غزة: تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع بسبب النقص الحاد في الإمدادات    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    الحكومة تدرس آليات تنفيذ توجيهات الرئيس    سوناطراك تشارك في صالون كوت ديفوار    ركاش يروّج لوجهة الجزائر    شركات مصرية ترغب في المشاركة    الحسني: فلسطين قضيتنا الأولى    جوع شديد في غزّة    البرتغال تستضيف الندوة ال48 ل أوكوكو    عطّاف يدعو إلى مبادرات فعلية وجريئة    معسكر تحيي ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر    التكفل بانشغالات المواطنين وإعداد برامج عمل قطاعية    رئيس الجمهورية يجدد دعم الجزائر الثابت لفلسطين    الفريق أول شنقريحة والفريق الرفاعي يتناولان التعاون العسكري    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    مشروع انشاء خلية يقظة لحماية الاطفال من الفضاء الافتراضي سيكون جاهزا في 2025    زحف الرمال على السكك الحديدية: اعتماد حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة الظاهرة    منتدى دولي للفن التشكيلي المعاصر: فنانون جزائريون مقيمون بالخارج يبرزون ارتباطهم بتقاليد الممارسة الفنية الوطنية    "الذكرى ال 192 لمبايعة الأمير عبد القادر" محور ندوة تاريخية    الصالون الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر: لوحات زيتية تروي تاريخ ثورة التحرير المجيدة    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    ميناءا عنابة وجيجل بمواصفات عالمية قريبا    مرافقة الدولة مكّنت المؤسسات المصغّرة من إثبات جدارتها    الإطار المعيشي اللائق للمواطن التزام يتجسّد    لا لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية    الجزائر تؤكد على حماية العاملين في المجال الإنساني    الارتقاء بالتعاون العسكري بما يتوافق والتقارب السياسي المتميّز    198 مترشح في مسابقة أداء صلاة التراويح بالمهجر    أوامر لإعادة الاعتبار لميناء الجزائر    حرفية تلج عالم الإبداع عن طريق ابنتها المعاقة    إرث متوغِّل في عمق الصحراء    مدرب فينورد ونجوم هولندا ينبهرون بحاج موسى    انتقادات قوية لمدرب الترجي بسبب إصابة بلايلي    عطال يتعرض لإصابة جديدة ويرهن مستقبله مع "الخضر"    انطلاق تظاهرة التعليم التفاعلي "خطوتك"    8 عروض وندوتان و3 ورشات في الدورة 13    بللو يدعو المبدعين لتحقيق نهضة ثقافية    "فوبيا" دعوة للتشبث برحيق الحياة وشمس الأمل    فحص انتقائي ل60900 تلميذ    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    حجز أزيد من 56 ألف قرص من المؤثرات العقلية    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    أحمد مالحة : رئيس الجمهورية رسم خارطة طريق تطوير القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    عطال يتعرض لانتكاسة جديدة في قمة السد والهلال    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجاهد والوزير الأسبق محمد كشود: لم تتحد الأمة العربية إلا في ثورة الجزائر والربيع العربي مخطط صهيوني(حوار)
نشر في صوت الأحرار يوم 02 - 11 - 2015

يعود بنا المجاهد والوزير الأسبق محمد كشود في هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار"، إلى الليلة التاريخية، ليلة الفاتح من نوفمبر وتحضيرات مجموعة الستة لتفجير الثورة التحريرية، كما يسلط الضوء على كواليس العمليات الفدائية بالمنطقة الثانية، ويتحدث عن لقاءاته بقادة الثورة وعلاقته بزيغود يوسف وبن طوبال، كما يكشف تفاصيل الدعم العربي للثورة التحريرية وكيف تسببت أزمة صائفة 1962 في إتلاف جزء كبير من الأرشيف الوطني وغيرها من المحطات الهامة في تاريخ الثورة المجيدة.

ونحن نحيي الذكرى 61 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، هل لكم أن تعودوا بنا بالزمان وتحدثونا عن كواليس هذا اليوم العظيم والأسباب التي دفعت بقادة الثورة إلى اختياره لتفجيرها؟
فيما يخص 1 نوفمبر يعتبر محطة من المحطات التاريخية الهامة في تاريخ الجزائر الحديث، لأن في هذا اليوم نفض الشعب الجزائري الغبار عليه واستفاق من سباته ومزق الصمت الذي كان يخيّم عليه منذ ما يزيد عن 132 سنة، كلها كانت آلام وعذاب وقتل وتقتيل ومحاولة إبادة شعب مسلم وتعويضه بشعب مسيحي صليبي، فأعلن صوته المدوّي، فأسمع من خلاله العالم كله حتى أسمع أولئك الذين كانت بأذنهم الصمم (فرنسا)، فأعلنها ثورة شعواء وحربا عارمة أدخلت الرعب والهلع والخوف في نفوس العدو، الذي قام في الصباح يهرول في كل مكان وهو يتساءل عما حدث لأنه لم يكن متعودا على مثل هذا اليوم العظيم، عظمة الشعب الجزائري، أما بالنسبة لرمزية اختيار أول نوفمبر كان منه ما هو معنوي وكان ما هو مادي، بالنسبة للأمور المعنوية فيوم 01 نوفمبر كان يوم الاثنين وهو يصادف ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون لنا فأل خير، أما بالنسبة للجانب المادي فعادة ما نسجل التاريخ والأحداث الهامة بأول يوم نبدأ به كما كان هذا اليوم يصادف عيد القديسين بالنسبة للاستعمار الذين كانوا يجعلون هذا اليوم يوم عطلة وزهو وفرح يشربون فيه الخمر ويرقصون، وكان المجاهدون الطلائعيون يحضرون لأن ينقضوا عليه وهو في هذه الحالة لكي نتمكن على الأقل من الاستحواذ على بعض أسلحته، لأن همنا الوحيد إبان الانطلاقة كان الحصول على الأسلحة، لأن الانطلاقة تمت ونحن نفتقد إلى الأمور المادية لا المال ولا السلاح، وحتى الأسلحة التي تم تخزينها إبان الحرب العالمة الثانية معظمها أتلفت (أصابها الندى) فأصبحت غير صالحة للاستعمال، كما هناك سبب آخر هو بداية دخول الشتاء وفي هذا الشهر يكثر نزول الثلوج مما يؤدي بأغلب السكان لأن يلتجئوا إلى الجبال ويأخذوا معهم أموالهم بما فيها الأنعام، مما يمكن المجاهدين من الحصول على ما يتقوتون به إذا ما اضطروا إلى ذلك، تلكم بعض الأسباب التي جعلت الستة التاريخيين لاختيار تاريخ أول نوفمبر.
هل سبق لكم أن التقيتم أحد قادة الثورة؟
أنا عشت معهم فأنا التحقت بالثورة وأنا صغير السن فقد كان عمري لا يتجاوز 17 سنة في آخر 1955، والذي جذبني للثورة هو هجوم 20 أوت 1955 كغيري من الشباب، فكان لنا الحظ أن نعرف وأن نعيش مع الذين فجروا الثورة كما كان لنا الحظ أن نأخذ عنهم الكثير، فإذا ما تحدثت عن المنطقة الثانية التي أصبحت فيما بعد تدعى بالولاية الثانية (أي بعد انعقاد مؤتمر الصومام) الذي أعطى هذه التسميات الجديدة للولايات، يمكن أن نقول بأن رئيس المنظمة الثانية الشهيد زيغود يوسف، كان لي الحظ أن ألتقي به مرتين، وأنا لا أعرف بأنه هو الشهيد زيغود التقيت به في جبل الوحش في ضواحي قسنطينة وقد كان يتردد على هذا المكان كثيرا وأنا كنت فدائيا في المدينة، ذات يوم وجدت شخصا يطلب من الجماعة الحاضرين بأن يقوموا للصلاة لكي يؤمهم (زيغود يوسف هو الذي كان يؤم المجاهدين في الصلاة)، وعند نهاية الصلاة التي صلى فيها صلاة المجاهد (2 ركعتين)، طلب مني أن أتقدم إليه فوضع يده فوق رأسي وقال لي »كم عمرك؟« قلت» 18 سنة«، والحقيقة غير ذلك فأنا أوهمته بذلك والحقيقة أن عمري الصحيح كان 17 سنة ونصف، لأنني خشيت أن يرفضني ويقول لي بأن أعود إلى منزلي، ثم طرح علينا سؤالا ثانيا فقال لي » عندما تستقل ماذا تريد أن تختار كعمل؟«، فقلت »أريد أن أكون مفتش شرطة«، فضحك، ثم قال هل تريد أن تعوض »سيريانو«.. في الحقيقة أنا لم أكن أعرف من هو سيريانو ولكن عرفت فيما بعد أنه كان يقصد به شرطيا خبيثا كان معروفا في قسنطنية تحت اسم »الوهراني« لأن سيريانو مسيحي قدم إلى قسنطنية من وهران، كما عشت معه بن طوبال وكان قد كلفني بمهمة خاصة، حيث منحني رسالتين لأوصلهما إلي شخصيتين كانتا معروفتين في الحركة الوطنية، يبدو أنها كانت مترددة بشأن الجهة التي أعلنت الثورة هل حقيقية هذه الحركة الوطنية الجديدة التي تدعى جبهة التحرير الوطني الحركة الميصالية باسم الحركة الوطنية الجزائرية، هاتان الشخصيتان كانتا تتواجدان في المهجر، فذهبت وسلمت لهما الرسالتين مما جعل العدو يلقي عليا القبض في فرنسا، قبل أن أتمكن من الهروب مباشرة بعد عودتي على الجزائر والالتحاق مجددا بالجبل.
بيل اندلاع الثورة التحريرية، واجهت جماعة الستة عدة انتقادات من جهات عارضت قيامها آنذاك، كيف تمكن قادة الثورة إقناع الشعب والمعارضين بضرورة تفجيرها؟
الأعضاء السنة لم يعملوا من أجل إقناع الشعب فقد كان الشعب مقتنعا مسبقا بذلك، لكن لم تكن من مهامه تحديد تاريخ وزمان انطلاقها، فقد كان الشعب مهيئا نفسيا لاحتضان الثورة، الخلاف الذي كان موجودا حول تفجير الثورة، كان ما بين جماعة الستة من جهة، وجماعة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ممثلين في جماعة المصالين وجماعة المركزيين من جهة أخرى، فجماعة الستة حاولوا من خلال تأسيس حركة جديدة تحت اسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل، كحركة حيادية العمل على توحيد الطرفين المتخاصمين، جماعة مصالي وجماعة المركزيين، ولما يئسوا من إقناع هذين الطرفين، إلتجؤوا (وقد كانوا في هذه الحالة 05، وهم محمد بوضياف، مصطفى بن بولعيد، محمد العربي بن مهيدي، ديدوش مراد ورابح بيطاط) إلى عقد ملتقى ال 22 الذي ترأسه الشهيد مصطفى بن بولعيد وكان مقرره محمد بوضياف، أين تمت مناقشة المآل الذي وصل إليه الحزب بانقسامه هذا على جماعتي المصالية والمركزية مما أثر في تفجير الثورة لعدم وحدة المجموعة، فوقع نقاش داخل مجموعة ال 22 وحصل أيضا نوع من اختلاف في الرأي وليس خلاف، حيث أن مجموعة منهم قالت لابد من تفجير الثورة حالا، وأخرى قالت كيف ونحن لا نملك لا مال ولا سلاح أن نفجر الثورة، ولذا يجب أن نهيئ لها وقتا قليلا تم تعلن، غير أن تدخل الشهيد سويداني بوجمعة، الذي كان فاصلا وحاسما حتى اغرورقت عيناه دموعا بعد أن سأل الجميع » هل نحن ثوريون أم لا؟ فإذا كنا ثوريين فعلينا أن نقوم بالثورة« مما أثر فيهم وجعلهم يتفقون على أن نبدأ في التحضير للثورة حالا، فانتخبوا محمد بوضياف منسقا للمكتب من أجل بداية التحضير الفعلي للثورة وأْعطوه صلاحيات اختيار الأعضاء الذين يكونون معه، فاختار أصحابه الأربع الذين حضّروا مؤتمر 22، فلما خرجوا من الاجتماع اتضح لهم أنه لا يمكن تفجير الثورة بدون القبائل وهنا أوضح أن هذا يعني أن القبائل كانوا غير قابلين لاندلاع الثورة بل بالعكس هم كانوا من الأوائل الذين التحوا بالثورة منذ 1946، ولكن كانوا يعتقدون أن الزعيم الوحيد الذي كان بإمكانه إعلان الثورة هو مصالي الحاج، وعلة هذا الأساس تم تعيين بن بولعيد وبوضياف للاتصال بكريم بلقاسم واعمر أوعمران باعتبارهما يمثلان جماعة جرجرة، ولكي يقنعانهما بأن طرفي الخصام غير قابلين للثورة قدما لهما استبيان فيه 03 أسئلة وهي »أولا : هل أنتم مع الثورة أم ضدها؟ ثانيا: إذا اندلعت الثورة ما هي المساعدات التي يمكنكم أن تقدموها لها؟ ثالثا: ماذا يكون موقفكم في حالة ما إذا اندلعت الثورة خارج صفوفكم؟ «كلفوا كريم بلقاسم ليقدم استبيان للمصالين) وأوعمران للمركزيين)، فكان رد المصاليين على لسان مولاي مرباح ردا قاسا تجاه كريم بلقاسم، حيث ذهب إلى حد تهديده وطلب منه بأن يتوقف عن الاتصال بجماعة الخمسة، أما الرد من قبل المركزيين فقد قالوا له، نحن مع الثورة ولكن لم يحن بعد وقتها، فعندها تيقينا بأن الطرفين لا يريدان تفجير الثورة، لهذا قالوا نحن معكم يا جماعة الخمسة، فقال بن بولعيد وبوضياف اختارا أحدكما ليكون مع الستة فاختار أوعمران كريم بلقاسم، وبذلك أصبحت تدعي لجنة الستة التي بدأت في الحين للإعداد والتحضير لتفجير الثورة.
تشهد للعديد من الدول العربية الشقيقة وقوفها إلى جانب الثورة الجزائرية، هل لكم أن تقدموا لنا مزيدا من التفاصيل بشأن هذه المساعدات وأبرز الدول التي كانت سبّاقة لدعم الجزائر في حربها ضد العدو الفرنسي؟
لابد أن تعترف، ربما إن لم أكن مخطئا في تاريخهم لم تتحد الأمة العربية إلا في ثورة الجزائر، والحقيقة أن الشعوب العربية وحتى الرؤساء مهما كانت توجهاتهم فقد كانوا كلهم مع الثورة الجزائرية، وفي الحقيقة فإن الشقيقة مصر وعلى الرغم من أنها كانت تعيش في البداية تقريبا تحت الحماية، غير أنها فسحت المجال لممثلي الحركة الوطنية لابد أن نعلم أن القاهرة كانت مركزا لممثلي مكتب المغرب العربي، والذي كان يمثل الجزائر فيه من حزب الشعب وحركة الانتصار والحركات الديمقراطية كل من أحمد بن بلة، محمد خيضر وحسين آيت أحمد، وعندما كان الخمسة يحضرون الثورة في الجزائر، كانوا على اتصال دائم مع مجموعة الثلاثة بالقاهرة، وفي كثير من الأحيان كان بوضياف يتصل بأحمد بن بلة في سويسرا وكان الاتفاق على ضرورة تفجير الثورة، لكن يوم 01 نوفمبر لا يعلم به أحد إلا الستة حتى لو كان من مجموعة الثلاث، حيث أن بن بلة كان قد أخبر محمد بوضياف بقبول جمال عبد الناصر تقديم مساعدات للجزائر لاسيما في مجال السلاح شريطة أن يتم تفجير الثورة فعليا، وعلى هذا الأساس نجد بأن السلاح الذي بعث به جمال عبد الناصر كان في 22 مارس 1955 والذي جاءت به باخرة (ديانا) وكان على متنها المرحوم هواري بومدين، أما بالنسبة للمساعدات المالية فيجب أن نشير إلى أن السعودية هي الدولة الأولى التي منحت الثورة الجزائرية حوالي 100 مليون، وكذلك يجب أن ننبه بأن العراق كانت الدولة الوحيدة التي وضعت ثورة الجزائر بمنزلة إحدى وزاراتها وحددت ميزانية خاصة بالثورة الجزائرية كميزانيات الوزارات، كما يجب أن نسجل لها أنها أول دولة التي اعترفت بالحكومة المؤقتة مباشرة بعد الإعلان عن تأسيسها.
ويجب أن نذكر بأن كل الدول العربية كانت تطلب من شعبها جمع الأموال والإعانات للثورة الجزائرية، والبعض أراد أن يتطوع كما حاول من مجموعة من الطلاب الطبيين السوريين الذين أرادوا أن يتوقفوا عن متابعة دراستهم والالتحاق بالثورة، إلا أن ممثل جبهة التحرير هناك وهو المرحوم عبد الحميد مهري، كان قد رفض وطلب منهم متابعة دروسهم وعند (الانتهاء يلتحقون، وبالفعل تم ذلك فقط كمعالجين في تونس، فللإشارة أننا كثوار كنا نرفض الاشتراك معنا في الحرب من باقي الدول إلا نادرا ولأسباب خاصة، وكانت قناعتنا أن حريتنا نسترجعها بأيدينا، كما قال شاعر الثورة مفدي زكريا »ألهمنا ثورتنا مبتغانا فتلهم ثورتنا العالمين ...وحضرنا أبناءنا من صلبنا الثائرين«.
شهدت الثورة التحريرية وللأسف عديد التجاوزات، أبرزها ما حدث مباشرة بعد الاستقلال أو ما يعرف بأزمة صائفة 1962، كيف يمكنكم أن تصفوا لنا تلك المرحلة المؤسفة من الثورة؟
فيما يتعلق ببعض المشاكل التي وقعت في الثورة، يجب أن نوضح أن الثوار ليسوا بملائكة بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ثانيا كنا نعيش تقريبا على الفطرة فلم تكن لدينا محاكم وقضاة ولم تكن لدينا قوانين العقوبات كما لم يكن لنا سجون، وعلى هذا الأساس كنا نتصرف حسب الزمان والمكان والموقف الذي يواجهنا، دعيني أعطيك مثلا حيا حصل لي شخصيا »كنت متمركزا في مكان يدعى بني صبيح وهو قريب من مدينة الميلية في المنطقة الثانية الناحية الثانية، وكان فوج من المجاهدين متجها نحو مدينة التلاغمة، وكان لابد له أن يمر على مكان قرب عين كرمة وتقريبا يكون الممر النظامي الوحيد، مما اضطر الفوج أن يدخل عند شخص بسبب الثلوج، فأطعمهم صاحب المنزل وعند خروجهم وقعوا في كمين فتم القضاء عليهم، وجاءتنا معلومات بأن الشخص الذي دخلوا عنده هو الذي أبلغ العدو عنهم، لكن لم تكن لدينا أدلة، فاحضروه أمامنا وشاء القدر أن أطرح عليه أسئلة فقلت »هل أنت الذي بلغت العدو؟ فلم يرد وحاولنا الضغط عليه في التحقيق ولكنه رفض أن بنبث ببنت شفة، فحاولت أن أخيفه وطلبت من أحد المجاهدين وكان يدعى أحمد بوفاندوس وكانت معه بندقية صيد، فعلى الرغم من كونه رجل حرب إلا أنه وبعد أن فقد بندقيته الحربية أثناء معركة كان عقابا له أن يحمل بندقية صيد (قانون الثورة كان يعدم كل من يفرط في سلاحه، نفضل أن نفقد مجاهدا على أن يضيع سلاح لشح الأسلحة آنذاك)، طلبت منه أن يأتيه بفأس ومعول من أجل حفر قبر له بيده، فقام بذلك تم توجهت له للمرة الأخيرة وأعدت سؤاله، فدار حولي وقال لي »أأنتم الذين تخرجون فرنسا من الجزائر؟«، فحكمنا بقتله، فقد كان أمامنا حينها احتمالان براءته لغياب الأدلة أو تنفيذ حكم الإعدام فيه حتى نجنب الأفواج الأخرى المضطرة للتنقل من تلك الطريق، فما كان أمامنا إلا تصفيته، وقد نكون أخطأنا حينها، لذلك أقول أن الظروف آنذاك كانت قد تسببت في بعض التجاوزات، كانت الأولوية للوطن وللثورة آنذاك.
أثارت مذكرات بعض رؤساء الجزائر ممن عايشوا الثورة المجيدة الكثير من الجدل، أين يكمن الخلل حسبكم هل في التوقيت أم المضمون؟
في الحقيقة أنا من الذين يشجعون كتابة المذكرات، باعتبار أن التاريخ يدوّن من خلال عنصرين أساسيين أولهما الوثائق المكتوبة أو ما يسمى (الأرشيف)، وبما أن فترة 1 نوفمبر 1954، و19 مارس 1962 شحيحة في إعطائنا هذا الأرشيف، والسبب في ذلك هو أن جزءا من هذا الأرشيف تم حجزه من قبل الاستعمار وما يزال عنده أسيرا إلى يومنا هذا، ونحن لا نزال نطالب بإعادته، ولكن فرضا أننا استرجعنا هذا الأرشيف، هل حقيقة يمكننا أن نثق في هذه الوثائق التي تعود من فرنسا ونحن نعيش عهد التكنولوجيا (التزوير)، ألا نعتقد أن العدو قد يعيد لنا أرشيف بمثابة قنابل موقوتة قد تتفجر بيننا من حين إلى آخر، وعليه يجب أن نكون حذرين من الأرشيف حتى ولو أعيد إلينا، كما أن جزءا منه أتلف بفعل الطبيعية بحكم أنه لم تكن لدينا وسائل للتخزين آمنة بل معظمه كان مخزنا تحت الأرض وأتلف بفعل العوامل الطبيعية، فيما أتلف جزء آخر منه بفعل فاعل، والفاعل في هذه المرة للأسف هو نحن، ولابد أن يعلم جيل المستقبل بأنه قد حدث خلاف بيننا بعد توقيف القتال مباشرة، وصل إلى حد نشوب قتال بين مؤيدي الأطراف المتخاصمة في هرم الثورة، فقام البعض منا بحرق جزء من هذا الأرشيف، وفي مختلف الجهات لا أريد أن أسمي الأشخاص لأن معظمهم لا يزال على قيد الحياة، أما العنصر الذاتي لتدوين التاريخ فيجب الاعتماد على شهادة شهود العيان لاسيما ولكن ونحن في سباق مع الزمن لأن معظم الذين عايشوا هذه الفترة فارق الحياة، والذين مازالوا أصغرهم قد تجاوز 75 سنة، بالإضافة إلى أن معظمهم مصابون بأمراض مزمنة (النسيان)، كما نعلم أن هذه الفئة هي جزء من الشعب الذي كان معظمه أميا لم يكن في استطاعته كتابة المذكرات، ولهذا فأنا مع الذين يكتبون مذكراتهم، حتى ولو اتهمهم البعض بالتحريف لأن الذي يجب أن نؤكده أننا لسنا بصدد كتابة التاريخ بل بصدد تسجيل كتابة التاريخ، لأن المؤرخين المختصين سوف يكتبون التاريخ بعد زوال هذا الجيل، فعلي كافي مثلا إذا لم تخني الذاكرة كتب مذكراته اعتمادا على وثائق، البعض ربما قد وجد ما لا يعجبه، فمثلا أنا وأنا أعرف علي كافي كونه كان رئيس ولايتي وتكلم في مذكراته عن المعركة التي وقعت في قسنطينة وأنا كنت أحد الحاضرين فيها حيث حضرها كل من (داودي سليمان (حملاوي)، مريم بوعتورة، بشير بورغود وأنا محمد كشود) ذكر الشهيدين (بوعتورة وحمراوي) ولم يذكرني لا أنا ولا بورغود لأنه كان يعتقد أننا لازلنا على يد الحياة، لا يجب علينا أن أآخذه على عدم ذكري.
هل تفكرون في كتابة ونشر مذكراتكم؟
في الحقيقة بدأت في التفكير جديا، قبل اليوم كنت لا أريد أن أكتب لكنني اقتنعت في الأخير أنه يجب أن أكتب مذكراتي، لقد كنت إطارا في وزارة المجاهدين، وقد حصلت اجتماعات بيننا مرات عديدة وتبادلنا الرأي حول كيفية كتابة التاريخ، وكنت ولا أدّعي من الذين يقولون إنه لا يمكن أن نكتب التاريخ ونحن على قيد الحياة بل نسجل أحداثه من خلال المذكرات الشخصية، فخالفني البعض وقالوا لي لو تركنا هذه المبادرة لتجرأ البعض ونسب إلينا أشياء نحن بعيدون عنها، فقلت لا ضرر من ذلك دعه يفعل، لأن المؤرخين المحترفين في المستقبل هم الذين يصححون الكتابات ولأن شهادة الشهود تعتبر العنصر الثاني في تدوين كتابة التاريخ فيجب أن يعتمد المؤرخون مستقبلا على شهادتنا مهما كانت ولقد بدأت في إجراءات كتابة مذكراتي.
ما هو تقييمكم لعملية كتابة التاريخ، وهل تعتقدون أن المنهجية التي تعتمدها وزارة المجاهدين لتسجيل الشهادات كافية لتوثيق جميع الحقائق؟
في الحقيقة منهجية وزارة المجاهدين هي استمرار للمنهجية الأولى، فمنذ البداية انتبهت الدولة لضرورة تسجيل أحداث التاريخ، لا تنسي أن الدولة كانت قد أشرفت عن طريق المنظمة الوطنية للمجاهدين والوزارة الوصية، على عقد لقاءات عديدة قبل أن يتوفى معظم قادة الثورة، وقد حضروا تلك اللقاءات بداية الثمانينات، وكان لي الحظ أن أكون مقررا في تلك اللقاءات.
ما هو موقفكم مما أضحى يعرف ب»الربيع العربي«، وهل أنتم مع الطرح الذي يقول بأن الجزائر لا تزال في منأى عنه؟
حتى ولو كانت فعلا هناك ثورات فأنا لا أعترف بالشعوب التي قامت في مختلف الدول، أولا أعتقد أن كلها كذب فهذه الثورات المزعومة في هذه البلدان كلها كانت من اختلاق الاستعمار لأن الدول الكبرى وبعض الدول تسير في مآلها تريد أن تقسم الدول العربية وتحولها إلى شعوب صغيرة وتعيش بالعصبية القبلية حتى تتمكن الصهيونية من الاستحواذ على هذه الدول مجمعة وتكون أقوى منهم سواء سياسيا، اجتماعيا عسكريا وغيرها من الجوانب، وعلى هذا الأساس أقول أن هذه ليست ثورات بمفهوم المصطلح الجزائري، المتعارف عليه، أما بالنسبة للجزائر فقد كانت ومازالت وستبقى دائما مهددة ليس من قبل الشعب بل من قبل المحيط لأن الاستعمار مازال لم يهضم بهد أن الجزائر استقلت وتعيش حرة، صحيح هو يتعامل معنا بكيفية تريحه من باب وتبقيه علي أهبة في الوقت المناسب من باب آخر، ولمواجهة الأخطار التي تحدق ببلادنا يجب أولا في توحيد الصفوف وتوحيد الكلمة، ليس بالمعني المغالي فيه أن نكون كالآلة ونكون على نفس الكلمة لكن على الأقل نكون متفقين علي مبادئ أساسية لا اختلاف فيها أما كيفية التسيير فلكل رأيه في الطريقة التي يراها ناجعة بالنسبة للجزائر.
واصل فرنسا سياستها الاستفزازية مع الجزائر والتي كان آخرها ما تعرض له وزير الاتصال بمطار أورلي، كيف لكم أن تصفوا لنا حقيقة العلاقات بين البلدين؟
فيما يخص قضية وزير الاتصال حميد قرين أول مرة أطرح رأيي على الصحافة ولو أنني لم أطلع على خبايا هذه القضية لأن المعاملات الدبلوماسية تقتضي الاحترام ما بين الطرفين مهما كانت هذه الأطراف غير أنه من باب التخمين، أولا: فرنسا لم تهضم بعد بأننا أصبحنا مستقلين، ونتمتع بالسيادة الوطنية فهي أحيانا تتصرف مع أفراد الشعب الجزائري وكأنهم مازالوا تحت سيادتها أو قاموا بثورة خارجين عن قانون الحكم الشرعي وجب تأديبهم، بطريقة غير تلك التي كانت تحتل بها الجزائر مباشرة وهذا نابع عن حقد دفين لديها، ثانيا أعتقد أنه يجب التساؤل لماذا أصرت فرنسا على تفتيش الوزير رغم كشفه عن هويته وحمله لجواز دبلوماسي ما يمنحه حق الاحترام والحماية الدبلوماسية ولو حتى كان في زيارة خاصة، في اعتقادي من وراء هذه العملية أشياء كثيرة تريد فرنسا إخفاءها تحت غطاء ممارسة ديمقراطيتها الكاذبة.
أطلق بعض السياسيين الفرنسيين المتعصبين (ساركوزي ولوبان) دعوات على إعادة النظر في بعض بنود اتفاقية »إيفيان«، كيف تردون على ذلك؟
فيما يحض إعادة للنظر في اتفاقية إيفيان، أسأل ما هي الاتفاقيات التي مازلنا نعمل بها فمعظمها تم إلغاؤه وأصبحت اتفاقية إيفيان كأنها لم تكن، أما مثل هذه التصريحات النارية فهم يعتمدون على مناضليهم، وساركوزي يحاول من ورائها أن يستميل جماعة اليمين المتطرف بزعامة لوبان للوصول إلى الرئاسة من جديد ومواجهة أعدائه رغم أن كلا الطرفين وجهتين لعملة واحدة.
رغم كل ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم وتقتيل، غير أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تحدث عن عدم ارتكاب حرب إبادة في الجزائر، ما تعليقكم؟
بالنسبة لتصريحات هولاند فيجب أن نرد عليه بالكتابات التي كتبها مؤرخوهم أنفسهم على غرار إبادة قبيلة العوفية بالحراش، وأكثر من ذلك لم يكتب عليها مؤرخون عاديون بل الضباط العسكريون الذين حضروا ارتكابها وافتخروا بارتكابها وكتبوا عنها، ثم إن 8 ماي 1945 غني عن التعريف وغيرها من الجرائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.