مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: أفلام وثائقية فلسطينية تنقل تفاصيل حرب الإبادة في غزة    معرض وطني للألبسة التقليدية بقسنطينة    لضمان تغطية تأمينية ملائمة قطاع الفندقة.. توقيع اتفاقية تقنية بين صندوق التعاون الفلاحي وفيدرالية الفندقة والسياحة    قرار إبطال الاتفاقين التجاريين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب سيكون له أثر مهم على "الاجتهاد القضائي" للمحكمة    كرة القدم/كأس الكونفدرالية الإفريقية: اتحاد الجزائر يفتتح المنافسة أمام اورابا يونايتد (بوتسوانا)    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.. الشروع في الضخ التدريجي لمادة البن بالسعر المسقف في أسواق الجملة    اللجنة العربية لنظم الدفع والتسوية تجتمع بالجزائر.. بحث سبل تعزيز التعاون بين المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية    اجتماع تنسيقي بوزارة الصحة لمتابعة الوضعية الصحية بالمناطق الحدودية    حمدان: معركة "طوفان الأقصى" مستمرة على خطى الثورة الجزائرية المباركة    الرئاسيات بتونس: فوز قيس سعيد بعهدة ثانية بنسبة 7ر90 بالمائة    قرار رئيس الجمهورية زيادة المنحة السياحية سيعطي أريحية للمواطنين الراغبين في السفر    سفير الصين بالجزائر يشيد بمستوى التعاون بين البلدين    سفير اليابان ينوه بمستوى العلاقات الممتازة بين الجزائر وبلاده    قالمة.. الشروع قريبا في إنجاز أكثر من 2000 وحدة سكنية جديدة بصيغة العمومي الإيجاري    النعامة.. إطلاق عملية لمكافحة التصحر على مساحة تفوق 230 هكتار    الرئيس النمساوي يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    اجتماع مكتبي غرفتي البرلمان وممثل الحكومة    غرداية.. 9 اتفاقيات تعاون لتدعيم فرص التكوين عن طريق التمهين    انطلاق البرنامج الوطني للتظاهرات الرياضية بالمدارس المتخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة    محرز يخيّب الآمال    الانضمام لمجلس التجديد الاقتصادي الجزائري    المجلس الشعبي عضو ملاحظ    هادف يثمّن مضمون اللقاء الدوري للرئيس مع الصحافة    كيف ستؤدي الحرب الحالية إلى هزيمة إسرائيل    انتشار فيديوهات تشجّع على زواج القصّر    صهاينة يقتحمون باحات الأقصى    وقفة تضامنية في ذكرى العدوان الصهيوني    سوناريم.. أول مختبر منجمي مُعتمد بالجزائر    لا زيادات في الضرائب    إجمالي ودائع الصيرفة الإسلامية لدى البنوك يفوق 794 مليار دج    فتح التسجيلات اليوم وإلى 12 ديسمبر 2024    ارتفاع قياسي في درجات الحرارة بداية من نهار اليوم    خنشلة : فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية توقيف 04 أشخاص قاموا بتقليد أختام شركة    رفع منح.. السياحة والحج والطلبة داخل وخارج الوطن    مستغانم : الشرطة القضائية بأمن الولاية توقيف مدبر رئيسي للهجرة غير الشرعية    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    مطالبة أطراف فرنسية مراجعة اتفاق 1968 هو مجرد "شعار سياسي"    الحوار الوطني الذي كان قد أعلن عنه سيكون نهاية 2025    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: عرض أعمال تروي قصص لتجارب إنسانية متعددة    بجاية: مشاركة 9 فرق أجنبية في الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للمسرح    رئيس الجمهورية يأمر بمتابعة حثيثة للوضعية الوبائية في الولايات الحدودية بأقصى الجنوب    رئيس الجمهورية يأمر برفع قيمة المنحة السياحية ومنحتي الحج والطلبة    الجائزة الدولية الكبرى لانغولا: فوز أسامة عبد الله ميموني    خلال تصفيات "كان" 2025 : بيتكوفيتش يسعى لتحقيق 3 أهداف في مباراتي توغو    ما حقيقة توقيف إيمان خليف؟    افتتاح مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    السيتي: محرز ساحر العرب    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    انطلاق عملية التصويت للانتخابات الرئاسية في تونس    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجال حول الفقر في بريطانيا بين اليمين واليسار
نشر في صوت الأحرار يوم 16 - 11 - 2009

في خرجة اعتبرت غير متوقّعة منه بسبب خلفيّته الإيديولوجيّة وسياسات حزبه المرتبطة بمصالح الطبقة الثريّة في المجتمع، اتّهم دافيد كامرون، زعيم حزب المحافظين، سياسة حكومة العمّال بالفشل الذريع في محاربة الفقر في المجتمع، والتي أدّت أيضا، كما يقول، إلى تفتيت المجتمع والقضاء على مشاعر التضامن والإحساس بالمسؤوليّة الفرديّة والجماعيّة وإلى تعويضها بالتبعيّة للدّولة. غير أنّ اليسار أجمع على أن مبادرة كامرون ليست سوى مجرّد خطاب نوايا.
في كلمة له يوم الثلاثاء المنصرم قال دافيد كامرون : »أنّ حجم الدّولة ونطاقها ودورها بلغ في بريطانيا إلى درجة أصبحت مثبّطة لبلوغ أيّ هدف تقدّميّ سواء تعلّق الأمر بتقليص الفقر أو محاربة التفاوت الإجتماعي أو ترقية الرّفاه الإجتماعي«.
والبديل الذي يقترحه دافيد كامرون للدّولة المهيمنة هو المجتمع القويّ، حيث يقول:»إذا أدّت هيمنة الدّولة إلى تفتيت المجتمع، فإنّ ذلك لا يعني أنّ تصغير حجمها سيؤدّي إلى أن تعود اللّحمة بين أعضاء المجتمع... البديل الذي نقترحه للدّولة المهيمنة ليس تغييب الدّولة - أيّ الرّجوع لصيغة من الصيغ القديمة المرتبطة بإيديويوجيّة السوق الحرّة. بديلنا للدّولة المهيمنة هو مجتمع قويّ ... تتولّى الدّولة نفسها بَعْثُه... وأوّل مرحلة في هذا المسعى تبدأ بإعادة توزيع السلطة من مركز الدّولة وهياكلها إلى الأفراد والجماعات المحليّة والمنظّمات الجمعويّة«.
ولم يُفوّت دافيد كامرون الفرصة ليذْكر في خطابه أنّ فترة حكم حزب العمّال من سنة 1997 إلى اليوم شهدت أهمّ مرحلة لتوسّع نطاق تدخّل الدّولة ببريطانيا منذ الحرب العالميّة. وقد لاحظ كثير من المعلّقين كيف أنّ كامرون تناسى فترة حكم حزب المحافظين والممتدّة من 1979 إلى 1997 والتي عرفت تراجع دور الدّولة تراجعا يكاد يكون كليّا. وقد نتج عن ذلك الإنسحاب آثار جدّ وخيمة على الفئات التي تعاني الفقر والأميّة.
ويسجّل الباحث ميكائيل وايت أنّ هذا الخطاب الجديد للمحافظين يتّسم بنوع من اللّيونة تجاه الدّولة، مقارنة سواء بخطابهم الإعتياديّ أوما جرى ترويجه مؤخّرا أثناء مؤتمر حزبهم السّنويّ في أكتوبر الماضي. الجديد في هذا الخطاب أنّه، كما يضيف وايت، لم يعد ينفي دور الدّولة نفيا قاطعا، بل يقترح إعادة النظر في ذلك الدور الذي يقول كامرون أنّه سيكون صغيرا بل وربّما ضروريّا أثناء الأوقات الصّعبة. وهذا ما يؤكّده أيضا مدير مركز البحوث »ديموس«، خليّة إبداع نظريّة الطريق الثّالث لفائدة زعيم حزب العمّال السّابق توني بلار، والذي يرى في تلك المبادرة محاولة من كامرون للتّراجع عن خطابه الفجّ المعادي للدّولة.
و اتّهم كامرون حكومة العمّال بالفشل في بلوغ هدفها في محاربة الفقر إذ: »أنّ النموّ الحاصل في حجم الدّولة قد أثّر على الإحساس بالمسؤوليّة الفرديّة والجماعيّة وأدّى إلى إنعاش الأنانيّة والفرديّة بدلا من تعزيز التضامن الإجتماعيّ«.
ويرى كامرون: »أنّ التركيز على المسؤولية مهمّ جدّا. فعندما تمّت إقامة دولة الرّفاه الإجتماعيّ، كان لأمّتنا قيم ثقافيّة - مثل رغبة الأفراد في تحسين أوضاعهم بأنفسهم، والتعاضد، والأحساس بالمسؤوليّة. وهذا ما كان ملموسا في القيم السائدة في المجتمع مثل تقدير العمل والمسؤوليّة الأبويّة والتعلّق بالطّموح.
ولكنّ تضخّم الدولة أدّى إلى أن فقد الأفراد المبادرة للقيام بكثير من المهامّ التي كان من الواجب عليهم، وفي إمكانهم، أن يقوموا بها سواء لفائدتهم الشّخصيّة أو الأسريّة أو لصالح جيرانهم... وهكذا، أدّى ما كان الهدف منه تحقيق التضامن الإجتماعي إلى مزيد من تفتيت المجتمع... و تمّ تعويض ما كان يربط طبيعيّا بين الأفراد، من واجبات ومسؤوليات، بروابط اصطناعيّة تغرسها الدولة بواسطة القوانين والإجراءات البيروقراطيّة«.
والحل الذي يقترحه دافيد كامرون لمحاربة الفقر: »يتضمّن شقّين، الأوّل هو تحقيق مزيد من العدل في الإستفادة من الفرص المتاحة - والتي يلعب التعليم فيها دورا مركزيّا - وثانيا، المساعدة بشكل فعّال على خلق مجتمع أقوى ومسؤول أكثر«، وذلك بالمساعدة على بعث جيل من المتطوّعين المؤمنين: »بتحمّل المسؤوليّة، والتعاضد وأداء الواجب«.
ويضيف كامرون قائلا: »أنّه لمحاربة الفقر والتفاوت الإجتماعي والتدهور الإجتماعيّ والمَظْلمة، أُفضّل تعويض تدخّل الدّولة بتدخّل المجتمع، على أن تلعب الدّولة الدور الحاسم في تحقيق هذا التحوّل«.
ويرى الباحث ميكائيل وايت أنّ إقدام دافيد كامرون على التّصريح بهذا الخطاب الجديد عن الفقر ليس فقط محاولة سافرة لاقتحام عرين حزب العمّال، وإنّما هو أيضا إعلان حرب على سبب من أسباب وجود حزب العمّال أصلا. وهناك من اتّهم زعيم حزب المحافظين بارتداء ملابس العمّال، حيث أنّ خطابه كان أقرب إلى خطاب توني بلار الزعيم العمّالي صاحب مشروع حزب العمّال »الجديد«.
وترى صحيفة الغارديان أنّ هذه المبادرة من زعيم المحافظين ترنو فحسب لتقديم الحزب في صورة جذّابة، دون أن يعكس ذلك أيّ قناعة حقيقيّة بين صفوف المحافظين بمحتواه، ربّما باستثناء عدد قليل جدّا من المرجّح أن يكون من بينهم دافيد كامرون شخصيّا.
أمّا أليستر دارلينغ، وزير المالية، فاتّهم كامرون بأنّه يريد العودة إلى سياسة بيوت الفقراء وإلى تلك الأيّام التي كان يلجأ فيها المحتاجون إلى الجمعيّات الخيريّة. وأكّد: »أنّ الدّولة مؤهّلة دوما على أن تحقّق الأفضل، سواء لتمكين أصحاب المشاريع الخاصّة من النّجاح أو لمساعدة المحتاجين أنفسهم«.
أمّا جمعيّة »مجموعة العمل لمحاربة الفقر بين الأطفال" فقد رحّبت باعتراف زعيم حزب المحافظين بأنّ الفقر غير مقبول، ولكنّها قالت أنّ مقترحاته لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية لمعالجة الأسباب المؤدّية للفقر. وأكّدت مديرتها التنفيذيّة على أنّ: "الدّولة وحدها هي القادرة على إعادة التوزيع الثروة لفائدة الأشدّ فقرا«.
وحسب رأي إيفات كوبر، وزيرة العمل والتقاعد في حكومة العمّال، فإنّ كامرون يخطّط: »للعودة إلى سياسة مارغريت تاتشر التي تسبّبت في بطالة طويلة المدى أدّت إلى مضاعفة نسبة الفقر بين الأطفال«.
وتضيف الوزيرة إيفات كوبر أن: »القطاع الجمعويّ والجماعات المحليّة يقومان الآن بدور محوريّ في محاربة الفقر، وفي غالب الأحيان، عبر العمل مع قطاع الدّولة وبفضل تمويل عموميّ. غير أنّ هذين القطاعين ليس في مقدورهما أداء تلك المهمّة بمفردهما«، وقالت إنّ كامرون إذ يدعو إلى انسحاب الدّولة تاركا كلّ المهمّة للقطاع الجمعويّ والمجتمع المدنيّ، فإنّ ذلك في حدّ ذاته دعوة سافرة: »للعودة إلى سياسة تاتشر، بل إلى ليبراليّة القرن التاسع عشر، والتي بمقتضاها تستتنكف الدّولة عن محاربة الفقر، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تخفيض الظريبة على ملاك العقّارات«.
وفي نفس الإطار، يقول جورج مولغان، مدير لجنةٍ مهتمّة بشؤون المجتمع المدنيّ: »أنّ المجتمع المدنيّ عندنا في صحّة جيّدة. والمهمّ ليس في حجم الدّولة بل في تفاصيل ما تقوم به ... وكيفيّة العلاقة التي تربط بينها وبين المجتمع المدنيّ«.
أمّا بولي تويْنبي، الصّحافيّة اليساريّة التى قادت النّقاش، والذي فتحة كامرون حول الفقر، على شبكة الأنتارنات، فترى أن: »هذه الدّعوة ليست رجوعا إلى الليبراليّة القديمة لأنّ مساعدة الأسر والأفراد والجمعيات الخيريّة والجماعات المحليّة للتعاون من أجل حلّ المشاكل أمر يرغب فيه الجميع... المهمّ، كما توضّح، أنّ نعرف كيف يمكن بلوغ تلك الأهداف، وبأي مبلغ من الميزانيّة، ومَا هو مصدرهذه الأموال، أو ماذا سيكون دور الحكومة؟ وكم عليها أن تدفع«. وتلاحظ أنّه: »كما هو الحال دوما لدى المحافظين، ليس هناك سياسة مقترحة، بل مجرّد انتقادات للتّقصير مصحوبة بقائمة من التمنّيات حول فضائل اجتماعيّة يُؤمّل أن تتحقّق بعصا سحريّة... وهي أمور سرعان ما تنكشف حقيقتها بمجرّد استحظار مقولات المحافظين التقليديّة«.
ويعقّب الباحث ميكائيل وايت موضّحا أنّ القول بأن النّاس أحرار ليس كافيا في حدّ ذاته، لأنّ شروط الحريّة يجب أن تتجسّد، وبعد ذلك فقط يمكن للمحافظين أن يقترحوا على النّاس أن يتمتّعوا بالحريّة.
وفعلا، وفي انتظار ما قد يكشفون عنه من خبايا سياستهم بهذا الشّأن قبل الإنتخابات، فقد بادر زعيمهم دافيد كامرون لنقد سياسة العمّال الهادفة لتعزيز مداخيل ذوي الأجور المنخفظة.
وكان حزب العمّال قد أعلن في سنة 1999 أنّ هدفا تاريخيّا من أهدافه هو: »أنّ جيلنا سيكون أّوّل من يضع حدّا نهائيّا للفقر«، ووقتها وعد توني بلار بمحاربة أسباب ومظاهر فقر الأطفال، بما تعنيه من بطالة هيكليّة، وضعف التّحصيل المدرسيّ، وسوء السّكن، والجريمة واستهلاك المخدّرات. وفي ذلك الإطار، التزمت قيادة الحزب بتخفيض عدد الأطفال الذين يعانون من آثار الفقر إلى الرّبع سنة 2005 وإلى نسبة النّصف سنة 2010 قبل القضاء على الفقر نهائيّا سنة 2020. وكان عدد الأطفال الفقراء سنة 1998 يصل إلى 3.4 مليون.
ولكنّ المبلغ الذي خصّصته حكومة العمّال لم يكن كافيا لبلوغ تلك الأهداف الطموحة. ومع ذلك، تفتخر إيفات كوبر: »بأنّ ما تحقّق من انخفاظ لمعدّل الفقر بين الأطفال خلال السّنوات 12 الماضية، أيّ فترة حكم العمّال، يعود إلى كوننا أدخلنا العديد من الإجراءات الجديدة ضمن نظام الرّفاه الاجتماعي«. وذكّرت أنّ حزب المحافظين كان قد رفض الموافقة على بعض تلك الإجراءات.
وبسبب هذا التّقصير في الوفاء بوعودها، لم تعد حكومة العمّال تتكلّم عن هدف 2010 منذ أشهر خلت. بل ويبدو أنّ هناك قناعة سائدة لدى أعضائها بالفشل في بلوغ ذلك الهدف، فانتقل تركيز اهتمامها على الهدف البعيد المدى، أيّ إزالة الفقر نهائيّا سنة 2020. وفي رأي المديرة التنفيذيّة ل: »مجموعة العمل لمحاربة الفقر بين الأطفال« فإنّ السّبب في الفشل لتحقيق هدف 2010 يعود: »لغياب الإيمان بالقضيّة على المستوى القياديّ«.
غير أنّ حقيقة الأرقام تقول أنّ حكومة العمّال تمكّنت خلال العشريّة المنصرمة من إنتشال أكثر من 600.000 طفل من وضعيّة الفقر، وذلك بفضل مجموعة من الإجراءات مثل: رفع مبلغ المساعدة لفائدة الأطفال، إعفاء ضريبيّ لفائدة الأولياء، تحديد الأجر الأدنى، خدمات ضمن برنامج: »شور ستارت« لفائدة الأطفال في الأحياء الفقيرة.
وبدون هذه الإجراءات ما كان من الممكن إيقاف موجة ارتفاع الفقر التي خلّفها حكم المحافظين. وكانت سنوات الثمانينات قد شهدت نسبة من الإفقار نادرة الإرتفاع في تاريخ المملكة المتّحدة بل وفريدة عبر العالم، حيث بلغت نسبتها إلى أكثر من الضعف ما بين 1979 و 1997 مخلّفة أكثر من ربع عدد الأطفال لبريطانيين في معاناة الفقر. في حين وصل الرقم في نفس الفترة إلى 10 فى المئة بألمانيا وأكثر من 7 في المئة في السويد.
ومن جهتها أكّدت مؤسّسة جوزيف رُووْنتري المستقلّة أن معدّل الفقر انخفض فعلا وأنّ الهوّة بين أفقر المناطق في البلاد وباقي أنحائه قد تدنّت. كما توصلت إلى أنّه على الرّغم من أنّ المرأة تعاني من الفقر أكثر من الرّجل، إلا أن الفارق بينها وبين الرّجل قد ضاق. هذا، بالإضافة إلى أنّ نسبة الفقراء بين المتقاعدين قد قلّت.
وحتّى دافيد كامرون نفسه لم يجد بُدّا من الإعتراف بفضائل بعض تلك السياسات التى اعتمدها حزب العمّال في التّقليل من الفقر، وأن يُقرّ بأنّ المصاريف التي سُخّرت لذلك الهدف لم تضع سُدى.
غير أنّ مدير جمعيّة: »أنقذوا الأطفال« ذهبت إلى أنّه حتّى في حالة بلوغ هدف الحكومة المسطّر لسنة 2010، فإنّ بريطانيا ستبقى في طليعة قائمة الدّول الأوروبيّة من حيث نسبة الأطفال الذين يعانون من الفقر.
وقد حدّد حزب العمّال مدلول الفقر بين الأطفال بإحصاء عدد الأطفال الذين ينتمون لأسرة تتلقّى مدخولا يقلّ ب60 في المئة عن معدّل دخل الأسرة، بعد إنقاص تكلفة الكراء. وهو مبلغ يفوق مئة وثلاثين ألف دينار جزائري شهريّا بالنّسبة لأسرة من أب وأمّ وطفلين.
والحديث عن معاناة الأطفال من الفقر، بدلا من الفقر بحدّ ذاته، هدفه الإضعاف من حدّة الميل لتحميل الفقير مسؤوليّة وضعه، والحال أنّ الأطفال لا يمكن إلصاق هذا اللّوم بهم. ومع ذلك، لم يتحقّق تجنيد الرّأي العام للإقتناع بمحاربة الفقر داخل البلاد، حيث لا يتوان البريطانيون عادة في التّبرّع لفائدة الفقراء في دول أخرى بإفريقيا وغيرها. ويرى الباحثون أنّ هذا الإحجام عن التعاضد مع فئة الفقراء داخل البلاد قد يعود إلى القناعة بأنّ حل مشكل الفقر داخل البلاد تكمن في إعادة توزيع الثروة الوطنيّة.
وللتّوضيح، فإن تعريف الفقر في المملكة المتّحدة يختلف عن ذلك المتداول في دول ما يسمّى بالعالم الثالث، حيث لا يُقصد به توفُّر الأساسيات مثل السّكن والعلاج والأكل، بل إنّ الفقر هنا يتعلّق بمسائل أخرى مثل حيازة معطف شتويّ أو عدم التمكّن من قضاء إجازة مريحة أو عدم التمكّن من الذّهاب لأداء حصّة سباحة. وبالتّالي فهو لا يرتبط أبدا بالجوع مثلا، بل بالأكل غير المنتظم وغير الصحيّ وبعدم التمكّن من تلبية رغبات الأبناء الجموحة.
وتري توينبي أنّ حكومة العمّال التي بذلت مجهودا كبيرا لتخفيض نسبة الفقر، قد فشلت في إقرار أنّ المجتمع قد فقد خاصيّة التضامن الإجتماعي. وغياب هذه الرّغبة في التآزر لدى الرّأي العام، تقول، ليس سببا في الفقر، بل حال دون تقبّل الأولويّة في تسهيل عمليّة تقليص الفوارق والفقر بالمستوى الذي أراده حزب العمّال. وهذه النزعة الإنانيّة، شجّعها الميل الإستهلاكي والإعتقاد في وهم الثّراء المفاجيء.
غير أنّ خطاب المحافظين الجديد حول الفقر هو في حدّ ذاته مؤشّر على أنّ دائرة المقتنعين بأنّ الفقر هو أمّ المآسي الأخرى من جريمة، وتدنّي الصحّة، وتدنّي التّحصيل التعليمي، وضعف التّأهيل للعمل أصبحت مؤهّلة للإتّساع.
إلا أنّه مهما كانت نوايا دافيد كامرون من خطابه حول واقع الفقر في بريطانيا، فإنّه سيدفع حزب العمّال إلى التّفكير الجدّي في العودة للإهتمام بوعائه الإنتخابي الذي دأب زعماؤه على أن يراهنوا على وفاء أعضائه وعدم التّصويت لغيره. ما تأكّد هو أنّ أنصار حزب العمّال يُفظّلون أكثر الإمتناع عن الذّهاب لصناديق الإقتراع في الإنتخابات الجزئيّة. وبهذه المبادرة التي خرج بها دافيد كامرون، ربّما يكون المحافظون قد دلّوا حزب العمّال على طريق ناجعة لاسترداد نسبة كبيرة من أصوات أنصاره الأصليين الذّين قد يكونوا غير راضين عن »انحراف« حزبهم إلى جهة اليمين. يبقى السّؤال كيف؟ بعد أن جفّت خزينة الدّولة بسبب الأزمة المالية وفي وقت بلغت ديونها مستوى من العلوّ لا يضاهيه فيها سوى بضعة دول عبر العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.