يعيش الشارع الجزائري على وقع تداعيات سياسة التقشف التي لجأت إليها الحكومة جراء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وانخفاض الدينار الجزائري، الأمر الذي أثار مخاوف المواطنين خاصة مع حلول السنة الجديدة، والتي على ما يبدو لن تمر بردا وسلاما عليهم، حيث كانت نتائجها بادية من خلال ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، والنقل والبنزين وهو ما شكل صدمة على الجزائريين الذين ها هم يودعون سنوات البحبوحة المالية ليستقبلوا السنوات العجاف التي ستكون عواقبها وخيمة حسب رأي الكثير من الخبراء. وتسببت الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الجزائر والمصادقة على قانون المالية 2016 في حالة من الغليان والترقب في نفس الوقت لما تحمله هذه الأيام من مفاجآت بعد الارتفاع الملموس في أسعار المواد الاستهلاكية والنقل والبنزين في الوقت الذي بقيت فيه مرتبات الموظفين والعمال على حالها، حيث أرجع هؤلاء ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بعد الانخفاض الرهيب والمتواصل لأسعار البترول والتي استدعت لجوء الحكومة إلى الإعلان عن سياسة التقشف لمواجهة هذه الأزمة التي ستمتد على ما يبدو إلى عدة سنوات . هذا الوضع أصاب الجزائريين بحالة من الخوف والقلق على مستقبلهم كتلك التي أصابتهم خلال خلال العشرية السوداء، لتصبح تداعيات انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها حديث العام والخاص في المقاهي والشوارع وأماكن العمل، حيث تبين خلال الجولة الميدانية التي قامت بها "صوت الأحرا" لمعرفة آراء المواطنين حول الأزمة الاقتصادية وإجراءات التقشف التي انتهجتها الحكومة الجزائرية أعرب هؤلاء عن تخوفهم الكبير عن مستقبلهم المعيشي والقدرة الشرائية التي تتهاوى مع مرور الوقت، خاصة مع استحداث ضرائب جديدة والزيادة التي مست النقل والبنزين، وما تحمله الأيام القادمة خاصة إذا تعلق الأمر برفع الدعم عن المواد واسعة الاستهلاك على غرار الخبز والحليب والزيت والسكر رغم تطمينات الحكومة حول هذا الأمر. تخوف كبير من المستقبل وحول الموضوع أعرب "سمير" رب عائلة متكونة من 6 أفراد أنه متخوف من هذه الأزمة التي حلت على الجزائريين دون سابق إنذار، مؤكدا الدولة كانت مطالبة خلال البحبوحة المالية التي عرفتها الفترة الأخيرة بالاستثمار في مختلف القطاعات الأخرى خارج قطاع النفط بما في ذلك السياحة، والزراعة، والصناعة، عوضا عن الاعتماد على مداخيل البترول فقط، مشيرا إلى ان المواطن البسيط سيكون الضحية في هذه الأزمة التي ستؤثر على قدرته الشرائية وتضاعف من معاناته خاصة وان الزيادات في مختلف المواد الاستهلاكية ستكون عشوائية ودون رقيب أو حسيب كما جرت العادة، أما مروان طالب جامعي فقال إن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها الجزائر جراء انخفاض البترول ستؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية منها تقليص فرص العمل وتوقيف التوظيف وهو الأمر الذي لا يصب في صالح الطلبة أمثاله المهددين بالبطالة. انعكاسات إجراءات التقشف والأزمة الاقتصادية مست العديد من الجوانب الحياتية للمواطن الذي اكتوى بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية غير المدعمة وارتفاع سعر السيارات والتجهيزات الكهرومنزلية وتناقص نسبة استيرادها واختفاء السلع الكمالية من السوق، كما أعرب هؤلاء عن مخاوفهم المستمرة حول تأجيل تطبيق إلغاء المادة 87 مكرر وعودة القرض الاستهلاكي وإطلاق مشروع "عدل 3"، بالإضافة إلى إمكانية تقليص الأجور والتخوف من التسريح من العمل. وفي هذا الإطار عبر كمال عامل في مؤسسة وطنية عن تخوفه الكبير من ارتفاع أسعار الكهرباء والماء بعد الزيادة التي عرفها البنزين مؤكدا أن المواطن يعاني من غلاء المعيشة والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية والنقل، في ظل الأجر الزهيد الذي يتقاضاه العمال، مضيفا في ذات السياق أن رب عائلة لديه أبناء يدرسون لن يتمكن أن يعيل أفراد أسرته في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وجشع التجار الذين سيستغلون هذا الوضع من أجل رفع الأسعار إلى أعلى مستوى. وترى »سهام.ن« ربة بيت وأم لطفلين أن الإجراءات الأخيرة التي أقرتها الحكومة في قانون المالية الجديد أثرت كثيرا على ميزانية بيتها بعد الارتفاع الفاحش في أسعار المنتجات والمواد الغذائية الضرورية، بالإضافة إلى مصاريف الوقود فضلا عن فاتورات الغاز والكهرباء، وذكرت المتحدثة أن الكثير من الأشياء والعادات تغيرت في حياة أسرتها بعد تطبيق سياسة التقشف، حيث أصبحت لا تخرج للتنّزه والعشاء خارج منزلها رفقة عائلتها الصغيرة كما كانت عليه فيما سبق، كما أصبحت لا تشتري ما هو ليس ضروري. وواصلت سهام حديثها بتذمر: حتى روضات الأطفال "بريسكو" التابعة للقطاع الحكومي قامت برفع المصاريف الشهرية ب 40 بالمائة فبعد أن كنا فيما سبق ندفع 5 آلاف دج شهريا، أصبحنا حاليا ندفع 7 آلاف دينار وهو ارتفاع فاحش أمام الخدمات الرديئة المقدمة لأطفالنا خاصة في مجال الإطعام"، مواصلة حديثها "من غير المعقول أن ندفع أموالا كبيرا وهم يطعمونهم المقارون ..أين هي الرقابة ؟ ..وأين تذهب الأموال التي ندفعها شهريا؟، كان عليهم تحسين خدماتهم بدل من الزيادة". وقالت أن المعيشة أصبحت أصعب مما كانت عليه فيما سبق، لتختم كلامها ب"على الحكومة أن تفكر جديا ببدائل عن مداخيل البترول وليس اللجوء إلى جيوب المواطنين لأنه في نظر ذلك ليس حلا". تداعيات الأزمة المالية التي تعيشها الجزائر تظهر بوادرها في تعاملات الناس جراء الزيادة التي تعرفها بعض المتطلبات حيث بات القلق والنرفزة يطبعان يوميات المواطنين خاصة عندما يتم إعلامهم برفع مادة معينة، وهو ما لاحظناه خلال تجولنا في شوارع العاصمة من خلال ملامح الخوف التي ارتسمت على وجوههم، وهو ما عبرت عنه إحدى السيدات التي كانت تهم بدفع سعر تذكرة النقل لتكون فرصتها للتعبير عن هموم المواطن البسيط وعدم قدرته على مواجهة أعباء الحياة الصعبة، مؤكدة أن سنة 2016 لم تكن »مربوحة« على الجزائريين بعد الأزمة المالية الخانقة التي سيدفع ثمنها "الزوالي" على حد تعبيرها. "عدل" والحصول على وظيفة.. الهاجس المتجدد من جهتها قالت "حياة.ب" أنه ما من شك أن المواطن الجزائري اعتاد على انخفاض القدرة الشرائية وعدم استقرار الأسعار منذ سنوات طويلة، حتى أصبح الحديث عن الغلاء يطبع يومياته..لكن الفرق الحاصل الآن هو تطابق الخطاب الرسمي مع الواقع المفروض، بمعنى أن الدولة كانت فيما مضى تطمئن المواطنين وتؤكد الوفرة وتحكمها في الأسعار وتبدد مخاوف المواطنين، لكن الآن أصبحت تؤكد أن إجراءات التقشف لا مفر منها، وشرعت فعلا في تطبيقها التي تجسدت في الزيادات التي شهدتها بعض المواد والتي ما من شك ستلحقها زيادات أخرى .. وليس تهويلا إن قلنا أن ميزانية الجزائريين سوف تتراجع خلال هذه السنة بالنسبة للعائلات الميسورة الحال، أما بالنسبة للعائلات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود ستتضرر وستصبح أكثر فقرا..فيما ستضطر العائلات المتوسطة الدخل إلى ممارسة سياسة »شد الحزام أو التزيار« من أجل التحكم في الميزانية، وهو ما سيبدو ذلك جليا في سلوكاتهم وطريقة عيشهم من خلال التخلي عن الكثير من الكماليات من أجل مسايرة الواقع الجديد المفروض. وسيكون الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لآلاف المواطنين الذين هم على موعد مع دفع مستحقات سكنات عدل والسكن الترقوي التساهمي خلال الأشهر المقبلة وحتى أولئك الذين مشكل السكن غير مطروح عندهم بدأ التصدع يصيب فعلا ميزانيتهم مع بداية العام الجديد.. حقيقة المعادلة صعبة للغاية لكن مع الجزائريين كل شيء ممكن ..وعلى العموم أتمنى مثلي ومثل كل الجزائريين أن تمر سنة 2016 على خير وأن تكون إجراءات التقشف بردا وسلاما على المواطنين. الأمر سواء بالنسبة ل "عبد الغني" عون حراسة والذي تحسر على وضعيته وأجرته الشهرية التي كان يتمنى أن تتحسن لكن على ما يبدو ستزداد تدهورا، أما عن الأزمة الاقتصادية أكد أنه كان يفكر في إتمام نصف دينه لكن هذا الحلم ربما سيتأجل لعدة سنوات أخرى، مضيفا أنه كان في انتظار الحصول على سكن في إطار صيغة "عدل" لكنه لن يتمكن من دفع الأقساط المتبقية خاصة وأن الحكومة لجأت في إطار إجراءات التقشف إلى إضافة قسط رابع وهو ما جعل دفعها يكاد يكون مستحيلا ومن غير الممكن الاستدانة أو الحصول على قرض من البنوك التي تعاني هي الأخرى من نفس الأزمة، وعليه إذا بقي الوضع على ما هو عليه فسيهاجر إلى الخارج مع أول فرصة تسنح له هروبا من "الميزيرية" التي ستتضاعف مع الأزمة الاقتصادية علما أن المواطن البسيط يعيش فيها من قبل، لكنها اليوم ستكون أكبر. "نوال" أستاذة في إحدى الثانويات بالعاصمة وأم لأربعة أطفال، عبرت عن تذمرها الكبير من غلاء المعيشة والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بعد تهاوي أسعار البترول، مضيفة أن المواطن رغم أنه لا يد له فيما يجري يدفع في كل مرة الثمن من خلال إجباره على تحمل إجراءات التقشف التي فرضت عليه من طرف الحكومة، معتبرة في ذات السياق رفع الأسعار جريمة في حق المواطن البسيط الذي يكون الضحية الأولى في كل الأزمات التي تمر بها الجزائر، فمن المفروض أنتكون الدولة مستعدة لمثل هذه المطبات قبل حدوثها حتى لا يؤثر ذلك على المواطنين. عمي "البشير" متقاعد عاد بنا خلال حديثنا معه إلى تلك السنوات القاسية التي مرت على الشعب الجزائري في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، مؤكدا أن جيل تلك الفترة عاش أوقاتا صعبة بسبب ندرة المواد الاستهلاكية كالزيت، السكر، القهوة، الحليب والطماطم التي كانوا يقفون في طوابير طويلة لساعات من أجل الحصول عليها، مضيفا أنه من العيب أن تعود تلك الأيام على بلادنا التي تملك أراضي زراعية شاسعة وسياحة واعدة وغيرها من الإمكانيات المادية والبشرية التي ستسمح لها بتجاوز هذه الأزمة. حاولنا في هذه الجولة أن نقترب من مختلف الفئات الاجتماعية حيث دفعنا ذلك للحديث مع شباب أصحاب الشهادات العليا كونهم معنيون أيضا بالوضع الراهن، حيث اعتبر هؤلاء فرصهم منعدمة في الحصول على وظيفة خاصة وأن القطاع العام حسب تصريحات الجهات المعنية أعلنت عن غلق باب التوظيف واحتمال اللجوء إلى تسريح العمال، أما العمل بالقطاع الخاص فسيكون حتما بأجرة زهيدة لا تلبي حاجته لعمل يضمن له مستقبله، مؤكدين أن سياسة التقشف ستفرض على الفئات الهشة لا غير. في المقابل اعتبر بعض الشباب سياسة التقشف تضخيما للأزمة وهي مجرد خطوة لجأت إليها الحكومة من أجل ترشيد النفقات لأنه من غير الممكن أن تكون الحالة الاقتصادية للبلد كما يتم الترويج لها خاصة وأن بعض القطاعات حسب تصريحات الوزراء لم تتأثر بالأزمة وهي مستمرة في إنجاز مشاريعها.