لو تعتذر الجزائر لمصر عن جرم لم ترتكبه .. هل يبقى رأس الجزائر مرتفعا .. ؟ كما تعودنا حتى خلال أحلك ظروف البلد .. وماذا نفعل لو أصبح جمال مبارك رئيسا؟ إذا كررت الفضائيات المصرية مثل هذه الحملة التشويهية في حقنا؟ .. ارفع راسك يا بوتفليقة .. وهذا ليس دعوة .. لأني على يقين أن الرجل الذي لم يطأطأ رأسه في أحلك ظروفه .. لن يفعله وهو »عريس« بانتصارات شعبه وفريقه الوطني وإعلام بلاده .. بدأ النقاش في الصحافة الجزائرية عن سبب الصمت الجزائري الرسمي تجاه الحملة الإعلامية القذرة التي شنتها الفضائيات المصرية وانخرط فيها فنانون وكتاب وسياسيون رسميون وغير رسميين ضد الجزائر، يتمحور النقاش حول السؤال التالي : هل أصاب بوتفليقة أم أخطأ بعدم الرد على هذه الحملة في الوقت الذي تناولها الرئيس حسني مبارك »علنا« مرتين : الأولى في خطابه داخل مجلس الشعب )البرلمان( والثانية في إحدى اجتماعات الحزب الوطني الحاكم في مصر. أما في الجزائر فلا تصريح يذكر ما عدا »كلمة مقتضبة للوزير الأول أحمد أويحيى« مفادها أنه لا يجوز للدبلوماسية الجزائرية أن تنزل مستواها إلى درجة الدبلوماسية المصرية التي اعتبرها تفاهات لا يمكن الرد عليها. والحقيقة أن الدبلوماسية الجزائرية تعودت عدم الرد على كثير من " التصريحات " التي تعتبرها لا تستحق الرد، ليس تجاه مصر فقط بل حتى تجاه فرنسا، حيث لم ترد الدبلوماسية الجزائرية على وزير خارجية فرنسا كوشنير عندما قال عن وزير المجاهدين في استخفاف واضح : »أنه لا يعرفه ..« وصراحة : إن بعض الصمت أبلغ من الرد .. لأن كثيرا من الدبلوماسيين يتعمدون خلق »الحدث« من خلال »إثارة الطرف الآخر«، بهدف جره إلى اللعب الدبلوماسي في ميدانه، ومن ثم تسجيل جملة من النقاط على حسابه .. لكن من خلال الصمت يمكن تسجيل عدد من النقاط بدون جهد وبدون تكلفة .. إنها »دبلوماسية الصمت« أو دبلوماسية »عدم الرد« أو سميها »دبلوماسية التجاهل« .. وأعتقد أنه يجب التأسيس لهذا النوع من الدبلوماسية وتخصيص الدبلوماسية الجزائرية به. ودبلوماسية »التجاهل« مارسها بوتفليقة حتى في السياسة الداخلية، ففي رئاسيات 2004، تعرض بوتفليقة لحملة انتقادات وتجريح لاذعة من قبل عدد من منافسيه، وحاولت الصحافة استدراجه في لقاءات صحفية لرد علي خصومه فكان رده كما يلي : »أنا لاعب كبير، لا ألعب في الميادين الصغيرة .. لا أسب من سبني ولا اشتم من شتمني«. نفس الدبلوماسية مارسها الرجل مع مصر الرسمية. والعمر الدبلوماسي لبوتفليقة هو عمر »أجيال كاملة« فالرجل احتك بالوزارة والدبلوماسية وعمره 25 سنة، في وقت كان فيه الدبلوماسيين الكبار حاليا مجرد موظفين في وزارة الخارجية في مصر أو في غيرها من البلدان. وبدون شك فإن هذه السنين كافية ليعرف من خلالها الرجل كيف يرد ومتى يرد وبأي وسيلة يجب الرد. وحسب كثير من المتتبعين ، فإن الدبلوماسية المصرية لم ترتق إلى مستوى »أم الدنيا«، فالإقدام على سحب السفير المصري من الجزائر بدون وجود مبرر حقيقي لفعل ذلك، كان خطأ، لكن مصر كانت تعتقد أن المبدأ الدبلوماسية الجزائري المعروفة ب »المعاملة بالمثل« سيجري تطبيقه في كل الحالات وبدون دراسة وبدون ترو، ويتم سحب السفير الجزائري من القاهرة .. لكن ذلك لم يحدث .. وفشلت مصر في تحقيق أهدافها من خلال »سحب سفيرها في الجزائر« .. الآن .. وجدت الدبلوماسية المصرية نفسها في ورطة ، فهي تبحث عن كيفية لإعادة سفيرها للجزائر، لكن الغريب أنه في الوقت الذي تم الاعتراف الرسمي في القاهرة من قبل وزراء مصريين أن الإعتداء وقع فعلا على حافلة اللاعبين الجزائريين ، فإن مصر »ما زالت تصر« على إعادة سفيرها للجزائر بشروط منها التعويض والإعتذار. وهو ما يعني أن الجزائر المنتصرة بفريقها البطل ومشجعيه من الشباب ودبلوماسيتها الهادئة والرصينة يجب أن تحوّل انتصارها إلى انهزام دبلوماسي .. وبعده يصبح »انهزاما شعبيا وكرويا« .. إن التعويضات التي يطالب بها المصريون، يجب أن تتم .. يجب أن تعوّض الشركات المصرية عن الأضرار التي لحقت بها .. لكن ذلك لا يجب أن يكون من »خزينة الشعب« .. بل من شركات التأمين التي أمنت فيها الشركات المصرية أملاكها .. أما الإعتذار .. فهذا مرفوض من طرف الشعب الجزائري .. ليس لدينا شيئا نعتذر عليه.. ومهما يكن .. فإن الأضرار المادية قابلة للتعويض وليس مهما الطريقة والمبلغ .. لكن كيف يعوض المصريون »الأضرار المعنوية« التي لحقت بالجزائريين من خلال استهداف الشهداء والتاريخ من قبل الفضائيات والكتاب والفنانين والسياسيين المصريين .. ؟ ماذا نقول للشهداء الذين حررونا من العبودية والاستعمار بعد 132 سنة من القهر والاحتلال .. إذا اعتذرنا – عن جرم لم نرتكبه - لمن وصفوهم باللقطاء والبلطجية ؟ الآن أيضا .. وبعد »خراب مالطة« .. أمر الرئيس حسني مبارك فضائيات بلاده بوقف الحملة على الجزائر .. بعد ما قيل إنها فضائيات خاصة لا سلطة للدولة عليها .. مضيفا أن »مصر لا ترضى بأن تتأثر علاقتها مع الجزائر بسبب أحداث عابرة ..« إن الأحداث عابرة نعم .. والأضرار المادية تعوض نعم .. لكن الأضرار المعنوية لن تمحوها السنون .. وقديما قال الشاعر: قد يرجى لجرح السيف برء ... ولا برء لما جرح اللسان. اليوم يلاحظ توجه مصري جديد، هدفه التنكر لكل ما تم من حملة ظالمة على الشعب الجزائري .. فعمرو أديب الذي كان أحد »الجنود« في »فضائيات الفتنة« وأول من أطلق »رصاصة قتل معنوي« في حق الجزائر، صرح في برنامج بثته قناة الأم بي سي مؤخرا يقول بالحرف الواحد : »أتحدى من يأتيني بتصريح واحد مسست فيه بالجزائر، بل هناك تسجيل فيديو قولني ما لم أقل .. « هكذا بشجاعة كبيرة يكون التنكر للحملة النتنة. والآن كذلك بدأ كلام هنا وهناك .. عن لقاءات مرتقبة بين بوتفليقة وحسني مبارك .. في كوبنهاغن بالدانمارك على هامش قمة عالمية حول البيئة مثلا.. وربما بعدها في القمة العربية المرتقبة بطرابلس في ليبيا .. إن العلاقات الدبلوماسية ستعود بأي شكل من الأشكال .. بتمثيل عال أو بتمثيل بسيط .. لكن لا يجب أن »تسوق اللقاءات« بشكل يحول الجزائر إلى دولة منهزمة وظالمة ومعتدية .. تمحو التجنّد الشعبي الرهيب لنصرة فريقه في الخرطوم .. وتنسينا الجسر الجوي الشهير الذي أقامته الدولة بين الجزائروالخرطوم.. وتنسينا الإحتفال الشعبي التاريخي لتأهل الفريق الجزائري إلى المونديال .. وتنسينا حملة التشويه التي قادتها فضائيات مصر وكتابها وسياسيوها وفنانوها في حق الجزائر.. ارفع راسك يا بوتفليقة .. حتى يبقى رأس الجزائر مرتفعا .. فماذا نفعل لو أصبح جمال مبارك رئيسا لمصر؟ وماذا نقول له ولشعبنا إذا كررت الفضائيات المصرية مثل هذه الحملة النتنة في حقنا ؟