انتظم بالجزائر هذا الأسبوع ملتقى حول الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج من طرف لجنة العلاقات الخارجية والهجرة بالمجلس الشعبي الوطني• وإذا كانت المبادرة في حد ذاتها أكثر من هامة، فإن الذي يجب أن يتم التركيز عليه هو الاستمرارية والمتابعة والجدية حتى تجد التوصيات والمطالب المنبثقة عن هكذا ملتقيات طريقها إلى العناية والتنفيذ إن على مستوى الجزائر أو على مستوى الدول المُضيفة للجالية الجزائرية الملتقى طرح الكثير من الإشكاليات التي تهمّ الهجرة، سواء فيما تعلق بوجودها في البلد المضيف ومواجهتها للعديد من المشاكل التي تتطلب تدخل الدولة الجزائرية ومؤسساتها المعنية، خاصة ما تعلق بضمان حقوقها التي تنص عليها اتفاقيات ثنائية أو تلك التي تتم المصادقة عليها عبر اللجان الكبرى المشتركة والتي تعقد دوريا على مستوى رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية وأحيانا على مستوى رئيسي الدولتين، أو فيما يتعلق بواجباتها نحو الوطن• الدول المعروفة بظاهرة تعمل بكل الوسائل لربط جالياتها بالوطن من خلال العديد من الوسائل، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، المدارس الخاصة التي تستقطب أبناء المهاجرين حتى لا ينقطعوا ثقافيا وتاريخيا عن الوطن وكيما تبقى الصلة قائمة حتى لا تذوب الهوية الثقافية ومن خلالها الهوية الوطنية• ربط الهجرة بالوطن من خلال بنوك تفتح فروعا لها بالدول التي تتواجد فيها حتى تستقطب التحويلات المالية بطريقة رسمية تساهم في إنعاش الإقتصاد الوطني بدل ما يجري حاليا عبر السوق الموازية• فتح المجال أمام المهاجرين للإستثمار في الوطن بتسهيلات مميزة عن كل المستثمرين الأجانب وحتى المحليين، وهو الأمر الذي يفتح الباب لتدفق رؤوس الأموال من جهة وإحداث مناصب شغل من جهة أخرى ونقل التكنولوجيا ثالثا، دون أن تتحدث عن ما سيترتب على ذلك من انعكاسات وامتدادات اقتصادية أخرى تساهم في الإنعاش الإقتصادي والإجتماعي، وتمد جسور التواصل بين أبناء الجالية عبر أجيالها المتعاقبة بالوطن• استقطاب الكفاءات والقدرات العلمية التي أثبتت قدراتها وكفاءتها في الدول التي تتواجد فيها واحتلت فيها أعلى المناصب سواء في الجامعات أو مراكز البحث العلمي، وهو الأمر الذي يتطلب جهدا خاصا تجاه هذه الفئة ليستفيد الوطن من خبراتها ويخلق نوعا من التواصل الدائم بينها وبين القدرات والكفاءات التي تتواجد في الجزائر على مستوى الجامعات ومراكز البحث العلمي والمستشفيات، لإعداد الدراسات في مختلف المجالات التي تتطلبها عملية التنمية حتى تتمكن الدولة من الاستفادة منها في وضع المخططات الإنمائية، كما يمكن لهذه القدرات أن تساهم في وضع الحلول للكثير من المشاكل المستعصية، الاجتماعية أو الاقتصادية بالنظر إلى الرصيد الذي تمتلكه من التجربة في العمل بالدول التي تتواجد فيها• وأعتقد أن السيد رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم كان مصيبا، بل حريصا على أن يكون للجالية الجزائرية في الخارج موقع في معركة التنمية التي تخوضها الجزائر حينما أكد على "أهمية توسيع فضاء التشاور مع الجالية للتوصل إلى إيجاد إطار منظم لها والتمكن من خلق جسر للتواصل ما بين أفراد الجالية والوطن الأم"• من خلال الطروحات التي تقدم بها ممثلوا الجالية في هذا الملتقى، تأكّد وعيهم التام بالدور المنوط بهم مستقبلا من أجل التواجد، وبقوة، في مسيرة التنمية والإسهام بكل الإمكانيات المادية والعلمية والتكنولوجية في تطور الوطن وربح المعركة الشرسة التي يخوضها من أجل النهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن ذلك مرهون بجدية العمل لتوفير الآليات التي تساعدة في تحقيق ذلك، والحرص على ترجمة التوصيات إلى واقع ملموس. والخطوة الأولى تبدأ من هنا، من الجزائر، حتى تكون مثل هذه الملتقيات، فعلا، ذات أثر في الحياة الاقتصادية وليست مجرد مظاهرات تنعقد لينتهي بمجرد رفع جلسة الاختتام•