كان يتحدث بكل ثقة وعزم، عملته الوحيدة في الحياة هي النضال من أجل قضية الآخرين التي جعل منها قضيته الخاصة، وبالرغم من صغر سنه مقارنة بمن سبقوه في عالم السياسة، إلا أن نور الدين بلمداح هذا الشاب الذي لا يتجاوز سنه الواحد والأربعين سنة، استطاع أن يجلس وسط الكبار ويجعل له مكانة في الساحة السياسية، هو حاليا يشغل منصب نائب عن الجالية عن حزب جبهة التحرير الوطني بالمجلس الشعبي الوطني، الانطلاقة كانت من الكشافة الإسلامية الجزائرية، ثم بعدها الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين ومن ثم رئيس جمعية المغتربين باسبانيا وغيرها من المناصب التي شغلها هذا الرجل، لتبقى السياسية في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من حياته إن لم تكن حياته كلها، وفي حديث ل "صوت الأحرار"، يروي بلمداح هذه التجربة السياسية الذي لا يزال يفتخر بها ويرجو منها الكثير تكريسا للمبادئ التي يؤمن بها في مسار نضالي لا يريده أن ينقطع. في البداية، لمن يعرف شخصكم، من هو نور الدين بلمداح؟ أنا من مواليد 20 أكتوبر 1974 بولاية وهران، هوايتي المفضلة عندما كانت في المدرسة كانت كرة السلة، وأول مرة دخلت فيها على قسمة جبهة التحرير الوطني كانت سنة 1986 وسني لم يتجاوز بعد 12 سنة، كان ذلك في القسمة الرابعة بقمبيطة، حيث كانت القسمات في تلك الفترة تستضيف التلاميذ ويتحدثون لنا على الميثاق في إطار التنشئة السياسية، بعدها بأيام رجعت إلى تلك القسمة التي كانت تبعد بعض الأمتار عن مقر سكني، لأطلب نسخة من الميثاق، فلم أجد حينها، وما كان لامين القسمة إلا أن لام المناضلين لعدم توفر النسخ اللازمة خاصة وأنه تفاجأ كون طفل في سني يتقدم بمثل هذا الطلب، وفي سنة 1987 التحق بالكشافة الإسلامية التي كان مقرها متواجدا بنفس الحي الذي كنت أقطن فيه. في سنة 1991 تحصلت على شهادة البكالوريا تخصص ميكانيك وسني لمك يتجاوز 18 سنة، تلك الفترة التي تصادفت مع بداية الأزمة الأمنية بالجزائر وهي مرحلة عصيبة واجهها جيلي وبالتحديد مواليد سنة 1974، وبالرغم من أنني كنت في تخصص الميكانيك إلا أن حلمي كان دراسة الطب، للأسف المنظومة التربوية كانت تفرض علينا التخصص منذ الصغر وتوجيهي على الميكانيك في اعتقادي لم يكن صائبا، ولذلك السبب حرمت من هذه الإمكانية، وعليه تم توجيهي في الجامعة إلى فرع الإلكترونيك. من أين تولدت لديك فكرة ولوج العمل السياسي، ولماذا تمارس السياسة؟ عندما وجهوني على تخصص لم أكن ارغب فيه، تقدمت بطلب تحويل إلى تخصص الطب، وبعد أن رفضوا طلبي التحقت بالاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني كتنظيم طلابي لرفع الظلم عن نفسي ومباشرة بعدها انخرطت في الأفلان، وبالرغم من عدم قدرتي على تحقيق طلبي، إلا أنني واصلت نضالي وأصبحت رئيس مكتب ولائي بوهران سنة 1996، ومن هذا المنطلق فأنا أحبذ وأنصح دائما بالعمل النقابي الذي اعتبره جزء من الحياة السياسية. وفي اعتقادي، فإن التجربة النقابية تعد من أهم التجارب في حياتي لأنني تعلمت فيها كيف أدافع عن حقي وحقوق غيري، هي عمل إنساني وخيري، وكان لي الشرف لأناضل في المنظمة الطلابية رقم واحد بالجزائر، كنا نمارس عملا نقابيا حقيقا، أتذكر أننا كنا نغلق الطريق خلال الاحتجاجات، وهذا ما حدث بالتحديد عندما ثرنا ضد قرارات كنا نعتبرها تعسفية اتخذت من طرف الديوان الوطني للخدمات الجامعية سنة 1996. كيف تواصل نضالك في فترة التسعينات؟ وشاءت الظروف أن أغيب لمدة سنتين، ما بين 1994 و1996، لتأدية الخدمة الوطنية، توقفت عن الدراسة في تلك الفترة، وكلن عملي النقابي تواصل فيما بعد إلى غاية سنة 1998، وأذكر أننا فسنة قمنا باحتجاج على سوء الخدمات الجامعية المقدمة والتي انتهت بطرد مدير الخدمات على المستوى الجهوي، دافعنا على مجانية التعليم وثمن الوجبة الذي كان عندنا بمثابة خطر احمر لا يمكن تجاوزه، وغيرها متن اهتمامات الطلبة وانشغالاتهم التي حملناها على عاتقنا. وكما سبق وان قلت لكم انه موازاة مع هذا العمل النقابي انخرطت في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني وأذكر في هذه المرحلة بالذات، أن الأمين العام آنذاك بوعلام بن حمودة كان قد كلفني بإقناع احد عمداء الجامعات غير المتحزبين للترشح في الانتخابات التشريعية لسنة 1997، وهو الوزير الحالي للتكوين المهني محمد مباركي الذي وقع عليه اختياري وبالفعل اتصلت به وأقنعتهن لكنهه اشترط علي أن يتصل به المحافظ أو الأمين العام ويطلبان منه الترشح، وبالفعل عقدنا دورة المجلس الولائي وأعددنا مأدبة غذاء وجاء محافظ الحزب في وهران وخلال اللقاء تحدثنا عن كل المواضيع باستثناء التحاق مباركي بالحزب، حينها فهمت أن القيادة تريد ترشيح شخص آخر، أما مباركي، فكان له أن استفاد من فكرة الترشح والتحق بحزب التجمع الوطني الديمقراطي ليكون له المستشار الذي يعرفه الجميع وهو اليوم كما تعلمون وزير في الدولة. لماذا لم تترشح في تشريعيات 1997؟ ترأست خلية الشباب والطلبة في الغرب سنة 1997 وفي تشريعيات نفس السنة كنت عضوا في اللجنة الولائية بوهران لدراسة ملفات المترشحين وكنت أصغر واحد في تلك اللجنة التي كان يترأسها الوزير السابق عمار تو، ورغم تبة لم يكن لدي أي نية في الترشح، هدفي الوحيد مكان النضال وكنت أرى أن الوقت لم يحن بعد وأنني بحاجة على مزيد من الخبرة السياسية في الحياة. وجاءت سنة 1999، أين انتقلت رفقة وفد من الجمعيات للقاء مدير حملة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، علي بن فليس، وكنا أول تنسيقية تساند الرئيس في تلك الفترة، بعد ذلك اللقاء التقيت بعدد من نواب من ولاية غليزان في مأدبة فطور في شهر رمضان، كانوا يدرسون مشروع قانون المالية، كانت لديهم ملفات مكتوب عليها سري للغاية، أنا شخصيا كنت مطلعا على القانون وحذرتهم من بعض المواد، خلال العرض الذي قدمته في إطار النقاش، توقف الجميع عن الأكل وكانوا ينصتون إلي بكل اهتمام، حينها أدركت أنني أتحكم في الموضوع أفضل منهم وتساءلت في قرارة نفسي، أليس من السهل أن تكون نائبا بالبرلمان؟ حينها فكرت جديا في الترشح للاستحقاقات المقبلة. لكن بعد ذلك غادرت أرض الوطن؟ في 4 جوان 1997 وأمام مقر القسمة الخامسة بوهران تعرضت لمحاولة اغتيال ولعل ما ساعدني في النجاة هي تقنية الانبطاح التي تعلمتها خلال تأدية الخدمة الوطنية، بعد هذا الاعتداء التقينا بالجنرال عبد الرحيم قائد الناحية العسكرية الثانية، كنت رفقة أمين القسمة ورئيس فيدرالية لجان الأحياء بوهران، الجنرال قال لنا إنه يلتزم شخصيا بالتحقيق فيما حدث وعلى الأرجح أننا كنا مستهدفين من طرف بعض الجهات التي كانت تريد خسارة الأفلان مهما كان الثمن، بعدها انتقلت إلى غليزان لمواصلة النضال. وجاء التفكير في مغادرة الجزائر، الوجهة كانت اسبانيا التي كنت أريد أن أجعل منها محطة لمواصلة دراستي بكندا، لكني وحين وصولي هناك تفاجأت بالحقرة التي كانت مسلطة على المغتربين الجزائريين هناك، من طرف والية الباليار وهي من اليمين المتطرف، الجزائريون لم يكن لديهم أي تنظيم على عكس المغاربة، وبالتالي كانوا فريسة سهلة لهؤلاء المسؤولين المتطرفين. أمام تلك الظروف سعيت من أجل تأسيس جمعية المهاجرين الجزائريين بجزر الباليار وبسبب غياب المترشحين، قرر المغتربون ترشيحي وفزت بمنصب رئيس للجمعية سنة 2000، تعلمت اللغة الاسبانية وسجلت بالجامعة لمواصلة دراستي، ثم استهواني العمل الجمعوي في اسبانيا لتحقيق مطالب المغتربين والدفاع عقهم للحصول على تسهيلات أكثر. وماذا عن المؤتمر الأوربي للمغتربين الذي كان مقررا باسبانيا؟ في سنة 2005 كان هناك رئيس حكومة من الحزب الاشتراكي يحب الأفلان وعرضت عليه أن تستضيف المدينة التي كنت أقيم فيها باسبانيا مؤتمر أوربي لجمعيات المهاجرين، المسؤول الاسباني وافق والتزم بتمويل المؤتمر وبالفعل اتصلت بالجمعيات الفاعلة بأوربا، لكن الأوضاع تغيرت بعد تنحيته ورفض المسؤول الجديد تمويل المؤتمر، قمنا باستغلال الظرف وأنشأنا الفيدرالية الأوربية لجمعيات الجزائريين المغتربين، ومن ثم قرر حزب جبهة التحرير الوطني تنصيب مشرف باسبانيا وكان لي شرف تولي المنصب وقمت بتنصيب خلايا الحزب في جميع المدن الاسبانية. مرة أخرى، لماذا لم تترشح لا في تشريعيات 2002 ولا في تشريعيات 2007؟ في سنة 2002 كان الأمين العام للحزب هو علي بن فليس الذي لم يمانع فكرة ترشحي للتشريعات لكنني لم أكن قد بلغت بعد السن القانوني، أما في سنة 2007 فما حدث هو أنني كنت في الصباح الباكر على رأس القائمة مرشحا على مستوى منطقة أوربا ما عدا فرنسا وفي المساء صرت في ذيل القائمة، هناك من كان يراهن على مقعد بلجيكا وكانوا يرون بأنني غير مؤهل لنيله، احترمت قرار الحزب وقمت بالحملة الانتخابية لصالح ذلك المرشح بالرغم كل ما حدث، وفاز مرشحنا وهذا ما يهمني كمناضل في نهاية المطاف. لكن الأمور تغيرت سنة 2012، كيف تقرر ترشيحك هذه المرة؟ في المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني لسنة 2010 انتخبت عضو لجنة مركزية ممثلا للجالية الجزائرية بالخارج بالرغم من محاولة تنحيتي كمندوب في القائمة من طرف من سعوا إعطائي شارة مشارك والذي لا يحق له الترشح لعضوية اللجنة المركزية وحتى الطعن الذي تقدمت به لم يف بالغرض، تجمع أعضاء الجالية وساندوني، وفي النهاية أحضرت القائمة التي كانت بحوزتي والتي أنقذت الموقف، وجاءت انتخابات 2012 وتم ترشيحي على مستوى المنطقة الرابعة والتي تضم أمريكا وأوربا ما عدا أمريكا. وفي رأيي فغن نضالي كان قد شفع لي عند القيادة الحزبية، لا سيما وأني كنت قد أديت مهمة باسم الأفلان في سنة 2011 عندما اتصلت بالصحافة الوطنية وطرحت ضرورة الانشغال بجثث حراقة جزائريين كانونا مفقودين ووجدوا بشواطئ اسبانيا وتجنبنا وقوع فتنة كبيرة في تلك الفترة بين عائلات الضحايا الذين اتهموا الناجون بمحاولة قتل أبنائهم الذين كانوا معهم على متن القارب، وبالفعل تم التكفل بهم ونقلهم على أرض الوطن بعد أن تنقل ذويهم وتم إخضاعهم لتحاليل الحمض النووي للتعرف على هويتهم. كيف واصلت نضالك بالمجلس الشعبي الوطني؟ دور النائب هي مرحلة جديدة بداية من 2012، حيث نجحت في تمرير 6 تعديلات لصالح الجالية، فيما تم رفض 3 تعديلات، أنا صاحب أكبر عدد تعديلات تم قبولها في الجالية في المجلس الشعبي الوطني ، كما قدمت عدد كبير من الأسئلة الشفوية والكتابية، كما سعيت إلى أن أوفي قدر الممكن بما وعدت به في الحملة الان، حيث تم إنشاء خط بحري بين الجزائر وميلانو بعد أن كان المغتربون يلجؤون إلى تونس كنقطة وسيطة، وعدت بنشر رقم هاتفي للمغتربين وكذلك هو الأمر، أنا متوفر عبر الفايسبوك في خدمة الجالية كما التزمت بذلك في حملتي الانتخابية. كيف تقيم العمل السياسي؟ أنا فخور بنفسي، بالعمل التضامني الذي قمت ولا أزال أقوم به وأسعى إلى تجسيد كل ما قد يخدم الجالية الجزائرية وهذا ما جعل منصب رئيس لجنة الخارجية بالمجلس الشعبي الوطني يعود لأول مرة لنائب عن الجالية وهذا ما زاد من مسؤوليتي أمام هذه الجالية، صحيح أن النضال أخذ الكثير من حياتي وعلى حساب حياتي الأسرية، لكن قضيتي هي الأسمى فأنا مدمن على ممارسة السياسية وحب الأفلان وكذلك الدفاع عن حقوق الجالية الجزائرية حيثما وجدت.