تعيش الساحة السياسية البريطانية حالة ترقب على وقع الانتخابات العامة التي ستنطلق يوم غد لتحديد المستقبل السياسي للوزير الأول غوردن براون ومعه حزب العمال في ظل المنافسة الشرسة التي أصبح يشكلها حزب المحافظين الذي تؤشر كل المعطيات انه عائد بقوة إلى الواجهة السياسية في المملكة المتحدة بعد انكماش دام عدة سنوات. وإذا كانت هذه الانتخابات تشكل تكريسا لتنافس تقليدي بين اكبر حزبين في البلاد العمالي والمحافظين فإن هذه القاعدة يبدو أنها فقدت مصداقيتها في موعد يوم غد بعد أن دخل نيك كليغ زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي المنافسة كرقم جديد في معادلة انتخابية بمجاهيل كثيرة. وترشح كل المؤشرات التي سبقت هذه الانتخابات ونتائج عمليات السبر المختلفة أن غوردن براون سيكرس الانتكاسة السياسية لحزب العمال الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها بسبب مواقف أمينه العام التي لم ترق لإرضاء عامة الشعب البريطاني وأدت إلى تشكيل جبهة معارضة واسعة ضده. فقد فشل براون في إعادة الثقة المفقودة للناخبين البريطانيين في حزبه رغم الوعود التي قدمها سنة 2007 حتى ينسيهم تبعات سياسة وقرارات سابقه طوني بلير الذي انهارت شعبيته هو الآخر بسبب مواقفه ''الإمعية '' وتلبيته لكل ما كان يطلبه منه الرئيس الأمريكي جورج بوش دون تمحيص رغم أضرارها بمصالح المملكة المتحدة وخاصة ما تعلق باجتياح العراق والإطاحة بنظامه السابق. وأصبحت مكانة براون أكثر هشاشة على رأس الحكومة وبأقل الحظوظ لضمان أغلبية برلمانية مريحة بعد أن سطع نجم منافسه دافيد كامرون الذي تولى قيادة حزب المحافظين سنة 2005 وهو لم يتعد الثالثة والأربعين من العمر وتنامت شعبيته وسط الناخبين البريطانيين بعد أن انتهج خطابا جديدا لم يمنعه حتى من إدخال مسائل حماية البيئة في برنامجه السياسي وكذا الدفاع عن الخدمة العمومية الأساسية في قطاعي التربية والصحة. ورغم أن كامرون كان قبل أشهر بمثابة الاكتشاف بالنسبة للناخبين البريطانيين في السنوات الأخيرة إلا أن نجمه تراجع بريقه امام بروز نجم شخصية سياسية أخرى أصبحت تهدد بكسر قاعدة التداول الثنائية على السلطة البريطانية بين عمالي ومحافظ بعد أن دخل نيك كليرغ المعترك السياسي على رأس الحزب الليبرالي الديمقراطي كبديل محتمل لخارطة سياسية بريطانية لم تعرف تغييرا منذ الحرب العالمية الثانية. واستطاع كليغ الذي تدرج في سلم المسؤوليات السياسية داخل حزب المحافظين منذ تخرجه من جامعة اوكسفورد المرموقة أن يبرز بشكل لافت منذ عهد الوزير الأول الأسبق جون ميجور وأهلته شخصيته وهو في سن الثالثة والأربعين أن يكسب ود البريطانيين وتمكن هو الآخر من كسب ودهم مما جعل شعبية كامرون تتهاوى بنسبة 20 بالمئة العام الماضي بمجرد ظهوره على رأس الحزب الديمقراطي الليبرالي وبديلا عن الحزبين التقليديين. ورغم الانتقادات التي وجهت له بسعيه لكسر الثنائية السياسية التي احتكرها العماليون والمحافظون إلا أنه تمكن في كل النقاشات التلفزيونية من كسب كل السجالات السياسية لصالح مقارباته وشجعه ذلك للتأكيد على قدرته على إنهاء هذا الاحتكار أو على الأقل الدخول في حكومة ائتلافية لا يمكن أن تقفز على طموحاته المتزايدة لاحتلال مكانة تحت شمس خارطة سياسية بريطانية بدأت تفقد كثيرا من خصوصياتها التاريخية. ودفع هذا التنافس الثلاثي الأطراف بكثير من المتتبعين للشأن البريطاني إلى التأكيد على استحالة تمكن أيا من الأحزاب الثلاثة من تحقيق الأغلبية المطلقة في غرفة العموم مما سيحتم عليهم الدخول في تعايش نيابي في برلمان هش سيقود إلى تشكيل حكومة أكثر هشاشة قد تقود في النهاية إلى حدوث أزمات سياسية قد تعجل برحيلها وبالتالي الدعوة إلى انتخابات نيابية مسبقة.