في خطوة لا تخلو من دلالات سياسية وجيوسياسية هامة، أجرى الرئيس بوتفليقة نهاية الأسبوع الماضي تعديلا وزاريا عميقا وجذريا، ورغم أن رئيس الجمهورية احتفظ بعبد المالك سلال في منصب الوزير الأول إلا أنه قام بتغيير وزراء الداخلية والطاقة والمالية، ويربط المتتبعون للشأن الوطني بشكل مباشر بين هذه التغييرات العميقة في الجهاز التنفيذي والتحضير للتعديل الدستوري الذي توقع البعض إرجاءه إلى الدخول الاجتماعي المقبل من جهة، ومحاولة إعطاء نفس جديد لبعض القطاعات الحيوية التي تشهد احتقانا منذ أشهر من جهة أخرى. يتفق الجميع على أن التعديل الأخير الذي أدخله رئيس الجمهورية على جهازه التنفيذي، يكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى أسماء الوافدين الجدد الذين سلمت لهم حقائب وزارية هامة في مقدمتها الداخلية التي كلّف القاضي الأول للبلاد نور الدين بدوي بتسييرها وهو من تولى حقيبة التكوين والتعليم المهنيين في الحكومة السابقة، حيث يشهد للرجل كفاءته وامتلاكه لسجل محترم في الإدارة في كل الولايات التي عمل بها سواء قسنطينة أو سطيف، ويربط متتبعون للشأن الداخلي هذه التعديلات بمشروع مراجعة الدستور الذي كثر الحديث بشأنه في الآونة الأخيرة، فقد ربطه البعض بالتعديل الوزاري، في الوقت الذي توقع بعض السياسيين أن تلجأ السلطة إلى تأجيل الفصل في هذا الملف وإرجاء الإعلان عن الصياغة الجديدة للدستور إلى ما بعد الدخول الاجتماعي المقبل. وما يلاحظ في التعديل الوزاري الجديد هو أن رئيس الجمهورية حرص على الابتعاد عن معيار التمثيل الحزبي والسياسي وغلّب معيار التخصص والخبرة والكفاءة، حيث تم تسجيل تعيين وزيرين متحزبين ويتعلق الأمر بالطاهر خاوة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني بالمجلس الشعبي الوطني الذي عين وزيرا للعلاقات مع البرلمان، بدل خليل ماحي، وعز الدين ميهوبي عن التجمع الوطني الديمقراطي الذي سلمت له حقيبة الثقافة خلفا لنادية لعبيدي التي ذهبت عديد القراءات إلى ربط تنحيتها من الحكومة بالصراع الأخير القائم بينها وبين زعيمة حزب العمال لويزة حنون والذي انتقل في الفترة الأخيرة إلى أروقة المحاكم بعد مسلسل تبادل التهم بينهما.
ومن التغييرات الهامة أيضا التي قام رئيس الجمهورية، استقدام رئيس جامعة الجزائر 1 الدكتور الطاهر حجار إلى منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي خلفا لمحمد مباركي الذي أوكلت له حقيبة التكوين والتعليم المهنيين، والحقيقة أن الجامعة الجزائرية شهدت في الأشهر الماضية أو السنوات الأخيرة -إن صح القول- موجة من الاحتجاجات والاضطرابات في أكثر من تخصص، مما يؤكد أن رئيس الجمهورية رأى أنه كان لزاما إحداث تغيير في هذه الحقيبة الهامة، ويضاف إلى ذلك تعيين الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لجمعية البنوك والمؤسسات المالية عبد الرحمان بن خالفة وزيرا للمالية، لما لهذه الوزارة من حساسية، خاصة بعد انهيار أسعار البترول والجهود التي تبذلها الحكومة للتحضير لمرحلة ما بعد النفط، إلى جانب الجدل الكبير القائم بشأن التنقيب عن الغاز الصخري، وبالتالي يمثل استقدام خبير في الشأن الاقتصادي مفهوما ومقبولا.