استغل العاهل المغربي محمد السادس كعادته الاحتفالات المخلدة للذكرى السادسة عشرة لعيد العرش، ليتهجم بشكل غير مباشر على الجزائر التي وصفها بالعدو، في وقت تضمنت برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لملك المغرب إشارات قوية على استعداد الجزائر لتحسين العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات التي تعصف بها منذ سنوات. عبر رئيس الجمهورية في برقية تهنئة بعث بها إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة احتفال المملكة بالذكرى السادسة عشرة لعيد العرش، عن أخلص التهاني وأصدق التبريكات للملك، داعيا له وللأسرة الملكية المغربية بموفور الصحة والهناء، وأن يحقق للشعب المغربي الشقيق اطراد التقدم والازدهار..وجاء في برقية الرئيس بوتفليقة: »إن المتتبع لمسيرة الشعب المغربي الشقيق يدرك بصدق ما حققه من إنجازات ومشاريع كبرى في عهدكم، وهو ما يعكس عزمكم على المضي قدما ببلدكم نحو أعلى مراتب التقدم والرخاء، والله أسأل أن يوفقكم في مساعيكم النبيلة ويكلل جهودكم بالتوفيق والسداد بما يحقق تطلعات شعبكم الشقيق«، مضيفا: »وإذ أقاسمكم أفراحكم وأفراح الشعب المغربي الشقيق بهذه المناسبة السعيدة، فإنني أغتنمها سانحة مواتية لأعرب لجلالتكم عن تمام استعدادي لمواصلة العمل معكم من أجل تمتين عرى الأخوة والتضامن التي تجمع بلدينا الشقيقين بما يفتح لهما آفاقا جديدة للتعاون المثمر ويحقق لشعبينا ما يصبوان إليه من نمو وازدهار«. وأبانت رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن إرادة حقيقية من أجل تحسين العلاقات مع الرباط، وتجاوز الخلافات التي تصنع وضعا متوترا بين البلدين منذ سنوات، لكن يبدو أن للملك المغربي رأي آخر، فقد أكد محمد السادس في الخطاب المطول الذي ألقاه بالمناسبة: »ففي ما يتعلق بالصرامة، فإن المغرب كشريك مسؤول، ووفي بالتزاماته الدولية، لن يدخر جهدا في الدفاع عن مصالحه العليا...«، مضيفا: »كما لن يسمح أبدا بالتطاول على سيادته ووحدته الترابية، ونموذجه المجتمعي. ولن يقبل بأي محاولة للمس بمؤسساته، أو كرامة مواطنيه. وواصل العاهل المغربي يقول: » وبخصوص قضية وحدتنا الترابية، فقد حددنا في خطابنا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، بطريقة واضحة وصريحة، مبادئ ومرجعيات التعامل مع ملف الصحراء المغربية، على الصعيدين الداخلي والدولي. وقد أبانت التطورات التي عرفتها هذه القضية، صواب موقفنا على المستوى الأممي، وصدق توجهاتنا على الصعيد الوطني، حيث سيتم، بعون الله وتوفيقه، الانطلاق في تطبيق الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة. غير أن هذا لا يعني أننا طوينا هذا الملف. بل على الجميع مواصلة اليقظة والتعبئة، من أجل التصدي لمناورات الخصوم، ولأي انحراف قد يعرفه مسار التسوية الأممي..« لقد تحدث العاهل المغربي عما اسماه بالتوجه الدبلوماسي الاستراتيجي »يهدف إلى ترسيخ تعاون جنوب - جنوب فعال، خاصة مع الدول الإفريقية الشقيقة..« وإستراتيجية جلالته تعني بالدرجة الأولى العمل على إحاطة الجزائر بأكبر عدد ممكن من الأعداء، فما يقوم به المغرب علنا أو من خلال استخباراته في مناطق الساحل الجنوب الصحراء لا يمكن أن يغفل عنه أحد، فهناك محاولات واضحة من اجل المزيد من التوتر خصوصا في مالي التي يرى فيها المغرب منفذا لتجسيد مخططاته في المنطقة والهاء الجزائر عن مشاكلها الحقيقية وإغراقها في مشاكل الأمن والتهريب والنزوح فضلا عن مشاكل التي تصنعها الحركات الأزوادية الانفصالية التي تؤدي في الواقع نفس المهمة التي تقوم بها المجموعات الإرهابية المختلفة التي حولت شمال مالي إلى كومة من نار تهدد الجزائر وتهدد كل المنطقة، من دون أن ننسى أيضا المحاولات التي يقوم بها المغرب في ليبيا التي تحولت هي الأخرى إلى مصدر تهديد واستنزاف حقيقي بالنسبة للجيش الجزائري، وتونس التي دخلت هي الأخرى معمعة الإرهاب، مع الإشارة إل أن المحاولات الرامية لتسميم العلاقات بين الجزائروتونس ضلت مستمرة لإتمام حلقة النار التي تحيط بالجزائر من كل جانب، وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد نفى وجود أي خلاف بين تونسوالجزائر، مستغربا ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام، وقال: »ليس لنا أي خلاف مع الجزائر وهناك لوبيات تسعى لتوتير العلاقة بين تونسوالجزائر«.واختتم السبسي، في قصر قرطاج، الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية لتونس بالقول إن العلاقات التونسيةالجزائرية في أفضل حالاتها والتعاون بين تونسوالجزائر يشمل مختلف المجالات. الملاحظ أن العاهل المغربي لم يغير من طبيعة خطابه، واستعمل نفس ألفاظ تقريبا في إشارات غير مباشرة إلى الجزائر التي يسميها دائما بالعدو، وهي نفس التسمية التي تتكرر تقريبا في خطابات ملك المغرب في مناسبتين على الأقل، الاحتفالات المخلدة لعيد العرش، وذكرى »المسيرة الخضراء«، مسيرة العار التي انتهت بوضع الصحراء الغربية تحت الاحتلال، وهو ما يؤكد مجددا على عدم وجود أي إرادة من الرباط لتحسين العلاقات مع الجزائر، خلافا لما يدعيه ساستها، خصوصا في ظل استمرار حمالات الإساءة التي تستهدف الجزائر بشكل يومي تقريبا، والتي يجند لها المغرب وسائطه الدعائية والسياسية والجمعوية، فضلا عن بعض المسؤولين الحكوميين الذين لم يعودوا يتحرجون من توجيه سهامهم صوب الجزائر بشكل يتنافى مع ابسط قواعد الدبلوماسية، ويظهر جليا أن العلاقات بين الجزائروالرباط مرشحة أكثر من أي وقت مضى نحو المزيد من التوتر، خصوصا في ظل تبني النظام المغربي سياسة عدوانية اتجاه الجزائر ومحاولاته المستمرة من اجل إضعافها وجرها إلى فخ الفوضى والعنف.
الرهان هو إما على النعرات التي تعرفها بعض مناطق البلاد على غرار غرداية، وعلى بعض أطراف المعارضة التي تسير في فلك دعاة التصعيد والتي تؤمن بفرض التغيير بدلا من المساهمة في صناعة مستقبل مشرق يجنب البلاد ويلات الفوضى التي تعرفها العديد من الدول العربية، دون أن نغفل عن مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالإرهاب الذي يحاول العودة إلى الواجهة من خلال تنفيذ اعتداءات هنا وهناك لتحقيق صدى إعلامي أو فك الحصار عن بقايا المجموعات المسلحة التابعة للفرع المغاربي للقاعدة، علما أن تنظيم عبد الملك درودكال يواجه موجة جديدة من الانشقاقات، آخرها انشقاق ما يسمى بجماعة المهاجرين التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام »داعش«، وقد بدا جليا أن إعلان مجموعات إرهابية بيعتها لتنظيم البغدادي هي مجرد ظاهرة صوتية على اعتبار أن عدد أفراد هذه المجموعات ضئيل جدا، حتى وإن كان البعض يحذر من هذه الظاهرة ويضعها ضمن إطار الترتيب لسيناريو تغويل »داعش« والسعي إلى تكرار »انتصارات« هذا التنظيم في العراق وسوريا، و كان وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، قد عبر عن تخوف الجزائر من تدفق المقاتلين الأجانب على الأمن القومي والسلم في دول الساحل و الشرق الأوسط، وقال عبد القادر مساهل في الخطاب خلال الاجتماع الوزاري الأممي حول مكافحة الإرهاب بالعاصمة الإسبانية أن »المسألة الشائكة للإرهابيين الأجانب في مختلف مناطق القتال لاسيما في الساحل و الشرق الأوسط تشكل محل انشغال أمني كبير وتهديدا خطيرا على استقرار وأمن دولنا ومناطقنا«، معتبرا أن الخطر الذي يشكله تواجد محاربين أجانب في مناطق القتال »يجب أن ينظر إليها من الآن فصاعدا من زاوية أمن واستقرار البلدان الأصلية وزاوية العبور وكذا تحت تأثير تزايد خطر الدعاية لأوساط الأزمات والحروب غير المتكافئة في العديد من مناطق العالم«، مؤكدا من جانب أخر أن تجربة الجزائر في »مكافحة الإرهاب والحد من تدفق التكفيريين الأجانب ونجاعة النتائج المحققة تقوم على إستراتيجية منسجمة ومدمجة مما سمح لبلدنا بالحصول على نتائج ملموسة في هذه الميادين«، مبرزا أيضا أن هذه الإستراتيجية »تستدعي الحفاظ على مستوى عال من تعبئة ويقظة القوات المسلحة ومصالح الأمن ضمن مهامها المؤسساتية في حماية النظام العام وأمن الأشخاص والممتلكات، وهو ما يستدعي كذلك وجود دولة قوية تقوم على القانون وتضمن احترامه مهما كانت الظروف«.