زعم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في حديث خص به المجلة الفرنسية »فالور أكيتال« في عددها الصادر الخميس الفارط، أن تصريحاته من تونس بخصوص الجزائر والتي أثارت موجة عارمة من الجدل لما فيها من إساءة وتشويه للوضع الأمني والسياسي في الجزائر، أسيئ فهما وهناك من تعمد تشويهها وتحريفها عن مقاصدها، ولم يقدم الرئيس الفرنسي السابق ما يثبت به حقيقة ما يدعيه سوى قوله أنه تربطه بالجزائر صداقة عميقة يعرفها الجميع على حد تعبيره. ربما من سوء حض ساركوزي أن تصريحاته لا تحتمل تفسيرات أخرى غير تلك التي أعطيت لها من قبل كل من علق عليها أوتناولها من سياسيين وإعلاميين، فنيكولا ساركوزي لم يتكلم بالألغاز، وإنما تحدث بلغة مباشرة عن الدول التي حسب منطقه تؤثر على سلامة التجربة الديمقراطية في تونس، مشيرا إلى الجزائر وليبيا، وكأن كلاهما يواجه نفس الأوضاع، مع أن الجميع يعرف اليوم بأن الجزائر ليست ليبيا ولا تونس بل هي عامل استقرار قوي وباعتراف المجموعة الدولية في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل جنوب الصحراء، فهل ساركوزي لم يجد عبارات أخرى للتعبير عن موقفه من الوضع السياسي في تونس غير التجني على الجزائر وتقديمها في صورة البلد المضطرب أوالبلد المرشح للسقوط في حبال الفتن والفوضى؟ ساركوزي عبر من خلال التصريحات التي أطلقها في ال 20 من جويلية المنصرم خلال زيارة قام بها إلى تونس، عما يفكر به حقيقة اتجاه الجزائر، وقدم تحليلا ينطلق من أجندة خاصة ترتبط عضويا بأجندة الأمريكيين والبريطانيين في كل شبر من العالم العربي والإسلامي، وربما خطأ الرئيس الفرنسي الوحيد يكمن في الطريقة الفضة القريبة من صفات الدروشة والجنون التي عبر بها عما يخالج نفسه، فهولا يحسن غير هذا الأسلوب وقد تعود هذا الشخص على إطلاق تصريحات خطيرة مشابهة في قضايا هامة وحساسة، وسرعان ما يعود ليتحدث عن النوايا الحسنة وعن الاستعمال السيئ لتصريحاته، ففي فرنسا خرج على شباب الضواحي من أبناء الجالية المغاربية والإفريقية الذين تمردوا على الحكومة الفرنسية بسبب التمييز الذي يعانون منه وبسبب أوضاعهم المعيشية التي لا ترقى إلى مستوى المواطن الفرنسي كامل الحقوق، بنعتهم ب »الحثالة« و»المنحرفين«، الأمر الذي ساهم في تصعيد الأجواء وكاد أن يحول مدن فرنسا، خاصة باريس، إلى ساحات لمواجهات دامية بين البوليس والمحتجين. تصريحات ساركوزي الجنونية وغير الدبلوماسية كثيرة ومختلفة، وهي تعكس طبيعة شخصيته، وقناعاته الحقيقية، فهذه التصريحات التي سرعان ما يعقبها التكذيب، تظهر في واقع الأمر وجهه كما هومن دون مساحيق، فهذا الشخص الذي يدعي اليوم صداقة الجزائر هوالذي مجد الاستعمار وعلق النياشين على صدور القتلة والسفاحين من قدماء المنظمة السرية، ومواقفه اتجاه الجزائر لا تختلف عن مواقفه اتجاه كل ما يرمز إلى العرب والمسلمين.
لن يكون لتكذيب ساركوزي أي معنى ما لم يعالج ما أفسده دون لف أودواران، فكل الجزائريين يريدون أن رؤية ساركوزي يدلي بتصريحات معاكسة تماما للتصريحات التي يقول هوأنه أسيئ فهمها، لكن المؤكد أن الرئيس الفرنسي السابق لن يفعل، والسبب أن ما قاله يعكس حقيقة ما يعتقده بخصوص حاضر الجزائر ومستقبلها ، المطلوب فقط من الأشقاء في تونس، أولائك الذين وجهوا الدعوة لساركوزي، مع علمهم انه عراب الفوضى والفتن في العالم العربي، خصوصا في تونس وليبيا وسوريا، إلى جانب الفيلسوف اليهودي- الفرنسي هونري ليفي، وأولائك الذين قاموا بحشورأس الرئيس الفرنسي الأسبق بأفكار مشوهة عن أسباب الأزمة الأمنية التي تعيشها تونس على حد تعبير الوزير والدبلوماسي حليم بن عطله، أن يفهموا بأن تهديد أمن تونس ومستقبلها لا يأتي من الجزائر، ولا حتى من ليبيا رغم ما تعرفه من أوضاع مضطربة، فهذا التهديد يأتي من أشباه ساركوزي في فرنسا أوأمريكا أوغيرهما من الدول الغربية التي تسير في فلك إستراتيجية واشنطن التي تستهدف العرب والمسلمين.