يكتبه: محمد قماري ترددت كثيرا في وضع هذا العنوان، ومرد ترددي هو مصطلح »التطبيع«، هذا المصطلح الوافد على اللّغة العربية، وما لهذا السبب كان ترددي في قبول إثباته من عدمه، فحياة اللّغات متعلق بقدرتها على قبول الوافد من اللّغات والثقافات الأخرى وتطويعه، ومعجم العربيّة وسع عبر تاريخها الطويل للكثير من الوافد بما لا مثيل له في تاريخ اللغات، أوليس نحاة العرب هم من قرر منذ القديم أن "ما صيغ على كلام فهو من كلامهم". أما "التطبيع" هذا المصطلح اللقيط الفاجر، فقد تفنن واضعوه في تزيينه، فبدا جميلاً فتانًا، وتسلل إلى الألسن والأقلام، بل تلقته الألسن والأقلام دونما تمحيص ولا تروٍ، شأنه شأن مصطلحات غادرة سبقته، منها تقسيم هذا الشرق الذي ظل واحدا طيلة قرون إلى شرق أدنى وأوسط وأقصى، واختزلت أم معاركه في العصر الحديث تحت مسمى قضية الشرق الأوسط، هكذا من دون روح ولا معنى. التطبيع مصطلح نحت من كلمة الطبيعة، ليدل على مسار متناغم مع نواميس الطبيعة، وأن ما خالفه من أفكار ومواقف وأوضاع، هو بالضرورة مصادم لتلك النواميس فهو كالكوارث الطارئة، ومصادم بالتالي مع التطبيع. ويوم ولد هذا اللقيط الفاجر، كانت وظيفته محددة تقوم أساسا على حل مسألة واحدة، هي مسألة تناغم العلاقات مع الصهاينة، وكف كل تفكير أو موقف أو وضع يصادم التطبيع، ويبرر الأوضاع القائمة ويرسمها، حتى لكأنها إحدى مفردات ناموس الكون والطبيعة. دخل اللقيط متخفيا في البداية، يتحاشى الصدام، ويرضى بأن يحتضنه بعض شذاذ الآفاق، او من رضي من الكتاب بالرشى، لكن بالتمادي والغفلة، وترديد الكذب ثم تردديه حتى صدقه الناس، تطبع الناس مع التطبيع، واستأنسوا به وأصبح مصطلحا صميما لا شية فيه. وظننا أن الأمر قد توقف عن تطبيع (التطبيع) على مستوى المصطلح، فإذا بالأمر يمتد إلى مباشرة ما وجد المصطلح لإنجازه، فالكيان الصهيوني أصبح دولة إسرائيل، وتبادل الوفود لم يعد رجس من عمل الشيطان، ووصلنا في شهر رمضان هذه السنة إلى قاع المنحدر. رمضان هذا الشهر الذي يجمع العائلات المسلمة على موائد الإفطار، استطاع عصر الصورة أن يستثمر فيه، يستثمر في تلك الجلسات ليسوق مسلسلات درامية في الغالب، تعنى بإرسال رسائل ثقافية وسياسية واجتماعية، لكن دراما هذا العام كانت درامية بامتياز، تولى كبرها عملان أخرجا تلفزيا، هما مسلسل (باب الحارة) السوري، ومسلسل (حارة اليهود) المصري... كلا من المسلسلين عملا على محور التطبيع وزيادة، فاليهودي في الحارة المصرية والحارة الدمشقية، هو ذلك النظيف الواعي، هو ذلك المسالم والمهادن، هو من يقدم التضحية تلو التضحية في سبيل إرضاء غيره وإسعاده، هو الوطني الصميم الذي يهمه مستقبل البلد الذي يعيش فيه، ويضحي من أجله... نخشى إذا استمر الوضع على هذا المنحى أن تخرج المسيرات في كل أوطان العرب، تدعو اليهود إلى القيام على تسيير هذه الأوطان أو ما بقي منها برمتها.