إذا أردنا أن نقيّم سنة 2015 في الجزائر، فلا ينبغي أن يتم ذلك بمعزل عن المؤثرات الدولية والإقليمية، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، لأن تلك المؤثرات هي التي تتحكم في الأداء السياسي والاقتصادي الداخلي. 2015: تحصين الأمن والاستقرار لقد تميزت سنة 2015 دوليا وإقليميا بتوترات عالية الحدة، تكفي الإشارة إلى انهيار عدة دول وفقدانها للسيادة مثل ليبيا ومالي، وسوريا واليمن، فضلا عن التدخلات العسكرية الأجنبية خاصة في مالي واليمن وسوريا، حتى أصبحت هذه الدول محل حرب دولية غير معلنة، تسعى كل دولة كبرى لتوظيف قدراتها العسكرية والدبلوماسية لتحقيق أجنداتها السياسية والاقتصادية. وربما هذا الذي جعل روسيا تتدخل عسكريا في سوريا، وجعل السعودية تقود تحالفا عسكريا إسلاميا في اليمن. وقد ساهمت الجزائر بأفكارها في العمل على تحقيق الاستقرار الإقليمي وحتى الدولي وذلك من خلال إسهامها في تحقيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي واستضافتها لجولات حوار بين الأطراف الليبية ومعارضتها لكل التدخلات العسكرية الأجنبية في أي دولة كانت. وبذلك تمكنت الجزائر من البقاء في مأمن من تأثيرات الانفلات الأمني الدولي الإقليمي، وهكذا فإن مكسبا كبيرا قد تحقق، ولا ينبغي أن نقلل منه، لأن الأشياء غير الملموسة قد تكون أكثر أهمية من الماديات المنجزة في العديد من القطاعات الأخرى، فالحفاظ على السلم والأمن والاستقرار لا يقدر بثمن حتى لو كان ذلك على حساب قضايا أخرى تبدو أكثر أهميتها. وفي ذات السياق، فإن سنة 2015 شهدت العديد من الأعمال الإرهابية المدوية، خاصة تفجيرات باريس، وتفجيرات برج البراجنة في بيروت، وإسقاط الطائرة الروسية في مصر، والعمليات الإرهابية في تونسومالي، واستهداف جماعة بوكو حرام لعدة دول إفريقيا خاصة نيجيريا والكاميرون، وغيرها كثير. وفي ظل تمدد الجماعات الإرهابية خاصة داعش وبوكوحرام في العديد من المناطق والدول، إلا أن الجيش الجزائر تمكن من القضاء على أزيد من 100 إرهابي وعدة رؤوس إرهابية وتفكيك العديد من جماعات الدعم والإسناد واكتشاف وتدمير العديد من المخابئ والملاجئ، وحجز كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والمخدرات. ولم تشهد الجزائر خلال هذه السنة عملا إرهابيا يذكر ما عدا استهداف دورية للجيش في منطقة عين الدفلى خلفت 9 شهداء وبعض الجرحي. ومعنى هذا أن المواطن الجزائري يستطيع أن يراهن على الجيش في تحقيق الأمن والسلم، لكن في الوقت ذاته، فإن هذا يعني أن الخطر الإرهابي مازال محدقا، ما يحتم على الطبقة السياسية والإعلامية تحديدا أن تتصرف على ضوء هذه المعادلة. ومع ذلك، عندما نلقى نظرة في المرآة العاكسة لعام 2015، لا يمكن أن نجحد المنجزات التي تحققت خاصة في قطاع السكن، ومنه يمكن القول أن سنة 2016 ستعزز المكتسبات التي أنجزت في هذا المجال. أما من الناحية السياسية الداخلية، فإن التغييرات التي مست جهاز المخابرات، والانتهاء من مشروع تعديل الدستور هي الأهم على الإطلاق، فعلى ضوئهما تولد الأحلام الكبيرة لعام 2016. الجمهورية الثانية الدولة المدنية والإفلات من قبضة النفط إن ملامح هذه الأحلام تتجسد في شيئين اثنين: الأول هو ما تحدث عنه عمار سعداني من أن الجزائر باتجاه الدولة المدنية، ما يعني أن الأجهزة الأمنية لن تتدخل مستقبلا في العمل السياسي أو الحزبي أو حتى الإداري والاقتصادي، وهذا إن حصل فإنه إنجاز كبير للغاية، ويضع الجزائر على سكة الدول العصرية التي تقوم فيها كل مؤسسة دستورية بمهامها دون التدخل في مهام مؤسسات أخرى. أما القضية الثانية فتتعلق بتعديل الدستور، الذي من المرتقب أن يكتمل قبل نهاية الثلاثي الأول لعام 2016، وهو آخر حلقة في سلسلة الإصلاحات التي باشرها الرئيس بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم عام 1999. هذا الدستور قال عنه عمار سعداني أنه سيقود الجزائر نحو الجمهورية الثانية، حيث من المرتقب أن يصحح بعض الأوضاع التي لم تكن منطقية، منها إسناد رئاسة الحكومة للحزب أو التحالف السياسي الذي يتحصل على الأغلبية البرلمانية، وكذلك حق المعارضة الموجودة في البرلمان من إخطار المجلس الدستوري بمدى دستورية القوانين، فضلا عن ضبط دور المؤسسات الأمنية، وغيرها من القضايا. أما أكبر التحديات لعام 2016، فتتعلق بكيفية تسيير المجتمع بفعالية في ظل تدهور أسعار النفط ونزولها إلى 35 دولار للبرميل، وهو ما يكلف الجزائر خسارة نحو 60 بالمائة من المداخيل مقارنة بالسنوات الخمسة السابقة. فهل تكفي سياسة التقشف، وهل يكفي تجميد بعض المشاريع، في ظل التبعية المطلقة لأسعار النفط.؟ ومنه فإن أحد أكبر التحديات التي يجب أن تحاسب عليها الحكومة أو الحكومات القادمة هو كيفية التحول من التبعية لأسعار النفط إلى اقتصاد متنوّع ومنتج للثروة ومولّد لمناصب الشغل وجالب للاستثمار والعملة الصعبة. وهذا سيكون محل تقييم عام 2017.