تعتبر جمعية »مشعل الشهيد« من الجمعيات التي تنشط بشكل ملفت للنظر في حقل ترقية تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية... فهي بمثابة جسر تواصل بين جيل الثورة وجيل الاستقلال، ولن تتأخر أبدا في إحياء مآثر الثورة بواسطة إستضافة الرعيل الأول للثورة، والإستفادة من شهاداته وكذلك إعطاء الفرصة للمؤرخين لإبداء آرائهم حول هذا الحدث في مسيرة حياة الشعب الجزائري... بإشراك جيل الإستقلال للتشبع بقيم الثورة. في هذا الشأن إكتسب محمد عباد رئيس الجمعية تجربة ثرية في هذا المجال.. أي في تسيير النشاط المتعلق بالثورة... إنطلاقا من أن الشخصيات الثورية المستضافة فتحت أفقا واعدة في هذا الإطار من أجل الإطلاع على إمدادات هذه الثورة، وضمن هذا التوجه حاورنا السيد عباد في جملة من القضايا الخاصة بالثورة. ويصف رئيس جمعية مشعل الشهيد بيان أول نوفمبر بالوثيقة الأساسية ويطلق عليه تسمية »دستور الثورة الجزائرية« كونه حدّد معالم الثورة والإستقلال أي أنه وضع الهدف الواجب أن تصل إليه الثورة أولا وهو الإستقلال، والأكثر من هذا أنه أبقى باب التفاوض مفتوحا في حالة إبداء المستعمر أي نية للخروج من الجزائر. هذا البيان صاغه أناس لا يملكون تلك الثقافة الواسعة وحاليا يستحيل تدوين بيان على ذلك الشكل.. وقد عمل على إضفاء الطابع الشمولي على رؤيته للأحداث.. وهذا من خلال اعتباره مرجعا سياسيا. ويسجل السيد عباد أسفه لانعدام الإهتمام بهذه الوثيقة من المؤرخين والمعنيين الذين لم يولونها القسط الأوفر من البحث والدراسة والتحليل.. هذا ما جعل أن هناك نقصا ملحوظا في تناول هذا النص التاريخي. وبقدر ما دعا بيان أول نوفمبر إلى مقارنة الإحتلال.. فإنه كان القطيعة مع الإستعمار وإنتصار للتيار الثوري الذي كان دائما يطالب بالعمل المسلح من خلال وجود المنظمة الخاصة، وعدم مهادنة فلول الإستعمار في الجزائر.. وهذا هو التحدي الكبير الذي كان سائدا آنذاك... وهنا تساءل السيد عباد، هل تحقق هذا المشروع النوفمبري الكبير أم لا سؤال يبقى مطروحا ومتوجها لكل الذين ينشطون في حقل التاريخ الخاص بالحركة الوطنية والثورة سواء كتابة أو تدوينا؟ وبخصوص هذا الجانب الشائك لكتابة تاريخ الثورة يرى عباد بأن جمعيته سعت مع أطراف ثلاثة لها انشغال بهذا الجانب منهم عز الدين ميهوبي وأمين الزاوي ومحمد عباس لمعرفة ما كتب عن الثورة في غضون خمسين سنة. فمن قبل كانت الكتابة تحمل الطابع الأكاديمي إلا أن اليوم تغير الإتجاه، كتابة المذكرات الشخصية وقرابة يوميا تعرض على رفوف المكتبات مذكرات شخصية سواء داخل الوطن أو خارجه... وهذا غير كاف، وبالرغم من الحساسية التي يمكن أن تحدثها مثل هذه المذكرات نظرا لتناول جوانب قد تحرك خواطر الآخر ودخول الذاتية في التناول، إلا أن الإقدام على الكتابة أحسن من الإحتفاظ بالمعلومة... وما يسجل من ملاحظة على هذه المذكرات هي أنها لم تنل حقها في النقاش الثري والواسع والحوار الجدي والموضوعي، ليس هناك أي نقد لتقييم ما جرى حقا. وفي هذا السياق لا يمكن لكاتب المذكرة أن يكون حكما بل أن مهمته سرد الأحداث كما هي، ومن حق أي مجاهد الكتابة عن مساره الجهادي خلال الثورة التحريرية... وما زادها قوة ومتانة تاريخية هي أنها راعت التنوع في الأفكار أي كل صاحب مذكرة إختار الزاوية لتي يعالجها بالنظر إلى أهمية الأحداث آنذاك. والمجاهد يكتب عن أحداث عايشها بنفسه، وفي هذا السياق لابد من التأكيد على شيء أساسي وهو أن هناك إرادة سياسية حادة من قبل السلطات العمومية لفتح نقاش حول الثورة، وأشير في هذا الإطار بأن كل الشخصيات التاريخية التي نستضيفها لم نتلق أي إعتراض عليها.. لأن التاريخ أساسا ليس تصفية حسابات بين الأشخاص.. بل هو وقائع. كما أن هناك عوامل إيجابية وسلبية، بالنسبة للأولى يتضح بأن مسعى كتابة تاريخ الثورة يصنف في خانة الحرص على تقديم المعلومة للآخر مهما كانت طبيعة هذه المعطيات... وبالنسبة للثانية، فإن هناك أشخاصا بحوزتهم المعلومة عن الثورة لكنهم يرفضون تقديمها في أي شكل من أشكال الكتابة، ويعود هذا الأمر إلى المواقف الشخصية أكثر... فالكتابة الأكاديمية تكمل المذكرات الشخصية. وكتابة تاريخ الثورة قد يكون سهلا على بعض الباحثين الذين ينتقلون إلى مراكز الأرشيف في الخارج في حين يجد البعض صعوبة كبيرة في ذلك، خاصة بالنسبة للطلبة الذين لهم مذكرات حول الثورة... فقد ساعدنا الكثير منهم في منظور قدرتنا وإمكانياتنا. وضمن هذا التوجه يقترح السيد عباد هيئة وطنية مستقلة لمساعدة كتابة التاريخ، وكذلك فتح بنك معلومات حول الثورة، تتكون من مختصين وأساتذة وجامعيين وكل من له غيرة عن هذا التاريخ، تكون بعيدة عن القوالب السياسية وهذا لإعادة بعث كتابة التاريخ، وتضع الدولة الجزائرية أرشيفها في متناول هذه الهيئة. هذه الفكرة عملية، وهي مطروحة ضمن ما يعرف بمجلس الأعلى للذاكرة الوارد بالأساس في قانون المجاهد والشهيد.. فمن الضروري كما قلت سالفا، فتح نقاش جدي يحمل الطابع الوطني حول تاريخ الثورة بدون حساسيات... لأن هناك فراغا يعيشه هذا الجيل. وفي إثارة الموضوع هذا الفراغ.. فإن السيد عباد يتحفّظ على طريقة تدريس التاريخ في المنظومة التعليمية.. لأن الأمر يصبح جافا بعيدا عن الواقع.. كان الأجدر نقل التلاميذ إلى المواقع التي سقط فيها الشهداء... لتحسيس التلميذ حقا بقيمة الحدث في الميدان... بالإضافة إلى تدريس التاريخ بواسطة الوسائل السمعية البصرية (أقراص مضغوطة وغيرها...) وفتح النقاش للتلميذ للتعبير عما يختلج في صدورهم.. لأن السؤال الكبير كيف نُحبّب الثورة لهذه الأجيال الصاعدة... لأن هناك تسويقا سلبيا للثورة من خلال محاولة فرض الطرح الإحتكاري، وعدم إشراك الحركة الجمعوية في هذه العملية أو السماح لها بأخذ المبادرات بالدخول في أي نشاط تاريخي... وإبقاء الأمر على الأطر الرسمية فقط، هذا ما عقّد الأمر أكثر فأكثر ولم يسمح باتساع دائرة المشاركة، فأين موقف أو دور المواطن في إحياء مآثر الثورة. أحيانا وفي مناسبات عديدة نلاحظ أن وقفات الترحم على أرواح الشهداء تتم في أطر ضيقة بين الأسرة الثورية فقط... في حين ينفر المواطن من هذا الحدث التاريخي الذي يهمه بالدرجة الأولى... ولا ندري لماذا التمادي في هذا الإتجاه، وعدم الإقتراب من هذا المواطن... ونحن نسعى وفق امكانياتنا التقرب من المواطن الجزائري وهذا من خلال إدراج في برنامجنا السنوي الخاص بالأسبوع الثقافي والتاريخي من تنظيم حدث رياضي لإشراك شباب الأحياء في نشاطاتنا. وحذر رئيس جمعية »مشعل الشهيد« من البحث التاريخي عبر الأنترنيت، خاصة بالنسبة للتلاميذ لأن المعلومات الواردة في المواقع تحمل أخطاء خطيرة وتوجهات غريبة تؤثر حقا في معلومات التلميذ... فالتاريخ ليس مادة جافة كما يتصور البعض بل هو عمل تحسيسي كبير يتوجه لشخصية الجزائري. جمال أوكيلي