزائر 2025 /المرحلة الثامنة: فوز الدراج الجزائري محمد نجيب عسال    الصحفية "بوظراف أسماء"صوت آخر لقطاع الثقافة بالولاية    الشهداء يختفون في مدينة عين التوتة    غريب يؤكد على دور المديريات الولائية للقطاع في إعداد خارطة النسيج الصناعي    معرض دولي للبلاستيك بالجزائر    تسويق حليب البقر المدعم سمح بخفض فاتورة استيراد مسحوق الحليب ب 17 مليون دولار    هكذا ردّت المقاومة على مؤامرة ترامب    حملات إعلامية تضليلية تستهدف الجزائر    هل تكبح الأسواق الجوارية الأسعار في رمضان؟    فريقا مقرة وبسكرة يتعثران    الجزائر تواجه الفائز من لقاء غامبيا الغابون    فلسطين حق تاريخي لشعب مكافح لن يتنازل عن أرضه    متعامل النقال جازي يسجل ارتفاعا ب10 بالمائة في رقم الأعمال خلال 2024    بداري يرافع لتكوين ذي جودة للطالب    قِطاف من بساتين الشعر العربي    كِتاب يُعرّي كُتّاباً خاضعين للاستعمار الجديد    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    عرض فيلم "أرض الانتقام" للمخرج أنيس جعاد بسينماتيك الجزائر    كيف كان يقضي الرسول الكريم يوم الجمعة؟    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفمبر أمام امتحان التشكيك
نشر في صوت الأحرار يوم 31 - 10 - 2009

لم يحدث أن احتفل الجزائريون بذكرى ثورتهم في مثل الظروف التي تحيط بالمناسبة هذه السنة، فنحن نشهد فورة وطنية لدى جيل الشباب الذي لم يعاصر الثورة ولم يعاصر ما حدث خلال العقدين الأولين من الاستقلال، وهما الأكثر اتصالا بعهد الثورة، وهذه الفورة التي تتجلى في كل مناحي الحياة تأخذ أبعادا أكثر وعيا من ذلك الولاء القائم على العواطف فقط، لكن في مقابل هذا نشهد الآن تورط جيل من شاركوا في الثورة في جدل عقيم يسيء في بعض فصوله إلى البلاد وشعبها مثلما يسيء إلى الشهداء والثورة.
يعود نوفمبر والجزائريون يسألون عما تحقق من وعوده وما بقي من روحه، لكن مفارقة غريبة تفرض نفسها اليوم، فما كان يرد إلينا من الخارج، من تشكيك فيما نعتبره حقائق الثورة، أصبح خطابا محليا يتبناه بعض الساسة ومنهم من شاركوا في الثورة، وتصبح المفارقة أغرب عندما تطرح الأسئلة المشبوهة عن أعداد الشهداء وحقيقة المجاهدين، وما جرى من أحداث خلال سنوات الكفاح التحريري مباشرة بعد أن تبلور مطلب الاعتراف والاعتذار وأخذ بعده الرسمي كقضية دولة تطرح بشكل جدي كلما كانت هناك مناسبة لرفع هذا المطلب في وجه الدولة الفرنسية التي لا تنكر أبدا أنها وريثة فرنسا الاستعمارية، وهكذا بدا الحديث عن الثورة عندنا وكأنه خطوة إلى الوراء تتيح لفرنسا التقاط أنفاسها وتعطيها مزيدا من الحجج للمماطلة ورفض الاعتراف بما اقترفه الاستعمار من جرائم في حق الجزائر وشعبها.
خلال السنوات الماضية تحولت مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها والاعتذار عنها إلى ثابت في الخطاب الرسمي، وحتى إذا كانت الأسئلة حول مدى جدية هذه المطالبة تبقى بدون إجابة مقنعة فإن التبني الرسمي لهذه القضية والإلحاح على طرحها بشكل علني حول الأمر إلى قضية دولة سيصعب تجاهلها في المستقبل من أي طرف كان، وسيكون على كل ممارس للسياسة أو مرشح للحكم أن يبين موقفه من هذه المسألة، وهو ما شهدناه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقد نشهد في المستقبل التزاما أكبر وعملا أكثر واقعية من أجل استعمال إمكانات البلاد لاستعادة الحقوق المادية والأدبية التي تصر فرنسا على هضمها.
قبل أشهر قليلة فقط كان نجل الشهيد عميروش يقف في المجلس الشعبي الوطني مدعيا أن عدد شهداء الجزائر لم يبلغ أبدا مليوناونصف مليون شهيد، وجاءت تصريحاته مفاجئة وصاعقة في بعض الحالات، ولم يكن نور الدين آيت حمودة، وهو نائب بالبرلمان عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، يملك أي دليل على ما يقول، فهو لم يعاصر الثورة وليس له من فضل على بقية أبناء الجزائر إلا كونه نجل أحد شهداء الجزائر ورموز ثورتها، وحالة نور الدين آيت حمودة تعكس محنة هذه الثورة العظيمة بعد خمسة وخمسين عاما من اندلاعها، فحركة التحرر التي ألهمت شعوبا بأكملها، ولا يزال وهجها متقدا في أركان الأرض الأربعة يجري اختطافها من قبل أشخاص، وهي الآن تفتقد إلى كتابة موضوعية ورصينة للتاريخ تضع الأحداث في سياقها التاريخي وتبعد كفاح هذا الشعب ودماء شهدائه عن سوق المزايدات السياسية، فنوفمبر يجب أن يكون فوق الاحتكار الشخصي.
لم تكن تصريحات نور الدين آيت حمودة فعلا معزولا كما اعتقد أكثر الناس تفاؤلا بل كانت تعبيرا عن نزعة تحريفية بدأت تستهوي كثيرا من الناس، وهكذا جاء جمال الدين حبيبي، وهو سيناتور سابق ومجاهد أيضا، ليشد عضد ابن الشهيد، وليشكك في عدد الشهداء وليضيف بعض التفاصيل لشهادة نشرتها الجرائد التي لم تكن أبدا الإطار الأنسب لتناول قضايا التاريخ الشائكة والمعقدة، وأراد حبيبي أن تكون لتصريحاته خصوصيتها فتحدث عن مرحلة ما بعد الاستقلال وانتقد بعض السياسات لكن الأخطر من هذا هو أنه أنكر بعض الحقائق مثل القول إن اعتداء المغرب على الجزائر المستقلة حديثا كان أكذوبة اختلقها الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، ومن الواضح هنا أن تاريخ الجزائر، والثورة تحديدا، أصبح سلاحا يستخدم في معارك سياسية لا يلتفت الخائضون فيها إلى مصالح البلاد كثيرا.
إن الامتحان الحقيقي الذي يواجهه نوفمبر اليوم هو امتحان التشكيك، فقد دأب المؤرخون الفرنسيون، وهم جزء من المؤسسة الاستعمارية، على استعمال سلاح التشكيك لمواجهة الجزائريين وإنكار حقوقهم، غير أن ما يجري الآن أكثر خطورة من هذا، فقد تحول التشكيك إلى نزعة تتبناها فئة من الساسة والباحثين قد يشكلون لاحقا مدرسة في كتابة تاريخ الثورة، وهو أمر لا بد أن ينتبه إليه الجزائريون لأن عهد الروايات الشفوية ولى إلى غير رجعة، وجيل المجاهدين يقترب من الانقراض وسيكون ما كتب، وهو في معظمه فرنسي، المصدر الوحيد للتأريخ، إضافة إلى الأرشيف الذي لا يزال بيد فرنسا.
التشكيك لا يقف عند الحديث عن أعداد الشهداء وعن الذين جاهدوا حقا والذين استفادوا بغير وجه حق، بل إن الامتحان الحقيقي هو التشكيك فيما تحقق من أهداف نوفمبر وما حصل عليه الجزائريون من ثمار الحرية، وسيكون من الصعب أن ننسى أن الرئيس بوتفليقة أعلن عشية الاحتفال بذكرى الثورة عن إنشاء لجنة لمكافحة الفساد، فالدولة التي قامت من أجلها الثورة ينخرها الفساد، والبلاد التي حررها نوفمبر تضيق ذرعا بأبنائها الذين يركبون البحر بحثا عن وطن آخر ومنهم من لا يتورع عن فعل أي شيء يكسبه الجنسية الفرنسية أو أي جنسية أخرى تفتح لها أبواب الرزق وما قد يراه عيشا كريما، وهذا امتحان آخر فرض على نوفمبر بفعل السياسات التي جرى تطبيقها خلال قرابة نصف قرن من الاستقلال.
لن يستطيع أحد أن يشكك في إخلاص الشهداء لوطنهم وشعبهم، فدماؤهم الزكية فوق حسابات السياسة، لكن الأمانة التي تركها هؤلاء الأبرار تبحث عن أيد قادرة على حفظها وعلى إتمام الرسالة ببناء دولة الحق والقانون التي تمنح المواطنة الحقة لكل الجزائريين وتمنحهم ما يكفي من الكرامة وما يكفي من الإيمان بوطنهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.