مأساة في سوريا تتجاوز آثارها الحدود، ملايين اللاجئين عبروا الحدود خلال أربع سنوات ونصف من الصراع الدموي هناك، واليوم يزحف اللاجئ من بلد اللجوء المجاور إلى ملجأ أبعد، وتتدفق القوافل على أوروبا، وتطفو الأجساد المنهكة على مياه البحر محاطة بجثث الغرقى الذين لم يسعفهم القدر لبلوغ البر. كثير من الصور والتصريحات يتم تداولها عن موقف هذا الطرف أو ذاك من اللاجئين، ومعظم ما ينشر ويذاع ويبث، مجتزأ ومفصول عن سياق المأساة، وقد تحولت المساعي إلى الأوروبية إلى صد هؤلاء الفارين من جحيم الحرب إلى تعاطف معهم، وتجري التغطية على أعمال العنف التي مارسها اليمين المتطرف في ألمانيا ضد اللاجئين بتلك العبارات المرحبة التي رفعها أنصار ناديين ألمانيين لكرة القدم، في حين تغرق كثير من الصحافة العربية في نشر مرثيات، وتعيد التذكير بالطرف الوحيد الذي كان سببا في هذه المأساة الإنسانية وهو النظام السوري. لا يمكن تجاوز حقيقة أن ما يجري كان نتيجة متوقعة لحرب تم إشعالها لتحقيق أهداف ليس بينها تمكين الشعب السوري من العيش بكرامة في دولة تحترم الإنسان وحقوقه، وتحفظ الحريات الفردية والجماعية، فبعد تسليح المعارضة السورية، وفتح الباب أمام المقاتلين الأجانب، انسحبت الأطراف المتورطة في عسكرة الاحتجاجات التي بدأت سلمية، إلى مقاعد المتفرجين، وتفرغت لعملية إدارة الصراع عن بعد. لم تفتح دول الخليج أبوابها للاجئين، بينما ينزح السوريون اليوم من تركيا والأردن ولبنان باتجاه أوروبا، ربما شعروا، بحكم خبرتهم في النزوح والتعايش مع العنف، أن الأوضاع ستزداد سوء خلال الأشهر القادمة، وأن موجة الفوضى ستتعدى سوريا والعراق لتشمل الدول المجاورة، ولهذا هم يريدون الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة.
حماية السوريين كانت يجب أن تبدأ بمنع وقوع الحرب، فالحد الأدنى من النظام القائم، ومن الخدمات، ومن وجود الدولة يبقى أفضل من الفوضى التي تقتل الآلاف وتهجر الملايين، وتدمر البلاد، وتعبث بتاريخها، ولو ترك الأمر للسوريين لعرفوا كيف يغيرون نظامهم بالاحتجاج السلمي دون أن يدفعوا هذا الثمن الفادح، ودون أن تصبح سوريا الموحدة مجرد ذكرى من الماضي.