8.5 مليون.. هو عدد شهداء الجزائر فرنسا تقف وراء قضية المجاهدين المزيفين.. أتحدى أي شخص يقول إن يهود ومسيحيي الجزائر كافحوا المستعمر ديغول سبب موت الجزائريين بالسرطان هذا ردي على سعيد سعدي وغيره من مشوّهي تاريخ الثورة.. _ هذا ما ينقصنا لافتكاك اعتذار فرنسا عن جرائمها بالجزائر... _يجب محاربة الفساد الفكري لأنه أخطر من الفساد المالي والإداري _الأسلحة الكيماوية التي تخلت عنها فرنسا خطر قومي كشف رئيس جمعية 8 ماي 1945 المجاهد عبد الحميد سلاقجي في حوار مثير خصّ به (أخبار اليوم) جملة من الحقائق والمغالطات التاريخية عن ثورة التحرير، بدءا بالتلاعب بأرقام الشهداء وصولا إلى قضايا التخوين والمجاهدين المزيفين، كما تناول الحوار بشكل معمق قضية تجريم الاستعمار والعلاقات الجزائرية الفرنسية بعد الاستقلال، وأسباب فشل الجزائر في اقتناص اعتذار الإليزيه لحد الآن. وانبرى السيد سلاقجي من جانب آخر للدفاع عن الثوابت التاريخية، مستنكرا الحملات المغرضة في حق أعلام الجزائر، ومعطيا شهادته بخصوص تخوين بن بلة ومصالي الحاج، كما تطرق إلى الأرشيف الوطني وما تخفيه فرنسا عن الجزائريين، فضلا عن التفجيرات النووية الفرنسية وآثارها المدمرة لصحة الجزائريين وغيرها من القضايا التاريخية الحساسة، التي تطالعونها في هذا الحوار... * أخبار اليوم : أولا، يشير اسم جمعيتكم المحترمة إلى يوم مأساوي يبقى عالقا في أذهان كل الجزائريين، فهلا تعيدنا إلى ما جرى بالضبط في يوم 8 ماي 1945؟ - المجاهد عبد الحميد سلاقجي: في الوقت الذي كان الجزائرون فرحون بانهزام النازية سنة 1945، والاحتفال مع باقي الحلفاء، للأسف كان رد فعل المعمرين (المدمرين) الفرنسيين بتقتيل جماعي، حتى أن مؤرخين وقانونيين فرنسيين وجزائريين متفقين على أن المستعمر الفرنسي قام بجرائم ضد الإنسانية، في سطيفقالمة وخراطة بالأخص، ولدينا معلومات تؤكد أن الجرائم مسّت سكان ولاية بشار التي استشهد فيها عدد كبير من المواطنين، وفي سعيدة أيضا اكتشفنا سقوط شهداء، كما سقط أزيد من 12 ألف شهيد بالضفة الغربية بمليانة حتى وادي شلف. *ماذا عن العدد الحقيقي للجزائريين الذين قتلتهم فرنسا الاستعمارية في ذلك اليوم الأسود، وبرأيك لماذا لم يستقر المؤرخون الجزائريون والحركات الوطنية على رقم واحد؟ -المشكل ليس في العدد وإنما في الكيفية التي قتل بها الجزائريون آنذاك، وهم الذين خرجوا في مظاهرات سلمية للمطالبة بحريتهم آملين وفاء فرنسا بعهودها، وبالتالي ما يهم هو قتل آلاف الجزائريين العزل باسم الدولة الفرنسية والجيش الإستدماري. لكن إذا أردنا الرجوع للغة الأرقام فإننا نرى تلاعبا كبيرا بالأرقام من الجانب الفرنسي الذي أراد تقزيم عدد الوفيات، حيث قال ديغول في تقريره المرفوع للجنرال مارتان الذي حكم المغرب الكبير آنذاك، أن عددهم 800 وهو ما كتب في الأرشيف الفرنسي. غير أن الرقم تضاعف حينما كتب مذكراته قائلا بدافع قد يكون من الضمير أن 17 ألف جزائري قتلوا في ذلك اليوم. أما المؤرخون الفرنسيون وبعد بحث طويل في الأرشيف والتقارير، نجد أن الباحث والكاتب الشهير (جون لويس بلانش) تحدث في بحثه عن 30 ألف قتيل، ما جعله يدخل في نزاع حاد مع السلطات الفرنسية، أما المؤرخة (اني غولد زيغلار) فتحصر العدد بين 20 إلى 40 ألف قتيل، لكن ما اتفق عليه الكثير ممن أرخوا لتلك الفترة هو أن سياسة فرنسا في مستعمراتها كانت مبنية على إبادة الشعوب الضعيفة، والدليل ما قاله بيجو في مذكراته بالحرف الواحد يجب حشر الجزائريين وتقتيلهم ورميهم في الصحراء، ومن ثمة نملأ البلاد بالمعمرين من جنوب أوروبا فإذا بمخططات المستعمر تصطدم بشعب مكافح هندس لأكبر ثورة في الكرة الأرضية. *ماذا عن المؤرخين الجزائريّين والمحايدين؟ في الجزائر نجد المؤرخ ميخاليد بوسيف الذي تحدث عن 30 ألف قتيل، في حين قال رضوان عينات أنهم أقل من ذلك، أما الحركات الوطنية وجمعية العلماء المسلمين فاستقرت عند 45 ألف قتيل. لكن المراقبين المحايدين قدروا رقما أكبر من ذلك، حيث قال مؤرخون بريطانيون أن عدد المقتولين تجاوز 70 ألفا، فيما تحدث مراقبون أمريكيون عن 80 ألف مقتول. *قلت إن جرائم فرنسا في 8 ماي مست عدة مناطق في الجزائر فلماذا يركز التاريخ على 3 مناطق هي سطيف، قالمة وخراطة؟ - هنا أقول أن القتل في 8 ماي 1945 وقع في كل المناطق وليس فقط في محور سطيفقالمة وخراطة، حيث امتدت جرائم المستعمر إلى ملبو، سعيدة، خميس مليانة، ومناطق أخرى من الوطن لم يتم ذكرها، أين امتد الانتقام الفرنسي من 8 ماي 1945 إلى غاية شهر سبتمبر من ذات السنة، أين كان الجيش الاستعماري يقتل الناس بوحشية وبدون أسباب واضحة غالبا. كما أن جرائم المستعمر الغاشم قبل 1945 لها نصيبها هي الأخرى، باحتساب شهداء بعض الانتفاضات المعزولة، فالثورات الشعبية التي قام بها الأمير عبد القادر خلفت أكثر من 2 مليون شهيد وثورة بوعمامة وأولاد سيدي الشيخ والمقراني تركت مليون شهيد، ناهيك عن ثورة التحرير التي لم تعترف بها فرنسا إلا بعد 40 سنة، رغم أنها تعترف بأن عدد شهداء الثورة فاق 7 ملايين ونصف المليون شهيد، وأرشيفها العسكري دون هذا. *تحصر الأرقام الرسمية عدد شهداء الثورة الجزائرية في مليون ونصف المليون شهيد، وأنت تتكلم عن أكثر من 8 مليون، برأيك لماذا لم يتم إدراج قتلى المسيرات والانتفاضات الشعبية قبل ثورة التحرير ضمن لائحة شهداء الجزائر؟ لابد من مواصلة الحوار مع وزارة المجاهدين، وجمعيتنا تقوم بجهود جبارة لإعادة الاعتبار لشهداء قبل ثورة التحرير، حيث نرفض التفريق بين شهداء الجزائر والذي ينص عليه ميثاق الشهيد والمجاهد والذي يحصرهم من 1954 إلى غاية 19 مارس 1962. ومن هذا المنبر أحيّي وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني الذي أعلن من ولاية البويرة عن إعادة تعديل ميثاق الشهيد والمجاهد قريبا، ونُطالب بإعادة الاعتبار لشهداء 8 ماي 1945.. اعتبار يكون رمزيا وليس ماليا مثلما يعتقد البعض، كما ندعو إلى إشراكنا في كتابة تاريخ الجزائر ومساعدتنا ماديا ومعنويا لحماية الذاكرة الوطنية. *كل العالم يشهد ببشاعة الجرائم التي ارتكبها المعمّرون الفرنسيون في الجزائر، إلا فرنسا التي ترفض لحد الآن الاعتراف بها، السؤال المطروح هو لماذا لم يُعاقب العالم فرنسا على جرائمها في بلادنا، في حين عوقبت ألمانيا النازية على المحرقة اليهودية؟ ولِمَ لم تطلب السلطة الجزائرية ذلك بشكل رسمي؟ - المشكل في السلطة الجزائرية أنها تجعل الأولوية في تعاملاتها مع دولة فرنسا للعلاقات الاقتصادية والسياسية بدلا من الذاكرة، ولعل ما يزيد في صعوبة القضية هي أن جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر ليست لها أقدمية قانونية، حيث تم العفو عنها بقانون فرنسي، هذا دون الحديث عن ميثاق حقوق الإنسان الدولي والذي حررته فرنسا في 1948، ومن المفارقات أن فرنسا تألمت كثيرا بسبب المحرقة اليهودية على يد ألمانيا النازية، فيما غضت البصر عن جرائم أسلافها في بلادنا، ثم إن الجزائر لا تحتاج اليوم لتعويضات فرنسا، نحن نطالبها فقط بالاعتراف بالجريمة، فرنسا التي تزعم الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، لماذا لا تعترف بمسؤوليتها في الجرائم البشعة التي ارتكبها المعمّرون؟ *إذن ماهي الخطوات القانونية اللازمة لمتابعة فرنسا قضائيا على جرائمها المرتكبة في بلادنا؟ - عدم توقيع الجزائر اتفاقية روما عرقل متابعة فرنسا في المحاكم الدولية، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول أسباب عدم انضمام الجزائر للجنائية الدولية. فلمتابعة فرنسا قضائيا لابد من المضي في اتفاقية روما لفرض محكمة دولية، هذا الميثاق ينص بأن الدولة الغير مشاركة ليس لها الحق في متابعة المستعمر، وهو ما يعني أنه في حال رفع القضية في المحكمة الدولية بلاهاي فسيتم رفضها، وتعتبر شكوى بدون تأسيس، لكن هذا الأمر لا يعني السكوت أبدا. وهنا أذكر أنه في سنة 1963 بادر المجاهد تومي والمحامي مارسال مونفيل صديق الجزائر برفع قضية جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر بمحكمة باريس، لكن تم رفضها. *شهدت فترة حكم الرئيس بوتفليقة عودة الحديث وإثارة قضية التجريم التي وضعت في الدرج لفترة طويلة بعد الاستقلال، هلا تعيدنا لأهم المحطات التاريخية لها؟ -فرنسا اعترفت ضمنيا أكثر من مرة بجرائمها في الجزائر في فترة الرئيس بوتفليقة، حدث ذلك عندما قام السفير الفرنسي بالجزائر في 2005 بوضع باقة ورد أمام مقام شعال بوزيد بسطيف وقال بالحرف الواحد نتأسف للأخطاء الغير مبررة التي ارتكبها المعمرون، تلك السنة شهدت جوا عاما جيدا بين الجزائروفرنسا وذلك بفضل الخطوات الجبارة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نحو تحسين العلاقة والوصول لميثاق صداقة. لكن تمجيد الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك للفترة الاستعمارية في بلادنا أعاد الأمور لنقطة الصفر، لا بل زادت الهوة أكثر فأكثر بين الدولتين. إلى غاية 8 ماي 2012 وخلال زيارة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لولاية سطيف قال في خطاب عقب وضعه لحجر الأساس لبناء المرصد الوطني للذاكرة الجماعية 8 ماي 1945 (لسنا في وقت حروب الذاكرة وكفى) ليأتي الرئيس الحالي لفرنسا فرانسوا هولاند ويقول (أنا متألم كثيرا على معاناة الشعب الجزائري تحت ظل الاستعمار) ومعناه الرجوع لمفهوم الاستعمار بأنه الإبادة والهيمنة وليس نشر الحضارة كما زعمت فرنسا سابقا. *دعنا نعود إلى قانون تجريم الاستعمار الذي عرض على البرلمان الجزائري في 2005، لماذا تم إجهاضه، وهل فعلا هنالك لوبيات باريسية تضغط على المشرع الجزائري؟ - البعض يقول إن الجزائر ليست في حاجة للمشاكل التاريخية رغم وزنها الثقيل في العلاقات بين الدول، هذا كلام غير منطقي ومرفوض وأنا أقول أن سبب تعطّل العلاقات الجزائرية الفرنسية هو التاريخ الثقيل الذي يجب أن يعالج حتى تدفع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين للسرعة القصوى، والمطالبة بتجريم الاستعمار ليست مشكلة بل هي حل للمعضلة. ونحن كجمعية وطنية تدافع عن الدولة ورموزها ومؤسساتها، نطالب جميع المؤسسات الدستورية وفخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ونواب البرلمان والحكومة وقادة الأحزاب والتشكيلات السياسية في الجزائر بالوقوف يدا واحدة لتجريم الإستعمار. * ستنظم وزارة المجاهدين في إطار سبعينية مجازر 8 ماي 1945 ندوة دولية حول تجريم الاستعمار، هل يُعتبر الأمر بمثابة تحرك رسمي لمطالبة فرنسا بالاعتذار؟ طبعا فإن التجريم يكون عن طريق المؤسسات الدستورية، ونحن نثمّن أي اتجاه من السلطة لإحياء قضايا الذاكرة. *تمثل السوق الجزائرية مصدر قوت مهم بالنسبة لفرنسا، ألا يمكن للسلطات الجزائرية أن تستغل تأثيرها الاقتصادي على باريس كأداة ضغط لإجبار فرنسا على الاعتذار؟؟؟ - حقيقة تستطيع الجزائر استغلال مصالح فرنسا لممارسة ضغط اقتصادي عليها من خلال استصدار قوانين تكبح صادراتها إلينا أو استثناءها من تعاملاتنا التجارية، وهنا نجدد ثقتنا في رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي أعاد إلى الجزائر هيبتها الدولية، لاتخاذ ما يراه مناسبا من أجل إعادة الإعتبار لقضية التجريم، واقتناص التعويضات التي يجب أن تكون بالعلاقات الامتيازية وليس بالأورو، حتى تستفيد بلادنا من التكوين والتكنولوجيا الفرنسية لتطوير الجزائر. *إذن ما الذي ينقصنا حقيقة لاقتناص الاعتذار ولِمَ لا المطالبة بالتعويضات؟ - الحوار مع فرنسا موجود ودائم لكن النقطة السلبية تكون في المفاوضات، حيث أن المسؤولين الجزائريين محدودون في لغة المفاوضة ما يجعل عدة قضايا جوهرية تضيع من أيدينا، ومن هنا أطالب الجامعات والمدارس العليا بإيلاء أهمية قصوى لهذا الجانب الذي يبقى مظلما ويعجز عن اقتحامه خيرة مسؤولينا.، أما قضية الاعتذار فستأتي عاجلا أم آجلا، لا ربما بتغير الأجيال. *ما تقييمكم للعلاقات الجزائرية الفرنسية بعد الاستقلال؟ - لا يمكن أن تكون علاقات امتيازية بين الجزائروفرنسا في حضرة حرب الذاكرة، وإذا اعتذرت فرنسا فإن العلاقات ستتمتن أكثر فأكثر، وأنا شخصيا لم ولن أصافح أي فرنسي إلى غاية اعتذار دولته عن جرائمها في حق أجدادي. *فرنسا تسير نحو عودة اليمين المتطرف إلى الحكم، بدليل تقدم ساركوزي ومارين لوبان في الانتخابات المحلية، هل يمكن إعتبار عودتهم لقصر الإليزيه (ضربة قاضية) لقضية الاعتراف بالجرائم؟ وهل سنرى قوانين فرنسية مذلة على شاكلة تمجيد الاستعمار في 2005؟ - كل التيارات الفرنسية تتحد وتسير على منهج واحد عندما يتعلق الأمر بالقضية الجزائرية التي تبقى شوكة في حلق كل المسؤولين الذين تداولوا على قصر الإليزيه، ما يؤكد وجود لوبي نيوكولونيالي قوي يمنع السلطات الفرنسية من الاعتراف بجرائمها في الجزائر كما أن اللوبي الحركي يضغط ويؤثر على الصندوق الإنتخابي في باريس، ما يجعل السياسي الفرنسي خاضعا لضغوطه مهما كانت اتجاهاته. *على غرار قضية الاعتذار، لا تزال قضية أخرى لا تقل أهمية عالقة مع فرنسا، ألا وهي الأرشيف، هل لديكم معلومات عما تخفي فرنسا عن الجزائريين بعد 52 سنة من الاستقلال؟ - فرنسا لا تخفي عن الجزائريين سوى الأرشيف المتعلق بالإدارة والبُنى التحتية، الذي يعتبر من حق الجزائر بعد 52 سنة من الإستقلال، ويجب استرجاعه لتسهيل عملية تطوير البلاد، أما قضية التاريخ فأنا شخصيا لا أؤمن بقضية الأرشيف الفرنسي، لأن فرنسا قامت بتطهير أرشيف المقاومات والمسيرات والثورة، وهي خطوة لا تخفى على فرنسا الاستعمارية، ثم إن تاريخنا مبني على الشهادات الشفوية للمجاهدين، ما يتيح لفرنسا تزييف الأرشيف وتخوين الأبطال وهي التي زرعت من قبل الفتنة حتى في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطنيين، وغذت الجهوية والنعرات الطائفية. *ماذا عن قضية الألغام الاستعمارية التي تحصد أرواح الجزائريين لحد الساعة، ألا تعتبر الخرائط الخاصة بمواقعها جزءا من الأرشيف الذي يجب استرجاعه للحفاظ على أرواح الجزائريين؟ - قلتها ولا أزال أعيدها: الجنرال (ديغول) لا يزال يقتل الجزائريين حتى وهو في قبره بدليل ضحايا الألغام الاستعمارية الذين يتم تسجيلهم كل سنة، حيث كان مجيئه في 1958 يهدف للقضاء على الدولة الجزائرية التي أقول أنها تأسست في 20 أوت 1956 أي في مؤتمر الصومام. مثلما أجزم بأن فكرة الثورة جاءت من مظاهرات 8 ماي 1945. *هذا الجنرال الفرنسي الدموي هو نفسه الذي أجرى التجارب النووية في جنوبنا، هل من معلومات لديكم حول حجم الكارثة التي سبّبتها، والأخطار المتربصة بصحة الجزائريين بسببها؟ - أولا أنا أرفض تسمية التجارب النووية الفرنسية، لأنها في الحقيقة تفجيرات وليست تجاربا، حيث فجر ديغول 17 قنبلة نووية أكبر من هيروشيما وناكازاكي باليابان، و40 قنبلة نووية يدوية، في عين يكر والحمودية ومناطق أخرى من الصحراء الجزائرية. ومن هنا نطالب السلطات الجزائرية بالتحرك العاجل ومطالبة فرنسا بمعلومات عن أماكن دفن النفايات النووية ولائحة الشهداء المدفونين في صحرائنا، ومن خلال الملتقيات التي شاركت فيها واحتكاكي بالخبراء، توصلت إلى أن مرض السرطان المنتشر بالجزائر جاء نتيجة لجرائم فرنسا وتفجيراتها النووية في الجزائر، لأن بلادنا لم تعرف هذا النوع من الأمراض من قبل لأنها ببساطة لا تعاني من التلوث الصناعي والكيماوي. واسمح لي أن أضيف شيئا آخر.. *تفضل.... - وفي هذا السياق ستنظم جمعية 8 ماي 1945 هي أيضا ندوة حول الأسلحة الكيماوية التي تخلت عنها فرنسا في الجزائر، بحضور خبراء دوليين، أساتذة ومجاهدين، للتحسيس بخطورتها. *هل من توضيحات أدق حول هذه الأسلحة الكيماوية التي تتحدثون عنها؟؟ - هذه الأسلحة الخطيرة والسامة تخلت عنها فرنسا لصعوبة نقلها، وهي الآن متواجدة بمخازن للجيش الشعبي في غرب الوطن، والمشكل فيها يكمن في التلوث الذي يسببه هذا النوع الخطير من الأسلحة على صحة الجزائريين، وهل فعلا نملك من الخبرة والتحكم بالتكنولوجيا ما يمكننا من التحكم فيها؟.. *طفت إلى السطح مجددا قضية المجاهدين المزيفين، في ظل حديث تقارير عن وجود الآلاف من أصحاب الملفات المزورة، كيف تنظرون إلى هذه القضية الحساسة؟ - أعتقد أن هذه القضية أيضا من تدبير فرنسا وأذنابها في الجزائر لأن ثورة الجزائر كانت شعبية وكل الشعب الجزائري آنذاك جاهد في سبيل الوطن كل بطريقته الخاصة، وهنا يجب الإشارة إلى أن وزارة المجاهدين صفّت الملفات كلية بقوة القانون وأقرت المنح على أساس مقاييس علمية وتحقيقات وبحوث ميدانية، ومنه فإن كل من يملكون العضوية هم مجاهدون أصليون، ثم إن الحديث عن المجاهدين المزيفين لا يكون من خلال صفحات الجرائد او كاميرات التلفزيون وإنما يكون عن طريق لجان الطعن في الوزارة، وبالتالي فالهيلولة التي تثار حول القضية عارية من الدلائل. *هل لديكم أي أرقام أو معلومات حول المجاهدين المزيفين؟ - أرى أن التلاعب بأرقام المجاهدين بعد 52 سنة على الاستقلال لا يفيد أحدا إلا الطرف الفرنسي الحاقد طبعا، ثم إن الوزارة أسقطت العديد من الملفات المزوّرة ومن أعطاه القانون لا يستطيع المتطاولون سلبه. *في موضوع لا يقل أهمية، تشهد الفترة الأخيرة هجمة شرسة ضد تاريخ وأعلام الثورة الجزائرية، لم يسلم منها حتى الشهداء الذين قضوا في ساحات الورى، كيف ترد على المتحاملين؟ - فرنسا وراء كل المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر منذ الاستقلال، وأنا أجزم بأن كل المتطاولين وراءهم فرنسا، وأتحدى أيا كان لديه دليل أن مصالي الحاج خائن وبن بلة خائن، ومن العيب بما كان على بعض المجاهدين أن يخونوا شهداء ماتوا أبطالا في معارك كبرى. و أنا أشهد بأن الأبطال الوطنيين المتهمين بالخيانة هم أصحاب أفكار وإديولوجيات مختلفة لكنهم لم يكونوا يوما مع المستعمر الفرنسي، والاتهامات التي تُطالهم عارية من الصحة وناتجة عن اختلاف الآراء. *ما تشخيصك لهذه الظاهرة الخطيرة إذن؟ - قضايا التخوين والاعتداء على الثوابت التاريخية سببها لوبيات فرنكوفونية مدعمة من باريس، وأنا أسمي هذه الظاهرة بالفساد الفكري الذي يجب للسلطات التصدي له لأنه أخطر من الفساد المالي والإداري الذي ينخر البلاد. نعم الغلطات حصلت لكن لا يجب تحميل ثورتنا العظيمة مسؤوليتها. *من الشخصيات التي انبرت لقيادة حملات تشويه التاريخ، نجد منجم العلمانية في الجزائر سعيد سعدي الذي هاجم وخوّن شخصيات وطنية لها باع طويل على غرار مصالي الحاج وبن بلة؟ كيف تردون عليه؟ - تخوين أول رئيس للجزائر المستقلة أحمد بن بلة غير مؤسس، لأنه ارتكز على تعاونه مع رئيس دولة عربية شقيقة هي مصر التي كانت تدعوا للقومية العربية وآزرت الجزائر وثورتها بالسلاح، ومنه فإن تنسيق بن بلة مع جمال عبد الناصر لا يعني العمالة مثلما يزعم السي سعدي. *من بين الأفكار الهدامة التي طرحت هي محاولة فصل الدين عن ثورة التحرير، وذلك ما تجلى في بعض الكتابات والتصريحات والأفلام المتطاولة على غرار الوهراني الذي أثار جدلا حادا، ما رأيك؟ - حقيقة إن بعض الأقلام المسيئة تحاول العبث بتاريخ الثورة عن سوء نية، على غرار مخرج فيلم الوهراني الفرنكوفوني الذي حرف تاريخ المجاهدين الشرفاء المسلمين، والكل يشهد أن المجاهدين لم يكونوا يزنون أو يشربون الخمر، لأن ثورة التحرير بنيت على أساس احترام الدين الإسلامي، والدليل على ذلك التنظيم الشرعي العادل الذي جاءت به الدولة الإسلامية الجزائرية الحديثة بعد مؤتمر الصومام 1956، والتركيز الكبير على التعليم الديني والأحكام الشرعية المطبقة في المدن والدشور والقسمات والدواوير. *أعادت زيارة اليهود إلى الجزائر مؤخرا في تشييع جثمان الممثل الفرنسي رجيه جنين الجدل مجددا حول دور معتنقي الأديان الأخرى غير الإسلام في ثورة التحرير، خصوصا في ظل مطالب هؤلاء المتكررة بالعودة إلى البلد الذي ولدوا فيه، واسترجاع ما يقولون أنها ممتلكاتهم، هل من معلومات تملكها حول الموضوع؟ - لا حوار مع الأديان في الجزائر لأننا لم نتعد على اليهود والنصارى، هم من تعدوا علينا، وأتحدى أي مؤرخ أو كاتب يقول إن يهود ومسيحيّي الجزائر كافحوا المستعمر في الجبل أو شاركوا في المسيرات والانتفاضات الشعبية، وحتى من يسمون بأصدقاء الثورة الجزائرية جاءوا للجزائر المسلمة من أجل القيام بدراسات حول الثورة يرجون منها الشهرة لا أكثر ولا أقل، وأحد المحققين الذين التقيتهم قال لي بصريح العبارة (أنا لم أخدم الجزائر، إنما خدمت الكاميرا والمعلومة). ثم إن أكبر دليل على ولاء يهود ومسيحيي الجزائرلفرنسا الإستعمارية هو خروجهم معها غداة الإستقلال، ولما كانوا مع الثورة ويحبون الجزائر فلم لم يمكثوا فيها؟ ويعملوا على تطويرها. *هل تعتقدون بأن المجهودات التي تقوم بها الجهات المختصة لحماية الذاكرة كافية للصمود أمام حملات التشويه وفرنسة الجيل الصاعد؟ - طبعا المجهودات غير كافية، ولابد من مضاعفتها لغرس قيّم الذاكرة في الأجيال القادمة والكل معني بغرس قيّم نوفمبر في النشء الجزائري، ولابد من التوجه للسلك التعليمي والجامعي وتسهيل طباعة ونشر ثقافة حتى لا تنسى الأجيال القادمة و مساعدة الجمعيات الناشطة في الميدان. ونحن في جمعية 8 ماي 1945 لدينا نظرتنا الخاصة في كتابة التاريخ، الذي لايزال يكتب بالإعتماد على القصص، التي تحتمل الأخطاء والتأويلات، ونحن نواصل جهودنا الحثيثة للبحث عن طريقة منهجية أكاديمية وطلبنا من منظمة المجاهدين التنسيق لرعاية مجهوداتنا ودعمنا ماديا لأن فكرتنا لا تحتمل التأخير. *في الأخير كيف ترون جيل 2015 من الشباب الجزائري مقارنة بجيل الثورة، وماهي الرسالة التي توجهها لهم؟ الجيل الحالي يجب أن يتواصل مع جيل الثورة، ويستمع إلى آراء وتوجيهات المجاهدين، وأقول لشباب الجزائر أن ما وصلت إليه بلادنا اليوم لم يأت بفضل فرنسا وجنرالاتها الدمويين وإنما بفضل أبناء الجزائر، ولا بد لجيل اليوم أن يكافح الفساد المتفشي في البلاد مثلما كافحنا المستعمر الفرنسي بالأمس.