يكره الخيانة ويرفض أن يتكلم بلسان الآخر، يبحث دائما عن الحقيقة رغم المعيقات التي تعترضه، جريء في طرح القضايا خصوصا المتعلقة بتاريخ الجزائر، يحاول دائما تبيين وجهة نظره للمجتمع لأنه رحل وتنقل في هذا العالم حتى أصبح يلقب الرحالة الطاهر بن عيشة الذي خص الحياة العربية بهذا الحوار الشيق نايلة باشا كثير من المجاهدين يقولون أن التاريخ الحقيقي للجزائر لم يكتب بعد؟ إن الجزائر في مهب الرياح، رياح الجهل، رياح الخيانة، والأشخاص الحقيقيين هم الذين عايشوا تلك الحقبة، نعم لقد كنا نناضل ونقاتل من أجل حلم واحد وهو الجزائر مستقلة، الجزائر موحدة، لكن من ينقل هذه الحقيقة، من يعمل على تنوير عقول الجزائريين، فحتى لو حاولنا توصيل الحقيقة فهناك الكثير من المعيقات، لهذا يمكن القول حقاً أن التاريخ الحقيقي الجزائري لم ينقل بعد. إن توجهت إلى الأستاذ طاهر بن عيشة، وقلت له إلى أين يجب أن أتوجه لكي أعرف الثورة بمنظار الحقيقة؟ أولاً يمكن أن أقول أن أغلب الثوريين قد توفوا، وثانياً هناك أشخاص "مزيفون" لم يشاركوا بالثورة ولم يحملوا السلاح أمام الاستعمار بل هم مجرد "عملاء"، فكيف يمكن أن تعرف الحقيقة من أفواه كاذبة وأيدي ملطخة بدماء شهدائنا، بل يجب أن نسألهم أين كنتم في زمن النضال والجهاد، فكل من يدعي قول الحقيقة هم أنفسهم من احتكروا الجزائر.. فالجزائر للجميع ووحدة لا تتجزأ. ولهذا مازلت أرفض أي منصب سياسي منذ الاستقلال فّأنا اخترت أن أكون هنا من أجل الطبقة العاملة وفضّلت خدمة الثقافة على المناصب السياسية، لأن المناصب السياسية تلزم الكذب وأنا أعشق الحقيقة ولا يمكنني أن أنفصل عنها. وأقول مادام هناك من يسعى إلى تمزيق الجزائر وتشتيتها فالجيل الجديد لن يعرف الحقيقة. هل تملك الجزائر أرشيفا تاريخيا أم أن فرنسا أخذت الكثير من الذاكر الجزائرية؟ الأرشيف الثوري لا يمكن أن يكون عند فرنسا، بل لديها جانباً منه وهو الذي له علاقة بالجرائم التي أقامته والأحداث التي تشهد على محاربة الثورة والصد لها، ويمكن أن أقول أن جمعية مشعل الشهيد تقوم بعمل مميز في جمع أرشيف الثورة ومعالمها التاريخية. هل الرواية التاريخية استطاعت أن تحقق ما أخفق فيه المؤرخ أم أنها زادت في تغييب الحقيقة؟ الكتاب والروائيون في الجزائر مازالوا خائفين، بين هل نقول الحقيقة أم لا نقول، فإن اخترنا أن نقول الحقيقة فإن نضرم ناراَ لا تنطفئ وإن لم نقل الحقيقة فيجب أن نضحي بأخلاقنا وقيمنا ووطنيتنا، وهناك الكثير ممن كتبوا عن الثورة لم يعايشوا الثورة فكيف يكتبون عنها، وحتى أن يكتبوا فيجب عليهم أنم يجسدونها كلها، يعني الثورة بنضالتها، بمقاوماتها، وبخياناتها. من بين الأقلام التي كتبت عن الثورة من هو في رأيك الكاتب الذي نجح في تجسيد الرواية التاريخية؟ نعم يوجد كتاب، لكنهم ليس من الصنف المعمق ولا يحملون الهم الذي يحملونه أمثالهم من الجيل القديم، فأنا مثلاً مازالت أتمزق إلى كل شيء يمس الجزائر، فقد أعطاني الكاتب واسيني روايته ولكن ليس بها أحداث تاريخية بحذافيرها بل هي مجرد عرض لبعض وقائع، وكذلك هم لا يدققون بتفاصيل عيش الناس أثناء الحرب، مشاكلهم آلامه، همومهم، والأحداث التاريخية الكبرى هم نفسهم لا يعرفونها، فالروائيون اليوم يكتبون الأدب لا التاريخ، فالأدب نفسه يجب أن يكون قرأ التاريخ، وأدباءنا لا يقرؤون التاريخ، فالعالم والمؤرخ ابن خلدون الذي أقول دائما أنه إنسان عظيم..عظيم كان يشارك في صنع التاريخ وليس يكتب التاريخ فقط وهو أول من اكتشف علم الاجتماع، ولهذا فعلى المؤرخ أو الكاتب أن يتحدث عن كل شيء وأن يشارك بآرائه في مختلف ما يثيره كالصناعة والتعليم والسياسة وغيرها. لماذا لا يدرس التاريخ بتفاصيله في المقرر الدراسي والاكتفاء بمعلومات سطحية؟ هم لا يدرسون التاريخ بتفاصيله من أجل أن يغيروا ويحرفوا التاريخ، فهؤلاء الذين أقاموا المناهج الدراسية، ليس لهم الحس التاريخي، فالمؤرخ ليس فقط يكتب الأحداث وينقلها كما يراها دون أن يكون له حس تاريخي، فالمؤرخ هو الشاعر بجل عواطفه وكذلك الراوي والباحث بكل تفاصيله، وبصراحة أكثر إن التعليم في الجزائر يقدم بدون روح هو تعليم ميت إكليكنياُ، فيجب أن نستوعب التاريخ أن نقدمه بكل ما فيه من روعة، وللإشارة فأنا قد كتبت كتاب عنه الأمير عبد القادر بكل تفاصيل حياته. ولماذا كل هذه السطحية والتعتيم في تاريخنا؟ عندما ندرس التاريخ يجب أن ينطبق على واقعنا، ونحن نختلف، ونحن لا نشبه تاريخنا لهذا اليوم أصبح حتى التاريخ يزور فيه ويكذبون أحداثه، فالتاريخ يجب احترامه وتقديسه لأنه هو الذي يضمن صيرورة الحضارات، ساهم فيه رجال ونساء، وعلماء وأطفال، فما أحوجنا إلى حكام يزينون حكمهم بالعلماء مثل ما فعل سمرقند الجبار الذي أوقف الحرب من أجل أن يزين ابن خلدون حكمه. ما هو الجانب المظلم في التاريخ الجزائري؟ نعم هناك مشاكل وهناك غش وكذب فالجانب المظلم هو أن فرنسا وأمريكا وكذا الدول الغربية يوحون بأشياء، وينصبون "عملاء" عن طريقهم يمررون كل أغراضهم إما السياسية وغيرها، لكن من هم هؤلاء الأشخاص الكل يعرفهم لكن من يشير بأصابعهم ويقولون هؤلاء الذين يخنون الجزائر، فالاحتلال ليس فقط احتلال الأرض، بل هناك احتلال فكر واحتلال مفاهيم. نحن في 2013 وعلى مشارف الاحتفال بذكرى مجازر 8 ماي 1945 ومازلنا نتحدث عن متى تعترف فرنسا بجرائمها، في رأيك يكفي اعترافها أم يجب عليها أن تدفع ثمن جرائمها؟ هي مأساة نعم .. مظاهرات ومجازر 8 ماي 1945 التي شملت معظم أرجاء الجزائر وكانت هذه المجازر القطرة التي أفاضت الكأس وتيقن الجزائريون أن المستعمر الفرنسي لا يفهم لغة الحوار وكل وعوده وشعاراته بالمساواة والديمقراطية هي شعارات كاذبة وما أخذ بالقوة لا يسترجع سوى بالقوة. فكانت الشرارة التي مهدت للثورة الجزائرية. ولأن الجزائر من الدول المسلمة والتي تتألم لموت أبنائها وظلمهم، وإهانتهم، ولهذا يجب أن أقول أن الاعتذار كلمة سهلة، ولكن نحن بحاجة إلى تعويضنا، وليس التعويض المالي لأننا لسنا بحاجة إلى المال لأننا بحاجة إلى تعويض المعارف التي فقدنها وهل تسندنا على تطوير تكنولوجيتنا واقتصادنا نعم هذا هو التعويض، أن تعيد ما سلبه في 130 سنة وجعلت الجزائر في ذيل القائمة، فالاعتذار لا ينقص ولا يزيد، بل كل من يطمع أن فرنسا سوف تعتذر فهو يصدق الأكاذيب. إذا تاريخنا همش وطمس فماذا عن اللغة العربية؟ اليوم أصبحت اللغة العربية جريمة وكاتب اللغة العربية مجرم، ونحن هنا مازلنا نهمل تاريخنا وحضارتنا ففي عين أميناس توجد آثار قديمة لها قيمة تاريخية وثورية إذا كان سكانها الأصليون يكتبون على الجدران بحروف قديمة ونقوش لا يعرفها إلا سكانها الأصليون ومازال منهم إلا القلائل، ولهذا طالبت جمعية مشعل الشهيد في تكريمهم الّأخير لي أن يسعوا إلى تشفير وترجمة تلك الكتابات والرموز لأنه عبر عن حقائق تاريخية وثورية، مادية ومعنوية يمكنها أن تكشف الجانب المظلم حضارتنا، ولهذا أنا أشعر بحزن حيال ما يحدث، فالتضحيات التي استشهد وناضل من أجل الشعب يقتل اليوم أمام أعيننا، واللغة الوطنية التي من شأنها أن تحافظ على ثقافتنا، وتاريخينا، وتراثنا ووحدتنا تقتل. ماذا يمكن أن تقول للجيل الجديد؟ أقول أيها الشباب أنتم الذين سوف تصنعوا جزائر الغد، ويجب عليكم إقامة فكر ثوري لكي تخرج الجزائر من الجهل والتخلف الفكري الذي تعيشه، ولهذا يمكن القول أن ثورة زراعية، أو اقتصادية يجب أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالفكر لأنه إن كان الفكر صحيح ويحمل مبادئ قيمة فإن المستقبل سيكون أحسن. ويجب عليهم أن يتحلوا باليقظة لخدمة قضايا بلد تتربص به أيادي الغدر من كل الجوانب.