ولو أن السحب لم تنقشع تماما.. ولو أن تجار الحقد والكراهية لم ييأسوا كلية، فإن صوت العقل الذي غاب وافتقدته مصر في الأسبوع الأسود بدأ يتحرك وشرع في المطالبة بمحاسبة الفاشلين الخائبين الذين حاولوا بكل السبل تصدير هزيمتهم إلى الجزائر وإن على حساب التاريخ والأخوة والمصلحة والمستقبل. ومن دون شك فإنه بعد صدور قرار الفيفا غدا، ستتوجه نصال النقد والغضب إلى من كان يتوجب على الشعب المصري أن يوجهها بدل الركض وراء إعلام خادع ومضلل في خدمة زبائن لا تهمهم الرياضة والرياضيين ولا كرامة مصر والمصريين إلا بقدر تحويل المناصرين إلى متعصبين في خدمة أهداف سياسية معروفة. ولئن كان قد بدا في غمرة الحملة المسعورة ضد الجزائر شعبا وتاريخا ورموزا أن كل من له صوت في مصر، قد وظفه في شتم الجزائر والجزائريين، فإن انقشاع السحب في الأيام القادمة، سيكشف بلا شك أن هناك المئات من المثقفين والفنانين والإعلاميين المصريين ممن حجروا على أنفسهم الولوج في حمأة الحمق والتلاسن المشين، وممن رفضوا رفضا قاطعا أن يرهنوا ضمائرهم على مذبح الخزي والعار... ويكفي أن يسجل الجزائريون الذين راقبوا "المقعرات" المصرية الخاصة، وما هي بخاصة، أن الفنان الكبير القدير نور الشريف مثلا، لم يدل بدلوه في المستنقع العفن، الذي غرف منه أشباه الفنانين والمثقفين. نعم من حق فناني مصر ومثقفيها وراقصاتها حتى، أن يحبوا مصر وأن "يموتوا" فيها كما يقولون، ولكن هل كان عليهم أن يبرهنوا على حبهم ذاك بالتباري في شتم الجزائر والتطاول على التاريخ والشهداء؟ ما هذا الحب الذي لا ينمو ولا يكبر إلا في جو الكراهية والحقد والحسد والغيرة وكل ما نهى عنه ربك من الرذائل والقبائح؟ أعتقد جازما أن لو تسنى للعلم والتكنولوجيا أن تصنع جهازا لقياس الحب، كما هو الحال مع جهاز قياس الكذب، فإنه سيكشف لا محالة الحب المغشوش والانتهازي والكاذب الذي أبداه أدعياء الحب لمصر، كما سيؤكد الحب الصادق والعميق للأولئك الكتاب والممثلين والفنانين الذين أبوا الخوض مع الخائضين في سوق النخاسة والزبالة، كما يقول الإخوة المصريون. فتحية من القلب للفنان الكبير نور الشريف، وتحية لكل فنان مصري لم يعرض فنه وضميره في بورصة الحقد والكراهية للجزائر.